آراء ومقالات

العرب بين شموخ الصقر ومذلة النعامة



على مدى سنين طويلة حذّر كثير من الأحوازيين من المصالح المشتركة بين الدولة
الفارسية والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ضد الدول العربية، إلا أن هذه
التحذيرات لم تجد آذاناً صاغية من الأخوة العرب. ولكن اليوم بدأت هذه الحقيقة التي
ظل البعض يحاول انكارها تارة أو إخفاءها تارة أخرى للتستر على النظام الفارسي
الصفوي، تُكشف.. كما بدأت تتضح للعيان مخاطرها التي سوف تترتب عليها تغييرات كبيرة
في الوطن العربي على الصعيد الأمني والسياسي وربما الجغرافي.

إن مخاطر الدولة الفارسية في الوطن العربي لم تتجل اليوم فقط من خلال كشف
حقيقة التقارب الأمريكي-الفارسي، بل تجلت ملامح تلك المخاطر بالأمس (لدى أهل
الضمائر الحية) من خلال الخطة الخمسينية التي إستمر النظام الصفوي في تطبيقها طيلة
العقود الثلاثة الماضية و التي نتج عنها تغلغل الدولة الفارسية في دول المشرق
العربي وصولاً إلى إقامة معسكرات في اريتريا لتدريب الحوثيين الذين يشكلون جناحها
العسكري في اليمن والجزيرة العربية، مستغلة بذلك وجود الديكتاتور اسياس افورقي
الذي عمل على ابعاد اريتريا عن الأمة العربية. 
 

إن إماطة اللثام عن حقيقة التقارب الأمريكي-الفارسي والمصالح (الاستراتيجية)
المشتركة الناجمة عن ذلك له أهميات عدة، منها:

أولاً: أنها أخرست من كان يؤمن بالعداء الأمريكي-الفارسي. فقد أثبتت الدولة
الفارسية بنفسها أنه لا وجود للشيطان الاكبر الذي جعلت منه حصان طروادة من أجل إختراق
المجتمعات والبعض من الأنظمة العربية. كما تبين أن دول محور الشر التي كانت الدولة
الفارسية ضمنها ليست سوى فرقعات إعلامية هيمنت أمريكا من خلالها على عقول بعض
العرب العاجزين عن الوقوف في وجه المد الفارسي.

ثانياً: أكدت الدولة الفارسية أنها ومنذ تأسيس دولتها الحديثة في بدايات
القرن العشرين، تلعب دور “أفضل ممثل مساعد” لسياسات الغرب في المنطقة
سواء بنظامها الشاهنشاهي أو نظامها الصفوي المتلبس بلباس الإسلام، فمصالحها (كما
تبين للجميع) تتفق مع “الشيطان الأكبر” على الصعيد الإستراتيجي.

وإذا ما نظرنا إلى كشف المصالح المشتركة بين الدولة الفارسية والولايات
المتحدة من زاوية أخرى، فإننا نجد أن الأخيرة قد أعلنت تخليها عن الدول العربية وخاصة
الخليجية بعد تحالف إستمر أكثر من ثلاثين عاما نجحت من خلاله في ابرام صفقات أسلحة
تقدر بعشرات المليارات الدولارات مع هذه الدول، بحجة حمايتها من الدولة الفارسية وأيضاً
بعد إعطاء وعود خاوية لردع المد الفارسي المتفاقم في الوطن العربي.

هنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم على إتخاذ هذه الخطوة
الخطيرة إلا بعد دراستها لوضع حكومات تلك الدول المتأزم وعلمها الأكيد في أن تلك
الدول “لا تمتلك” القدرة على إفشال هذا الإتفاق الامريكي-الفارسي.

وبالفعل إننا نرى اليوم بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية التي تقف
الإمارات والكويت في صفها، تحاول بناء تحالفات مع روسيا في محاولة لتعويض التحالف
الأمريكي السابق. ولكن هل يا ترى تستطيع هذه الدول الحفاظ على أمن بلدانها من
الدولة الفارسية “بمجرد اعلان استنكارها لهذا التقارب”، أو “بمجرد
محاولتها للتحالف مع روسيا”؟

الإجابة هي أن نسبة النجاح ضئيلة جداُ لأن الغرب قد أعطى الضوء الأخضر
للدولة الفارسية للعبث في الوطن العربي بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص، في إشارة
لإعادة دورها كشرطي الخليج العربي كما كان الحال في العهد البهلوي.

لذلك من الأجدر أن تقوم الدول العربية خاصة تلك التي تعاني في هذه اللحظة
من عزلة شديدة بسبب التحالف الأمريكي-الفارسي، أن تقوم بإستخدام أوراقها الضاغطة
ألا وهي:

أولاً: النفط و الغاز.. بإمكان دول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية
السعودية التي تعتبر من أهم المصدرين للنفط إلى العالم، القيام بالضغط على الغرب
من خلال ورقة النفط. فإن إستخدام هذه الورقة الضاغطة سيكون بمثابة عملية ردع لتحركات
كلٍ من الدولة الفارسية والولايات المتحدة ضد الدول العربية.

ثانياً: أن تقوم الدول العربية (خاصة الخليجية) بدعم القضية الأحوازية لقلب
ميزان التحالفات في المنطقة وإفشال توقعات الغرب وخاصة الولايات المتحدة التي
راهنت على صمت هذه الدول العربية أمام التغييرات الأمنية والسياسية التي ستنتج عن
هذا التقارب. خاصة وأن دعم ملف القضية الأحوازية بإمكانه تغيير موازين القوى في
المنطقة، ومن شأنه الحد من المد الفارسي في الوطن العربي.

كما إن هذا الدعم فضلاً عن نتائجه الإيجابية لصالح الدول العربية، فهو يبقى
بالدرجة الأولى واجبا عربيا قوميا تجاه أخوتهم في الأحواز المحتلة.

 

ثالثاً: أن تقوم الدول العربية بدعم المقاومة الوطنية الأحوازية والعراقية
من أجل تشكيل حزام أمني رادع لسياسات دولة الإحتلال الفارسي في الحدود الشرقية
للوطن العربي التي حوّلها العدو إلى ساحة اختراقات وتآمر ضد الأمة العربية.  

أما إذا لم يقف العرب وقفة حازمة أمام هذه الخطوة الخطيرة للولايات المتحدة
ضد العرب فلا نستبعد أن يعود الوطن العربي وخاصة الجزيرة العربية في فترة وجيزة،
مئة عام إلى الوراء، حيث كانت تحكم هذه القبيلة هذا الجزء وقبيلة أخرى ذلك الجزء
من الأراضي العربية، تاركة الفرس والغرب يتحكمون بزمام أمورها وقوتها.

هنا يبقى العرب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ينتفضوا ويسموا سمو الصقر
الشامخ لإسترجاع حقهم أو أن يستكينوا إلى ذل كما إستكان رأس النعامة تحت
الرمال. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى