آراء ومقالات

تقييم قتالي لتدابير غلق المضيق

منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية لم يشهد الخليج العربي تصعيدا كالذي حدث هذا الشهر. فاللهجة الإيرانية أخذت وضوحا ما بعده وضوح، بوصف المسؤولين الإيرانيين زيارة أحمدي نجاد للجزر كزيارته أصفهان. بيد أن التوصيفات ليست مهمة مقارنة بالإجراءات العملية على الأرض. فما قاله قائد القوة البحرية للحرس الثوري عن نشر ألوية من مشاة البحرية في الجزر الثلاث؛ أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، يمثل خطوة جدية للغاية؛ ليس في مجال الإصرار على التمسك بالجزر فحسب، بل لإدارة صراع مباشر وعمليات قتالية واسعة، لتأمين ثلاث غايات في آن واحد، هي: تعزيز قدرة التحكم في المضيق وغلقه في حالة نشوب الحرب. ومنع استعادة الإمارات للجزر في ظروف قتالية دولية مفاجئة. واستخدام الجزر كموقع متقدم لإطلاق صواريخ قصيرة المدى بدل الصواريخ البعيدة، التي تدعو الحاجة إليها لمهاجمة الأهداف البعيدة، حيث لا ينبغي المبالغة في عدد الصواريخ البعيدة المدى الموجودة فعلا لدى إيران. ولم يكن مألوفا أن تقوم قوات درع الجزيرة بمناورات بهذا الوضوح أيضا. على الرغم من قلة المعلومات المتاحة للمتابعين مثلنا عن تفصيلاتها وحجم القوات فيها، وما إذا كانت مناورات هيكلية لتدريب المقرات وهيئات الركن أم للتشكيلات القتالية معا. وهي على أي حال مناورات تكتسب نقلة جوهرية في مجابهة احتمالات تطور الموقف، بأبعاده الإقليمية، أو بتطورات الملف النووي الإيراني، الذي قد تطرأ عليه مفاجآت، وإن كانت غير محسوبة، في الوقت الحاضر. الفكر العسكري بقي كما ابتدأ قبل أربعين عاما منذ سيطرة قوات الشاه على الجزر، فقد بدأت الغاية بفرض التحكم في المضيق نظرا لموقعها الاستراتيجي الخطير. وها هي اليوم تستخدم لتعزيز قدرة التحكم في حال تكامل عناصر التحكم، التي تتطلب قرارات حاسمة ومصيرية، ربما يكون الحديث عنها مبكرا حاليا. في تقدير موقف الاستخبارات، وكذلك في تقدير موقف العمليات، هنالك سؤال تقليدي يطرح على الدوام، يمثل جوهر البحث عن المعضلات، هو: إذن ماذا؟ والجواب هنا يدور حول محور واحد لا غير، هو أن المنطقة تتجه نحو المزيد من التصعيد، وما يجري في الخليج قد لا يكون بعيدا عن الوضع الخطير جدا على الساحة السورية، حتى لو كان ارتباطه المباشر محسوبا على الملف النووي الإيراني. فالتحركات الإيرانية على أكثر من ساحة عربية بدأت تواجه تحركات عربية عموما وخليجية تحديدا، بحكم الدور القيادي الذي يضطلع به الخليجيون. فقدرات الخليج العربية اليوم ليست كما كانت البارحة، وفلسفة القيادة في اتخاذ القرارات حققت نقلات تتوازن مع تعاظم القدرات الاقتصادية والقتالية. فالقدرات الهجومية الجوية بلغت مرحلة القوة الضاربة عددا ونوعا وتدريبا. ولا تزال القوة الجوية حاسمة في أي مجابهة نظامية على نطاق واسع جوا وبرا وبحرا. كما أن نظم الدفاع ضد الصواريخ ماضية بمستويات لا يُستهان بها. ولم تتعايش المنطقة مع التهديدات الصاروخية الإيرانية فحسب، بل عملت على توفير قدرات مجابهة تقلل من تأثيرات التهديد عمليا. الخطوة الإيرانية بنشر ألوية من مشاة البحرية في الجزر الثلاث تعتبر خطأ استخباراتيا وعمليا، لأنها قدمت معلومات مجانية مبكرة لأجهزة الاستخبارات المقابلة الإقليمية والدولية الكبرى المعنية بأمن الملاحة البحرية. وبالتالي، وفرت الوقت لهيئات ركن التخطيط في وضع الخطط المستقبلية في ضوء المعطيات والحقائق المادية، وليس وفق افتراضات نظرية كثيرا ما تضع المخططين في حالة تشويش عما سيفعله الطرف المقابل. وهذه من ضربات الحظ التي نادرا ما تحظى بها أجهزة الاستخبارات للوصول إلى حقائق مادية عن مجموعة الخطط القتالية، من دون الحاجة إلى استنتاجات المحللين الاختصاصيين. مع ذلك، فهذه التطورات لا تعني أن الحرب على الأبواب، بقدر ما تدل على أن زمن التهديد الجدي بلا عمل مقابل أصبح من معطيات مرحلة تجاوزتها القدرات. وتعطي دليلا أيضا على أن الحرب الباردة يمكن أن تكتسب سخونة عالية تتطلب الانتباه. فخليج اليوم أصبح قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية مميزة على المستوى العالمي، وليس بالضرورة أن يكون نوويا. فالقوة الاستراتيجية النووية الكبرى لم تمنع انهيار الاتحاد السوفياتي. وهي لن تكون عنصرا حاسما في بقاء الهيمنة الأميركية على الموقف الدولي. ولنراقب سير المناورات وما سيرافقها عن بعد، عسى أن تضاف استنتاجات أخرى أكثر قربا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى