آراء ومقالات

أنا و الأحواز و ثالثنا المرآة…

هلا وقفت أمام المرآة مرة واحدة في حياتك بصدق، لا لتسرح شعرك المجعد الذي طالما تغزلت به أمك لترضي أمومتها، بل لتسرح أفكارك في معنى حياتك التي تعيش تتقلب فيها بين متعة و أخرى في هذه الدنيا ؟

   هلا غصت يوما في بحر عينيك السوداوين لتكتشف أنك تعيش في كذبة العمر الذي يتفلت من بين أصابعك يوما بعد يوم دون أن يكون لوجودك معنى، و أنت تمني نفسك أن يكون لك شأن ما غدا، و الغد لن يأتي اليوم أبدا؟

   هلا تأملت تجاعيد وجهك التي حفرها الخوف عليه؟، هي تجاعيد تفنن برسمها الزمن ليصنع منك رجلا و أنت تابى إلا ان تنتظر مجيء الرجولة دون أن تسعى لها ؟

    لقد سبقوك بكل شيء، هم الأبطال الذين شيعوا أرواحهم قبل موتها ، و أنت لا تزال على مفترق الطرق حيران بين حب الحياة و حب الممات.

   فهذا أخوك قد ساقه الحقد المجوسي لملاقاة باريه مقيد اليدين و القدمين، و ذاك جارك قد رحل في طلب الكرامة منذ مدة و لم يعد،و الثالث ريسان، و ريسان أمة تصنع مجدا،  يقبل حبل مشنقة عدها جواز سفره إلى الجنة ، و آخر يلح في طلب الفراق لكنه فراق غير وايق ،و غيرهم كثير، و أنت أنت لا تزال أمام المرآة تتأمل وجهك العاري .

  متى تتوقف عن منافسة أختك بأنك أنت الأجمل؟ متى تضع حدا للعبك مع أبناء الحارة و قد تجاوزت سنين اللعب بحجة أنك تتمتع بأخلاق عالية دمثة ؟ متى تتوقف عن إلقاء نكاتك السمجة التي مجها الدهر لتتميز بخفة الظل؟

   متى و متى و متى، متى تدرك أن وطنك الأحواز الذي جبلت طينتك من ترابه محتلا يجيس فيه عدو غاصب خلال الديار و لا يرعى فيك و فيه إلا و لا ذمة، وهو يستصرخك صباح مساء لتعتقه من نير قيده الذي أثقل كاهله؟ 

   تأمل جيداً عينك التي لم ترَ رصاصةً واحدة .. وما زلتَ مقتنعاً أنَّك رجل ، عجباً ؛ تأمل جيدا في كفيك هل أمسكت يوما حجرا و ألقمته كلبا من تلك الكلاب المسعورة ؟ تأمل جيدا في أفكارك و خواطرك هل حدثتك نفسك أن تعيش حرا كما الإنسان؟
   جرّب مرّة وشيّع خوفك ..احمله في آلة حدباءَ على كتفيك ، أنتَ لن تفعل شيئاً ،

ستخرجْه من رأسك وتنزله إلى كتفيك فقط !
هل حاولت أن تهمس قليلاً ..؟ أن تسمع حشرجات حنجرتك ؟، هل كبَّرتْ يوماً خارج منزلك؟ هل هَتَفَتْ يوماً باسم الحرّية التي تقرأ يومياً عنها في المقالات والكتب ؟
تأمل شعركَ المجعد الذي تغزلت به أمك هل جرّب يوماً صبغةً حمراء ، كبقايا دمٍ مثلاً ؟ إلى متى ستبقى سجين خوفك أنت يا صاحبي؟ و سجون الأرض في أيامنا لا يدخلها إلا العظماء ،أما السجون في دواخل البشر .. هي مقابرٌ لا تُحفرُ قبورها إلا في أرواح الخائفين .. الصامتين ما أشبه حياتك بسواد عينيك و أنت بعيد عن حريتك و حرية وطنك، قم للحياة مسرعاً ، كما ينسل البشر من الأجداث يومَ يُبعثون
اجمع بعضك وارتمِ في حضنِ محبة الأحواز.. ستعلم حينها كم كان مخطئاً من قال : " محالٌ أن ترى حضناً ألذ وأحن عليك من حضن الأم " !
جرَّب مرَّة العصيان .. صُم يوماً عن الذل جرَّب مرَّة المشي إلى الموت .. كم سيكون الدرب سهلاً.

ثُر على عقلكَ الخانع قبل أن تثور في شوارع الأحواز التي حفضتها و عرفتك، إنَّ التاريخ إنْ مضى لا يرحم قبّل جبين أمّك ، فأجمل القبل آخرها إحمل حلمك بتحرير وطنك و عتق رقبتك على كتفك و عندما تضع يدك بيد أبيك مصافحا و مودعا ستجد أن كفك يملأ كف أبيك رجولة و تباهيا افتح الباب ..تشَّهد ..سترى الحياة تنتظركَ على العتبة ،إما حياةُ حرية و كرامة وإما حياةُ جنَّة  الخلد و في كل نصروفي كلٍّ نصر !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى