آراء ومقالات

قطر الأحواز وأحداث تاريخية

بالرغم من الهجرة التي إعتادت عليها شعوب العالم قبل الاّف السنيين، لكن ارض الأحواز العربية شهدت تواجد وإستقرار سامي، عربي سجل عبر الشواهد التاريخية والأثرية الملموسة والمؤكدة علميا، حسب الحفريات التي أجريت من قبل علماء الاثار(الفرنسيين وغيرهم) سجل واقعا على الأرض تمتد جذوره الى الالف الرابع قبل الميلاد وبهذا تطل علينا اّثار الحضارة العيلامية من تحت التراب العربي الأحوازي بإمتداد الخط الشمالي للوطن المحتل من مدينة السوس العاصمة العيلامية مرورا بمدينة تستر الأثرية والتي كشفت فيها مؤخرا مناطق أثرية من تحت الأطلال والسفوح الواسعة، الى مدينة الأحجار السبعة وما بعدها من مدن أثرية، وبذلك تسجل أرض الأحواز العربية على سفوحها تواجد حضارة سامية عربية ترتبط بحضارة بين النهرين ارتباط جذري وعضوي، حضارة لها خصوصيتها وقواعدها ونمطها من حيث القوانين الاجتماعية وقيمها وصناعتها وهندستها المعمارية .

عندما نشأت حضارة عيلام في شمال الأحواز إتخذت من مدينة السوس عاصمة لها بسبب موقعها الإستراتيجي المشرف على سفوح واسعة تمتد حتى مياه الخليج العربي من جانب وتحتضن الجبال من الجانب الاخر، وبهذا  تمكنوا العيلاميين من بسط  سيطرتهم على جميع المناطق المحاذية لهم وجذروا تواجدهم ووضعوا اساليب وقوانين لمجتمعهم وبنوا الجسور وشيدوا المعابد وأبدعوا بصناعتهم حتى تكونت مملكة عيلام السامية القوية والتي حكمت لأكثر من ثلاثة آلاف عام في المنطقة .

شهدت تلك الفترة أحداث تاريخية مهمة منها: في عام 2095ق,م,غزا الملك البابلي حمورابي أرض عيلام وضمها إلى مملكته.وفي عام 1160ق,م, فتح الملك العيلامي شوتروك ناخوتة أرض بابل حيث أستولى على تمثال مردوك أكبر آلهة بابل  ومسلة حمورابي التي عثر عليها علماء الاّثار الفرنسيين مع آثار قيمة أخرى في مدينة السوس عام 1901م.

 استمرت الصراعات في بلاد عيلام وواجهت الحضارة العيلامية حروب عديدة وغزوات من قبل الحضارات الأخرى كالحضارة الأشورية والأكادية والأخمينية (الحضارة العسكرية الفارسية )  وتم احتلالها في فترات معينة لكن الإحتلالات لن تلبث فيها كثيراً وذلك بسبب الثورات العيلامية المتكررة والتي تعتمد على الوجود الحضاري والإنساني والعقائدي والإجتماعي والثقافي  الخ….والتي أدت في نهاية المطاف الى طرد المحتلين من الارض العيلامية.

 ان الحديث عن هذا التاريخ الغني طويل جداً وبإمكان المتابع أن يراجع الكتب التاريخية المتعلقة بحضارة بابل وعيلام كما إن المتاحف الفرنسية مليئة بالوثائق والاثار ألتي ترتبط بالحضارة العيلامية مثل متحف اللوفر الفرنسي المعروف .

"أحداث أخرى شهدها القطر الاحوازي أثناء الدولتين العربيتين الأحوازيتين، الدولة المشعشعية والدولة الكعبية" :

تأسست الدولة المشعشعية العربية على يد محمد بن فلاح المشعشعي عام 1436 م . فحافظت هذه الدولة على وجودها أكثر من ثلاثة قرون في مرحلة صعبة عاصرت الدولتين الفارسية والعثمانية وتمكنت في بعض الفترات من بسط سيطرتها على أجزاء كبيرة من أراضي هضبة فارس مثل محافظة كرمنشاه وأجزاء من العراق الذي كان يعيش الحكم العثماني كـ البصرة وواسط ,بالإضافة إلى مناطق الإحساء والقطيف .

شهدت بلاد الأحواز صراع محتدم بين الدولة الفارسية والدولة المشعشعية حيث تصدت الدولة المشعشعية للطموح التوسعي الفارسي بكل صلابة مدافعة عن الارض والسيادة بإستثناء بعض الأحداث العابرة والتي اعطت الفرصة للدولة الفارسية إمكانية الدخول والسيطرة على بعض الأجزاء من الوطن الأحوازي مثل، دخول القوات الفارسية الغازية في عام 1509م  وإحتلال مدينة الحويزة عاصمة المشعشعيين بقيادة شاه إسماعيل الصفوي ,إلا أن هذا الاحتلال لم يدم طويلا حتى تمكن الأحوازيين من ارغام شاه إسماعيل الصفوي بالإنسحاب من الارض الاحوازية والإعتراف بالحكم المشعشعي في المنطقة، وفي حدث اّخر أحتل نادر شاه الأفشاري أجزاء من إقليم الأحواز عام 1732م,وقتل أميرها محمد بن عبدالله المشعشعي . وتزامناً مع ذلك الحدث أخذت أمارة بني كعب تبرز على الساحة, بعد ان تمكن أمراؤها من مد نفوذهم في مناطق مجاورة لإمارتهم .

وفي عام 1747م,إسترجع مطلب بن عبدالله المشعشعي مدينة الحويزة ومن ثم فرض سيطرته على مدن أخرى في الإقليم ,مما أجبر الدولة الأفشارية على الإعتراف رسمياً بحكومة  المشعشعيين في الحويزة .و في عام 1757م غزا الشاه الفارسي كريم خان زند الوطن الاحوازي لكنه هُزم امام القوات الكعبية هزيمة كبيرة وتكبدت قواته الغازية خسائر جسيمة بالارواح والمعدات، وفي عام 1765م,تحالفت القوى الكبرى في المنطقة (الدولة الفارسية، الدولة العثمانية، الدولة البريطانية) لكنها هزمت ايضا امام جيش شيخ سلمان الكعبي الذي استدرجهم الى الاهوار والمستنقعات ومن ثم كبدهم خسائر جسيمة واستولى على العديد من سفنهم . فهذه المرحلة تعتبر مرحلة ذهبية بالنسبة للدولة الكعبية، إذ تراكم انتصارات الدولة الكعبية اجبرت الدولة الفارسية بالاعتراف بها، حيث إعترف ناصر الدين شاه القاجاري رسميا بإستقلال المحمرة في عام 1857م. وأقر بأنها إمارة وراثية لها سيادتها وقوانينها الخاصة .

في عام 1888م فتح نهر كارون امام الملاحة الدولية وذلك للمرة الأولى ,وفي عام 1897م تم اغتيال الأمير مزعل بن جابرالكعبي  واستلام شقيقه الأمير خزعل الحكم  والذي تحالف بدوره مع بريطانيا حفاظا على استقلال إمارته من الدولتين العثمانية واالفارسية, وقد لعب دورا بارزا في أحداث الربع الأول من القرن الماضي، حيث قال عنه أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب) إنه اكبرهم سناً بعد الملك حسين  وأسبقهم إلى الشهرة و قرين أعظمهم إلى الكرم. وفي عام 1902 وعدت بريطانيا الأمير خزعل رسمياً بأنها ستقف في وجه أي هجوم أجنبي يستهدف إمارته.

 

عام 1907م_وقّعت بريطانيا وروسيا القيصرية على معاهدة قسمت الدولة الفارسية إلى ثلاثة مناطق نفوذ , بريطانية و روسية ومحايدة في الوسط ,إلا أن اقليم الأحواز لم يذكر في إطار تلك التقسيمات وهذا يدل على استقلالية هذا الإقليم . وفي عام 1908 م, تم إكتشاف النفط في الأحواز, ومنحت بريطانيا الأمير خزعل لقب ,, سير و وسام k.c.i.e و من ثم أوسمة وألقاب أخرى .عام 1914,ساهم إندلاع الحرب العالمية الأولى في تعزيز النفوذ البريطاني في المنطقة , و بالتالي فقد ساعد هذا النفوذ في دعم مكانة الأمير خزعل واستقلال إمارته ودخلت القوات البريطانية ميناء عبادان للحفاظ على المنشآت النفطية.

وفي عام 1917م إنتصار الثورة البلشفية في روسيا، دفع بالقوى الغربية وخاصة بريطانيا إلى تغيير إستراتيجيتها تجاه المنطقة حيث أخذت تتخلى شيئاً فشيئاً عن دعمها لإستقلال إمارة الأمير خزعل لصالح كيان فارسي قوي وموحد يشكل حاجزا أمام الشيوعيين الروس ومحاولاتهم للوصول الى المياه الدافئة ,وفي عام  1924م, أعلن الشيخ خزعل مقاومته لسياسات رضا خان التوسعية فقام بعرض قضيته على عصبة الأمم المتحدة, بعد تخلي بريطانيا عن الشيخ خزعل كما أسلفنا وفي عام 1925م, تم احتلال الأحواز بعد مقاومة شرسة ابدها الجيش الاحوازي الذي تصدى للجيوش الفارسية الغازية مكبدا اياها خسائر كبيرة في اكثر من منطقة من مناطق القطر الحدودية، لكن الكيد الفارسي والدهاء البريطاني وضعت الامير خزعل الكعبي في شرك الخديعة مما تسبب في اسره ونقله مباشرة الى مدينة طهران العاصمة الفارسية ووضعه تحت الاقامة الجبرية ومن ثم الاستيلاء والسيطرة على الوطن الاحوازي .

لا شك ان احتلال الاحواز في عام 1925م لم يكن نهاية المطاف في معركتنا التاريخية مع الفرس، حيث تم احتلال هذا القطر من قبل الدولة الفارسية قبل الاسلام وبعد الإسلام عدة مرات كما أسلفنا، لكن في جميع تلك الأحداث لم تتمكن الدولة الفارسية من السيطرة على هذا القطر العربي الاصيل ومسح هويته العريقة، واستطاعوا أبناء الأحواز من تحرير وطنهم في معارك شرسة، قصر البعض منها وطال الاّخر، كما انهم تمكنوا أن يلحقوا بالعدو الفارسي هزائم منكرة، فعلى ضوء هذه التجربة التاريخية الثمينة اننا امام معركة أخرى نطمح ان تكون المعركة القاضية والحاسمة لأي طمع فارسي في أي ارض عربية في منطقة الخليج العربي ،لذلك اصبحنا نحن الأحوازيون اليوم أمام تجربة تاريخية اخرى تحتاج منا الكثير من العطاء والتضحية على كل المستويات ومختلف الاصعدة, ولكي لا نعطي العدو فرصة البقاء في وطننا المحتل اكثر من هذا، فهل نستطيع ان نجمع صفوفنا ونوحدها في خندق وطني واحد لكي نجعلها مع العدو معركة حاسمة ام لا ؟ فهذا سؤوال يطرح على كل الوطنيين في الداخل والخارج بغض النظر من التوجهات والإنتماءات الحزبية والتنظيمية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى