تخلي حكام إيران عن سلوك التقية في الأزمة السورية
تتوالى تصريحات القادة
العسكريين الإيرانيين حول الأحداث في سوريا. وقد تخلى القادة الإيرانيون عن مبدأ
التقية المشهور والمتفشي بين أوساط الإيرانيين، حيث يسمح الفرد منهم لنفسه أن يقول
شئ و يفعل عكسه. أن يدعي الشخص موقفاً ويأتي بغيره. هذا المبدأ الموروث من الدين
الزردشتي (المجوسي) وقد أقحم لاحقاً في معتقدات المذهب الشيعي الصفوي يسمح لصاحبه
بالكذب والتدليس بسبب أو بدون سبب. قد أصبح هذا المبدأ وهذه الممارسة هو المحرك
الفعلي لكل تصرفات قادة إيران في التعامل مع كل القضايا الإيرانية والإقليمية
والدولية المطروحة، ومنها موقفهم المخزي من ثورة الشعب السوري الباسل. وقد إنكشف
الموقف الإيراني على حقيقته ونال أصحابه إحتقار وإشمئزاز شعوب العالم وكل من له
عقل وضمير.
تصريحات قائد الحرس
الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس الأخيرة محمد علي جعفري حول وجود لقواته في كل
من سوريا ولبنان، ومشاركة هذه القوات في الصراعات الدائرة في هذين البلدين
العربيين خرجت عن المألوف في السياسة الإيرانية المعلنة والمتمثلة بالإنكار الدائم
لتدخلها في الشأن السوري، وخرجت أيضاً قواعد السياسة في العلاقات الدولية، وقد
استفزت هذه التصريحات المعلنة كثيراً من القوى العربية والدولية، مما استوجب أن
يستدعي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل سليمان السفير الإيراني ويطلب منه تفسير
لهذه التصريحات ولهذا التواجد الأمني والعسكري الإيراني المتحدي لصلاحيات السلطات
اللبنانية على الأرض اللبنانية. وتبعت تصريحات جعفري تصريحات رئيس الأركان العامة
الإيراني اللواء حسن فيروز آبادي عندما قال “إن الحرب الجارية في سورية هي
حرب بلاده”. تصريحات هذين القائدين العسكريين، وهما يشكلان أعلى رتب عسكرية
ميدانية في الدولة الإيرانية يعتبر في المفهوم السياسي الدولي هو إعلان حرب من طرف
واحد إيراني على الشعب السوري. يضاف إلى ذلك القرار الذي اتخذه الرجل الأول في
الدولة الإيرانية علي خامنئي بأن قوات القدس والقوى الأمنية الإيرانية المنتشرة في
العالم أن توقف نشاطها في في كل دول العالم وتحصر نشاطها وتركز قدراتها الآن فقط
في الدول القريبة من إيران. أي دول الخليج العربي والعراق وسوريا.
وقد تناقلت في نفس الوقت
وكالات الأنباء العربية والعالمية تقارير دبلماسية وصحفية متواترة عن إمدادات
عسكرية من سلاح وجنود إيرانية إلى عصابات الأسد في حربه القذرة على الشعب السوري
على متن طائرات مدنية إيرانية تابعة لشركات حكومية، وذلك عبر الأجواء العراقية.
وقد كشفت هذه التقارير وهذه المعلومات تواطؤ حكومة المالكي الطائفية في بغداد مع
إيران في هذا الجهد الحربي الإيران ضد الشعب السوري.
لكن السؤال لماذا أصبح الفرس يلعبون لعبتهم الدموية القذرة في الساحة
السورية على المكشوف وبدون تورية ودون ممارسة التقية المتأصلة في سلوكهم، ويطالعنا
قادة هذا النظام البائس في طهران كل يوم بأنهم مشاركون في المعركة التي يخوضها
الأسد وعصاباته المجرمة ضد الشعب السوري الثائر! ما الخطب وما الذي جرى حتى يجبر
حكام طهران للتصريح بحقائق يعرفون أنها تدينهم وربما تعقد وضعهم علاقاتهم الدولية
أكثر مما هي عليه من التعقيد ؟
إن الجواب على هذا السؤال لا بد أن يكون في صلب الموضوع السوري، وله
علاقة مباشرة في تطور الأحداث على الساحة السورية. لكل من يتابع مسيرة الأواضاع في
سوريا من كل جوانبها السياسية والعسكرية يلحظ بأن نظام عصابات الأسد يسير إلى
مصيره المحتوم بالزوال عن الأرض السورية، ويؤشر على قرب وحتمية وإنتصار الثورة
السورية على نظام العصابة. إن حكام إيران يستشعرون الخطر الداهم حولهم من خلال قرب
تهاوي نظام عصابات الأسد في سوريا.
فقد صمد الشعب السوري
وطور من قدراته الذاتية على الرغم من حجم درجات البطش والإجرام التي صنعتها آلة
القتل الأسدية في صفوف الشعب السوري، وعلى الرغم من آلة الدمار الأسدية التي عملت
تدميراً وخراباً في المدن والقرى والأحياء السورية، وبشراكة مطلقة من القوات
الإيرانية الحاقدة. فإن الشعب السوري وقواه الحية صمد وحقق إنتصارات عسكرية حقيقية
على الأرض، وأصبح جيشه الحر وكتائبه المقاتلة تسيطر على أغلب مناطق الوطن السوري.
لقد أدرك الفرس أن نظام عصابات الأسد أيل إلى السقوط المدوي لا محالة، وأن بسقوط
هذا النظام هو سقوط محتم لمشروعهم الفارسي العدواني في المنطقة العربية، فكانت
سلسلة التصريحات النارية لقاده نظام الملالي في القاتل في طهران هي مجرد مساهمة
أخيرة من طرف حكام طهران لرفع معنويات عصابات الأسد في سوريا النهارة والمتناقصة
بشكل مضطرد، وهي محاولة لرفع معنويات القوى والأطراف الإقليمية الطائفية في لبنان
والعراق لدفعها لمد يد العون لهذا النظام المتهالك في دمشق حتى يصمد لفترة أطول
بإنتظارحل سياسي يبقي له أي نوع من الوجود ويجنبه ويجنب إيران حالة السقوط المدوي
وبالتالي الدمار الشامل لمشروعهم القومي الفارسي في المنطقة العربية.
وكانت حركة حزب الله وخروج حسن من سردابه إلى العلن، وحشد كل طاقته
الإعلامية والجماهيرية في وسط بيروت، والإيحاء بأنه لازال هو وحزبه أقوياء، من
خلال استغلال حادثة نشر الفلم المسيئ للرسول الكريم، هي أيضاً مساهمة في رفع
معنويات هذا الطابور الخامس في الساحة اللبنانية والساحة العربية. هذا الطابور
الخامس العمليل لدولة إيران في المدن العربية يرى مصيره الأسود قد إقترب، وهم
يعلمون كم إقترفت أيديهم من جرائم بحق الشعب السوري والشعب العراقي والشعب
اللبناني واليمني. لقد أيقن قادة الطابور الخامس الإيراني في الساحة العربية أن
أيام الفلتنه والتشبيح التي إبتدعوها في الدول العربية قد دنت، ومرتبطة إرتباطاً
وثيقاً بسقوط عصابات الأسد الفاجرة وسحقها تحت أقدام الشعب السوري الثائر.
لم تنفع إيران والمالكي محاولة تحشيد ثلاثة فرق عسكرية عراقية تم
جلبها من جنوب العراق بإشراف وقيادة ضباط طائفيين وفرس إلى الحدود العراقية
السورية. ففي نهاية شهر تموز/ يوليو من هذا العام إنتفضت حلب وحرر الجيش السوري
الحر أحياء عديدة من مدينة حلب الشهباء بعد تحريره الريف الحلبي، وقد كانت في نفس
الوقت قد دخلت كتائب الجيش السوري الحر أحياء عدة من العاصمة دمشق ودارت إشتباكات
مسلحة بين الثوار وعصابات الشبيحة في شوارع قريبة من القصور الجمهورية والمؤسسات
الأمنية، شعر حكام إيران أن حليفهم أو ربيبتهم في دمشق أصبح في خطر حقيقي، وأن
الأرض تميد من تحت قدميه وأقدام شبيحته ومرتزقته. وخاصة بعد تفجير الخلية الأمنية
في 18 تمّوز يوليو 2012 التي قتل بها
أغلب القيادات الأمنية الأساسية لنظام عصابات الأسد. في هذه الأجواء والأحداث
المتسارعة أوعز حكام إيران إلى عميلهم في بغداد نوري المالكي بالدفع بقوات عراقية
إلى الحدود السورية كمقدمة للتدخل العسكري البري لصالح عصابات الأسد. ووصلت بالفعل
ثلاثة فرق عسكرية عراقية قادمة من البصرة في جنوب العراق إلى الحدود السورية. ووصل
مع هذه الفرق العراقية الثلاثة مجموعات من قطعان الحرس الثوري الإيراني وفيلق
القدس الإيراني.
وحتى يكتمل السيناريوا
وتبرر المؤامرة الإيرانية على الشعب السوري طلب حكام إيران من نوري المالكي رئيس
وزراء العراق بالإعلان عن فتح الحدود العراقية أمام اللاجئين السوريين الهاربين من
الحرب في بلادهم بعد أن أعلن المالكي وحكومته مراراً وتكراراً عدم إستعدادهم
لإستقبال أي لاجئ سوري، وأغلقت حكومته الحدود في وجه السوريين لمدة سنة وثلاثة
أشهر متواصلة، ليشكل بادرة متميزة في السوء ونكران الجميل قل مثيلها في غلق
الأبواب في وجه من جار عليه الزمان ويطلب النجدة من جار وقريب.
لكن لماذا هذا التغير الطارئ والمفاجئ لحكومة المالكي في الموقف من قضية اللاجئين
السوريين، وكيف عادت إلية المروئة والشهامة فجأة وهي غير معهودة في مزاياه ومزايا
حاشيته! ما السبب الحقيقي لهذا الموقف الجديد للمالكي ؟
الجواب كان واضح وبديهي، وقالت العرب:عندما يعرف السبب يبطل العجب، وهو العمل على
إتخاذ وجود بعض اللاجئين السوريين على الأرض العراقية كحجة وسبب مباشر للتدخل
العسكري العراقي المباشر في الصراع العسكري على الأرض السورية إلى جانب قوات
الأسد. ولصنع ذريعة أن بعض “الإرهابيين التكفيريين” دخلو الأرض العراقية
وهددوا الأمن الوطني العراقي، وبالتالي من حق القوات العراقية ملاحقة هذه
المجموعات داخل الأرض السورية لعدم مقدرة السلطات السورية على فعل ذلك. كان حكام
إيران ومجموعة المالكي الطائفية في العراق يبحثون عن ذريعة مقبولة دولياً للدفع
بقوات عراقية وإيرانية برية بأحجام كبيرة لإنقاذ عصابات الأسد من الإنهيار بعد
تناقص وتآكل قدراتها البشرية، ومن أجل المساهمة في التصدي لقدرات الشعب السوري
الثائر المتنامية والمتصاعدة بشكل مستمر. وقد أثبتت الوقائع والأيام التي تلت أن
حكومة المالكي ليس بوارد لا من قريب ولا من بعيد على مساعدة اللاجئين السوريين بأي
شكل من الأشكال، ولازالت هذه الفئة من العراقيين تتعامل مع الشعب السوري وكفاحه من
أجل الحرية والتحرر كعدو مبين.
فقد وضع كل اللاجئين السوريين ممن تمكن من دخول الأرض العراقية في تلك الفترة
الزمنية القصيرة في مراكز حكومية هي أقرب للمعتقلات من غيرها من الملاجئ، وتفتقد
هذه المراكزلأي من مقومات الحياة الكريمة لهؤلاء اللاجئين التعساء. لقد منع هؤلاء
اللاجئين من دخول القرى والمدن العراقية، ولم يسمح لأبناء الشعب العراقي من
استضافتهم في بيوتهم على الرغم من الإستعداد الكبير الذي أبداه المواطنون العراقيون
في المناطق الحدودية على ضيافتهم وتقاسم معهم المسكن والمأكل، وهم بالمناسبة
بأغلبيتهم أبناء عمومة وخئولة وتربطهم باللاجئين السوريين صلة القربى والنسب. وقد
عادت حكومة المالكي العميلة بعد فترة وجيزة إلى طبيعتها الحقيقية وأغلقت من جديد
الحدود العراقية بوجه اللاجئين السوريين، كل ذلك بعد إنكشاف وفشل المخطط الإيراني
ـ العراقي الغادر.
كان الجيش السوري الحر قد كشف لعبة الفرس، وأطلع على تواطؤ حكام بغداد من الطابور
الخامس الإيراني. وقد أسرع الجيش السوري الحر وإحتل أغلب المعابر الحدودية بين
العراق وسوريا، وأحتل كل المغافروالنقاط العسكرية الممتدة على طول الحدودية
السورية العراقية، وسيطر على جانب الحدود السورية مع العراق، وصنع منطقة عازلة
بعمق 100 كم داخل الأرض السورية. وقد نجح بذلك بمنع أي إمكانية تواصل بين القوات
العراقية ـ الإيرانية الغازية مع قوات عصابات الأسد في تلك المناطق. لم تستطع
القوات العراقية القادمة من الجنوب العراقي بقيادة فارسية من التوغل والتقدم إلى
داخل الأرض السورية لأن الجيش السوري الحر قد بسط سيطرته على أغلب مساحة كل من
محافظة دير الزور ومحافظة الحسكة السوريتين الحدوديتين. وقد شرع الجيش السوري الحر
في تحرير هاتين المحافظتين السوريتين من براثن عصابات الأسد فوراً ليقطع الطريق
على إيران ويفشل المشروع الفارسي العدواني من أساسه. وقد نجح نجاحاً باهراً ووضع
القائمين على هذا المشروع العدواني في حيرة من أمرهم وأوقعهم في مأزق وحرج عسكري.
لم يبق لحكام إيران
القتلة بعد فشل كل الحيل والمشاريع، وفشل كل المساعدات والتدخلات الإيرانية في
الشأن السوري من وقف تقدم الثورة السورية إلا اللجوء إلى ورقة رفع المعنويات
المنهارة لعصابات الأسد، وذلك عبر تأكيد حضورهم ووقوفهم العلني والصريح إلى جانب
الأسد وعصابته في حربهم القذرة على الشعب السوري من خلال تصريحات مسؤولي إيران
العسكرية، وتصريحات خامنئي. وإن تخلي حكام إيران عن طبعهم المعهود في الكذب
والخداع والتقية يفصح عن حجم المأزق الذي هم فيه وحجم الورطة التي وصل إليها
صنيعتهم في دمشق.
لن تجدي كل محاولات حكام
إيران نفعاً، فصقوط هذه الطغمة أصبح حتمي وما هي إلا مشكلة زمن. فقد قرر الشعب
السوري على تكنيس الوطن من دنس هذه العصابة الفاجرة وتدنيس سوريا من دنس الأحقاد
الصفوية الشعوبية. سينتصر الشعب السوري وستصبح المخططات الفارسية العدوانية ضد الشعب
السوري والشعوب العربية جزء من التاريخ، ولعنة تضاف إلى سجل هذه الفلول المليئة
بالمخازي والهزائم.