آراء ومقالات

إيران والمخطط الخمسيني… إقامة دولة فارس بين الشك واليقين 1

 

مقدمة

عندما قامت الثورة الإيرانية في عموم الأراضي الإيرانية اعتبرت شأنا وحدثا داخليا لم تكن لدول الخليج العربي بصفة خاصة، أو بلدان العالم العربي بشكل عام، أدنى علاقة بها، فقد كانت اختيار الشعب الإيراني بالدرجة الأولى وتمرده على الحكم البهلوي الملكي وسعيه لاستبداله بنظام حكم الملالي، الذي كان يأمل الشعب الإيراني بأن يتمكن من إحداث التغيير الذي كان يأمله من الحرية السياسية والمساواة الاجتماعية والتطور العلمي تحت حكم الدين الإسلامي الموعود، ولكن سرعان ما استيقظ الشعب الإيراني على الحقيقة الصادمة لهذا النظام الذي أدخل بلاده والمنطقة بل العالم بأسره في حرب التسع سنوات مع النظام العراقي، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الجنود والشباب والفتيان الإيرانيين الذين علق نظام الملالي قلائد مفاتيح الجنة في رقابهم.

وسرعان ما اكتوت المنطقة بتأثير تلك الحرب المدمرة فمن حرب الناقلات التي منعت وأثرت بصورة كبيرة على تصدير النفط من مضيق هرمز، والتي دفعت الدول لطلب الحماية من الدول الأجنبية ورفع أعلامها على الناقلات، إلى الاستهداف المباشر لبعض المنصات البحرية إلى قيام العصابات الإرهابية بمحاولات اغتيال للرموز واختطاف الطائرات، بل إن البعض يعتبر أن غزو الكويت من قبل النظام العراقي من أحد أهم أسبابه ودوافعه هي تلك النتائج السلبية المترتبة على الحرب العراقية – الإيرانية والتي دفعت دول الخليج العربية ولا تزال فاتورتها الباهظة.

منذ قيام النظام في دولة إيران الفارسية وقيام حكم الملالي فيها، وهي ترزح تحت وطأة نظام متشدد ومستبد ودكتاتوري في أبشع أشكاله، حيث غابت الحريات وحقوق الإنسان والأساليب الديموقراطية فأصبح على المعارض إما الهرب إلى الخارج أو القذف به في غياهب السجون والزنازين، ولم يستثن النظام في ذلك أحدا، فمن الطلبة إلى القادة بل تعدى ذلك ليطال المراجع الشيعية المعتدلة أو تلك التي عارضت أو اختلفت مع النظام ومرتكزاته الفكرية والأيديولوجية وأهمها فكرة تصدير الثورة وإنشاء دولة فارس الكبرى التي تضم كامل الجزيرة العربية ودول الخليج العربي لتكون داخل الأراضي الإيرانية.

لقد تعودنا في الخليج على عدم تقديم سوء النية في العلاقات السياسية، واعتماد التهدئة مع الخصوم، وانتظار ما يسفر عنه الوقت بالضغط الهادئ بالاعتماد على الحلفاء المناصرين للحقوق المسلوبة للشعوب، مع أن سياسيينا يعلمون تمام العلم أن في السياسة لا صديق دائم ولا عدو دائم، ولكنها المصلحة الدائمة، وهؤلاء المساندون لقضيتنا والغاضبون من احتلال إيران لجزرنا هم أنفسهم الذين يسوغون احتلال أراض عربية أخرى في الوطن العربي، بل يقفون بكل حزم إلى جانب المحتل ويتباكون عليه، بل ويدعمونه بالسلاح والعتاد والأموال.

وقد تعودنا في الخليج أيضا على مبدأ المسامحة والتغاضي عن الأخطاء، واعتماد سياسة عفا الله عما سلف، فعمد أغلب أولئك الباحثين عن المناصب القيادية إلى خلق المشاكل السياسية والضغوط الداخلية عبر إضفاء الأجواء المشحونة التي لم تتعود عليها المنطقة، فيسارعون إلى التهدئة بمجرد تكليفهم بالمهام الرسمية والمناصب السيادية والشرفية، فأصبحت سياسة إثارة البلبلة من الأساليب التي يتبعها البعض من ذوي الوزن الاجتماعي أو السياسي أو الانتماء القبلي للحصول على بعض المآرب، خصوصا في المراحل الأولية من عمر الإنشاء في عموم دول الخليج، ولكنها لم تعد نافعة، فاتجه العديد إلى إنشاء التجمعات السياسية والحزبية السرية منها أو ذات واجهات النفع العام والخدمات المجتمعية كالجمعيات الخيرية وغيرها، وذلك للبقاء في ساحات الأضواء وعدم فقدان القدرة على ممارسة بعض الضغوطات من حين إلى آخر منتظرين الفرص المواتية لتحقيق المآرب الشخصية، وفي بعض الدول الخليجية تمكنت هذه التنظيمات من العمل السياسي المعارض العلني الرسمي كما هو الحال في دولة الكويت مثلا، والتي أصبحت تهدد الوطن والمصالح الوطنية وتقويض للسيادة الوطنية للدولة الكويتية في محاولة لفرض سيطرتها على الممارسات الدستورية، الأمر الذي أضر بهيبة الدولة وقوتها السياسية وترابط نسيجها الاجتماعي العام، خاصة في ظل تغليب واضح للمصالح الطائفية والفئوية الأمر الذي أدى بالنهاية إلى الارتهان إلى إيران الصفوية في أحيان كثيرة.

ومنذ استيلاء الملالي على الحكم في إيران واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، واتهام إيران العرب قاطبة والخليج بشكل خاص بالوقوف مع العراق ودعمها ماديا وعسكريا، وظهور الخطط الإيرانية الصفوية “لدولة الرافضة” إلى العلن، والهادفة إلى استعادة المجد الفارسي القديم في عصر الجاهلية قبل الإسلام، وبالتالي عادت النظرة إلى العرب على أنهم مجرد تابعين للفرس، وقد كان مأمولا من النظام الجديد بإيران إصلاح تعديات العهد الشاهنشاهي الكافر – حسب تصنيف نظام الملالي له، ولكننا عوضا عن ذلك فوجئنا باعتداء غادر من ذلك النظام على الجزر العربية وبخاصة في الأحواز، بشكل بدا معه أن أحلام التوسع والسيطرة بدأت تداعب مخيلات الملالي الإيرانيين لتتجاوز احتلال الجزر والأحواز والمحمرة وغيرها بل امتدت لتشمل الساحل الجنوبي للخليج العربي كاملا حتى باب المندب.

لم تكن تلك التطلعات والأطماع الإيرانية مجرد أحلام أو مشاعر وطنية بالنسبة لهم، ولكنها ترجمت إلى مخططات وبرامج تنفيذية وخطط وضعت لها المراحل الزمنية التي يتوجب تنفيذها فيها حسب المخطط العام للوصول إلى الغاية العليا المنشودة، وهي إقامة دولة فارس الجديدة، من خلال خطة خمسينية لدولة فارس الصفوية.

ولم يعد سرا معرفة دول الخليج قاطبة للمخططات الإيرانية الهادفة إلى تصدير الثورة، وإن كانت الأهداف المعلنة هي إقامة الحكم الإسلامي في الدولة، وتحقيق المساواة والعدل وغيرها من الأسباب التسويقية التي اكتشف الشعب الإيراني نفسه أنهم أبعد ما يكونون عن تلك الوعود الجوفاء للثورة والأهداف البراقة، فتصدير الثورة الإيرانية والتي يتزعمها أتباع مذهب الاثني عشرية الروافض، لم يهدف أبدا لتحقيق وخلق العدل الإسلامي في الدول، ولكنه بواقع الأمر هدفه فرض السيطرة الفعليه على الدول عبر العديد من السيناريوهات الموضوعة ضمن ما عرف ” بالخطة الخمسينية لحكم الملالي في طهران”، والتي حدد لها إطار زمني لا يتجاوز الخمسين عاما عبر خمس مراحل، مدة كل منها عشر سنوات، على أن يتم تحقيق كل الأهداف من خلال تنفيذ كامل التعليمات والتدرج الزمني في تنفيذ تلك الخطة، ووجوب أن يسير عليها جميع القادة المتعاقبون على الرئاسة أو من يتولون مقاليد الأمور في الدولة الصفوية.

وعلى القارئ أن يتخيل كيف لدولة شيعية أن تصدر الثورة الإسلامية إلى الدول المجاورة أولا، فكيف سيكون شكل الدين الذي نتحدث عنه، هل هو إسلام شيعي أو سني؟ فبكل بساطة فإن الاثني عشرية الروافض يعتقدون اعتقادا راسخا أن أهل السنة والجماعة ما هم إلا أنجاس كفرة يحل قتلهم والتنكيل بهم واغتنام مواردهم وأملاكهم، وهو ما لا يستطيعون إنكاره.

لذا فإن الخطة الخمسينية كانت من أكثر الأمور سرية والتي ارتكزت عليها أعمال راسمي السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية والتي يعتبرونها واجبا ثقيلا وخطيرا يحتاج للكثير من التضحيات والعمل الميداني المتواصل الذي قد يقترن بأخطار كبيرة يمثلها أهل السنة وحكامهم في مواجهة تلك المخططات التي تهدف لتصدير الثورة إلى بلدانهم وبالتالي السيطرة عليها، ولكن ليس عن طريق الاحتلال المباشر، ولكن عبر خطة من خمس مراحل كل مرحلة مدتها عشر سنوات، تذكيها النزعة القومية الإيرانية المناوئة للعرب والعقيدة الشيعية الإمامية، التي تعتبر أهل السنة نواصب كفار ينبغي قتالهم وقتلهم، أو في أحسن الأحوال تغيير مذهبهم إلى المذهب الشيعي الإمامي.

ولقد كان اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بعد نجاح الثورة الإيرانية مباشرة، واستمرت لمدة تزيد عن العشر سنوات أدت إلى تركيز الملالي على تلك الحرب، ولكن توفي قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، مما استدعى إعادة النظر في السياسة الثورية الإيرانية بشكل عام داخليا وخارجيا، وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية خصوصا بعد هزيمة إيران في تلك الحرب وتكبدها لملايين القتلى والمصابين والمعاقين من ضحايا الحرب، مما أضاف الكثير من الالتزامات الداخلية والصراعات التي توجب على الملالي مواجهتها للحفاظ على مكتسبات الثورة وتماسك الوحدة الوطنية في ظل تزايد واضح للسخط الشعبي، وبالتزامن مع ذلك كان هناك استمرار للعقوبات الأمريكية على إيران، جراء اقتحام طلبة إيرانيين للسفارة الأمريكية في طهران، وتجميد جميع أرصدة الدولة في المصارف الأمريكية والأجنبية، وفي وقت انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، لذا كان لا بد من تغيير الأساليب والوسائل، مع بقاء الهدف الاستراتيجيّ وهو تصدير الثورة، لكن من غير ضجيجٍ أو إثارة ردود أفعال سلبية محلياً وإقليمياً ودولياً، لذا وضعت الخطة الخمسينية والتي تستهدف أهل السنّة داخل إيران وخارجها، ذات الصبغة القومية الفارسية الثقافية الاجتماعية والتاريخية ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والدينية.

تفاصيل الخطة الخمسينية:

وترتكز هذه الخطة الجهنمية على أمرين رئيسيين: هما اختراق الدول، وزيادة النفوذ الشيعي الصفوي في مناطق أهل السنة خاصة، باللجوء إلى جميع السبل والأساليب من أجل تحقيق ذلك، وبصورة غير تصادمية حتى نضوج واكتمال المراحل التمهيدية التي توزع على خمس مراحل كل منها يمتد لعشر سنوات كاملة والتي هي عبارة عن:

المرحلة الأولى (مرحلة التأسيس ورعاية الجذور): إيجاد السكن والعمل لأبناء الشيعة المهاجرين إلى الدول المستهدَفَة، ثم إنشاء العلاقة والصداقة مع أصحاب رؤوس الأموال والمسؤولين الإداريين في تلك الدول، ثم محاولة خلخلة التركيبة السكانية عن طريق تشتيت مراكز تجمّعات أهل السنّة وإيجاد تجمّعاتٍ شيعيةٍ في الأماكن الهامة.

المرحلة الثانية (مرحلة البداية): العمل من خلال القانون القائم وعدم محاولة تجاوزه، ومحاولة التسرّب إلى الأجهزة الأمنية والحكومية، والسعي للحصول على الجنسية المحلية للمهاجرين الشيعة… ثم التركيز على إحداث الوقيعة بين علماء السنة (الوهابيين) والدولة، من خلال تحريض العلماء على المفاسد القائمة وتوزيع المنشورات باسمهم، وارتكاب أعمالٍ مريبةٍ نيابةً عنهم، وإثارة الاضطرابات… ثم تحريض الدولة عليهم، وذلك كله، للوصول إلى هدف إثارة أهل السنّة على الحكومات، حتى تقمعَ تلك الحكومات أهلَ السنّة، فيتحقق انعدام الثقة بين الطرفين.

المرحلة الثالثة (مرحلة الانطلاق): ترسيخ العلاقة بين الحكام والمهاجرين الشيعة العملاء، وتعميق التغلغل في أجهزة الدولة، وتشجيع هجرة رؤوس الأموال السنية إلى إيران، لتحقيق المعاملة بالمثل، ثم ضرب اقتصاديات تلك الدول، بعد السيطرة عليها.

المرحلة الرابعة (بداية قطف الثمار): التي تتميّز بالوصول إلى المواقع الحكومية الحسّاسة، وشراء الأراضي والعقارات، وازدياد سخط الشعوب السنيّة على الحكومات بسبب ازدياد نفوذ الأغراب الشيعة.

المرحلة الخامسة (مرحلة النضج): فيها تقع الاضطرابات الشديدة، وتفقد الدولة عوامل قوّتها (الأمن، والاقتصاد)، وبسبب الاضطرابات يتم اقتراح تأسيس (مجلسٍ شعبيٍ)، يسيطرون عليه ويقدّمون أنفسهم مخلصين لمساعدة الحكّام على ضبط البلاد، وبذلك يحاولون السيطرة بشكلٍ هادئٍ على مفاصل الدولة العليا، فيحقّقون هدف (تصدير الثورة) بهدوء… وإن لم يتم ذلك، فإنهم يحرّضون على الثورة الشعبية، ثم يسرقون السلطة من الحكّام.

وتعتبر هذه الخطة موازية تماما لما يسمى “بروتوكولات حكماء صهيون” التي اعتمدها اليهود لإنشاء الدولة العبرية والتي انتهجت جميع الأساليب المخادعة والعلاقات الاقتصادية والسياسية السلمية منها والغير سلمية، وانتهاج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فليس هناك مجال للتراجع كما ليس هناك مجال للتهاون مع الخصوم والأعداء خصوصا من يشكل أي نوع من العوائق لتنفيذ المخطط الموضوع.

الأبعاد التاريخية للخطة:

فقد كان يطلق مسمى “الدولة الصفوية” على الدولة التي أسّسها الشاه إسماعيل الصفويّ وهو من سلالة “الشيخ صفيّ الدين الأردبيلي” الذي كان يسكن مدينة أردبيل التابعة لإقليم أذربيجان في شماليّ غرب إيران، و”الشيخ الأردبيلي” هو أحد مريدي الشيخ “تاج الدين الزاهد الكيلاني ” صاحب إحدى الطرق الصوفية، وكان ينتمي إلى المذهب الشافعيّ وقد قام حفيد “صفيّ الدين ” (الشيخ إبراهيم) بتطوير طريقته الصوفية، عن طريق اعتناق المذهب الشيعيّ – وبخاصة الشيعة الإمامية- وتحويل طريقته إلى طريقةٍ شيعيةٍ إمامية متعصّبةٍ غالية، وقد سار على نهجه أحفاده ومنهم إسماعيل الذي أعلن فيما بعد دولته الصفوية عام 1501م، والتي امتدت من إيران إلى ما حولها إلى أن وصلت بغداد.

وفي إيران كان المسلمون بأغلبيتهم الساحقة (90%) من أهل السنة الشافعية، إلى أن قامت الدولة الصفوية على يد “إسماعيل الصفويّ ” الذي اتّخذ من مدينة (تبريز) عاصمةً له، وأعلن أنّ دولتَه شيعية إمامية اثنا عشرية، وقام بفرض عقيدته بالقوّة بالرغم من تحذيرات علماء الشيعة له، لأنّ الأغلبية الإيرانية الساحقة تنتمي إلى أهل السنة، ولكنه رفض وقال قولته المشهورة: (إنني لا أخاف من أحد، فإن تنطق الرعية بحرفٍ واحد، فسوف أمتشق الحسام، ولن أتركَ أحداً على قيد الحياة)، ثم قام بصكّ عملة الدولة، منقوشاً عليها مع اسمه عبارة: (لا اله الا الله، محمد رسول الله، علي وَليّ الله)، ثم أمر جنوده بالسجود له كلما قابلوه وقد اشتهر بدمويّته وساديّته الشديدة، فقام بقتل علماء المسلمين وعامّتهم، فقتل أكثر من مليون مسلمٍ سنيّ، ونهب أموالهم، وانتهك أعراضهم، وسبى نساءهم، وأمر خطباء المساجد من أهل السنة بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) رضي الله عنهم، وبالمبالغة في تقديس الأئمة الإثني عشر، ووصل الأمر به إلى أن ينبشَ قبور علماء المسلمين من أهل السنة ومشايخهم، ويحرقَ عظامهم، وهكذا كانت دولة الشاه (إسماعيل الصفوي) تأسيساً لكل الدول الإمامية الإثني عشرية، ومثالاً يُحتَذى بها شيعياً فيما بعد.

امتدّت الدولة الصفوية فيما بعد في كل أنحاء إيران وما جاورها، فقضى الشاه إسماعيل على الدولة التركمانية السنية في إيران، ثم سيطر على فارس وكرمان وعربستان وغيرها وكان في كل موقعةٍ يذبح عشرات الآلاف من أهل السنة إلى أن هاجم بغداد واستولى عليها، ومارس أفظع الأعمال فيها ضد أهل السنة، فقام بهدم مدينة بغداد، وقَتل الآلاف من أهلَ السنّة، واستخدم التعذيب الشديد بحقّهم قبل قتلهم، ثم توجّه إلى مقابرهم، فنبش قبور موتاهم، وأحرق عظامهم، كما توجّه إلى قبر (أبي حنيفة) و(عبد القادر الجيلاني) ونكّل بهما ونبشهما، وكذلك قام بقتل كل من ينتسب لذرية القائد المسلم (خالد بن الوليد) رضي الله عنه في بغداد لمجرّد أنهم من نسبه، وقتلهم قتلةً شنيعة حسب ما ورد في كتاب – تحفة الأزهار وزلال الأنهار- لابن شدقم الشيعي.

إثر ذلك قام السلطان العثماني “سليم الأول “عام 1514م، بتحرير بغداد بعد ست سنواتٍ من الاحتلال الصفويّ وأسر زوجة (إسماعيل الصفوي) الذي تمكن من الفرار والتحالف مع الصليبيين والبرتغاليين على أن يحتل مصر والبحرين والقطيف ولكن العثمانيين انتصروا عليه، وقد هلك (إسماعيل الصفوي) في (تبريز) عام 1524م، فخلفه ابنه (طهماسب الصفويّ) الذي تحالف مع المجر والنمسا ضد الدولة العثمانية التي كان يحكمها السلطان (سليمان القانوني) عام 1525م، واستعان بأحد رجال الدين الشيعة اللبنانيين (نور الدين علي بن عبد العال الكركي)، فكتب له المؤلّفات التي برّرت ممارسات الشيعة ضد السنة، وأسّس بفكره ومؤلّفاته الشيعية لما يُسمى بـ (ولاية الفقيه)، بأن اعتبر زعيمَ الدولة الصفوية (نائباً للإمام المنتَظَر الغائب) وعاد نفوذ الصفويين إلى العراق عن طريق عملائهم الشيعة هناك، لكن السلطان (سليمان القانوني) أعاد فتح العراق من جديد، وقضى على حكامه الموالين للصفويين.

هلك (طهماسب) بالسمّ على يدي زوجته، فخلفه من بعده ابنه (إسماعيل الثاني) ثم ابنه الثاني (محمد خدابنده) ثم جاء (عباس الكبير بن محمد خدابنده) فحاصر المدن السنية، ونكّل بها وبأهلها وقام بترحيل (1500) عائلة سنية كردية، وقتل سبعين الفاً من الأكراد السنة، ومنع الحج إلى مكة المكرّمة، وأجبر الناس على أن يحجّوا إلى قبر (الإمام موسى بن الرضا) في مدينة مشهد الإيرانية بينما قام بتكريم النصارى والأوروبيين، وبنى لهم الكنائس، وأعفاهم من الضرائب، وشاركهم أعيادهم، واحتسى الخمر معهم، وقد هاجم الشاهُ (عباس الكبير) العراقَ، واستولى على بغداد والموصل وكركوك، ثم على معظم البلاد، وحاول فرض (التشيّع) بالقوة، لكنّ أهل العراق رفضوا ذلك، فنكّل بهم وسبى النساء والأطفال، وأعاد هدم مرقدي الشيخ (عبد القادر الجيلاني) و(أبي حنيفة النعمان)، وحوّل المدارس السنّية إلى (اسطبلات)، وقام بإعداد قوائم طويلةٍ لإبادة أهل السنّة في العراق، وقد انتهت الدولة الصفوية بعد مئة عامٍ تقريباً من عهد (صفيّ الأول)، أي في عام (1722م)، بعد أن استمرّت (221) سنة… ولم يعد الصفويون إلى بغداد، إلا في عام 2003م، بعد سنوات طوال من انتصار ثورتهم الصفوية الشيعية بزعامة (الخميني) عام 1979م، وبعد أن رفعوا شعار: (تصدير الثورة الصفوية الخمينية) منذ ذلك الحين، وعادوا بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية التي احتلت العراق وسلمته للشيعة الإمامية لإدارته.

ومن أبرز البدع الصفوية التي عرفت عبر تاريخ المذهب الشيعي والتي اعتمدها الشيعة وكأنها عقائد، هي سب الصحابة والخلفاء الراشدين الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) رضوان الله عليهم، وذلك على المنابر وفي الشوارع والأسواق، وكذلك الاحتفال سنوياً بذكرى مقتل” الحسين” رضوان الله عليه، وممارسة التطبير (ضرب الرؤوس بالسكاكين الحادة)، واللطم على الوجوه والصدور، وضرب الظهور بالجنازير، وارتداء الثياب السوداء، وإنشاد أشعار البكائيات وذلك منذ دخول شهر (المحرّم)، وحتى اليوم العاشر منه (يوم عاشوراء) كما تم تحريم الزواج في هذا الشهر، وإدخال الشهادة الثالثة على الأذان (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله)، وكذلك السجود على التربة الحسينية، وتغيير اتجاه القبلة في مساجد الشيعة مخالفةً لأهل السنة، وإجازة سجود الإنسان للإنسان، ورصد مرتّباتٍ ضخمةٍ لرجال الدين الشيعة، ومَنحهم إقطاعياتٍ وأوقافٍ خاصة، وهي مستحدَثات مأخوذة عن (الفُرس)، وذلك تأسيساً لما يُسمى عند الشيعة اليوم بـالخُمس.

وها هي الدولة الصفوية تعود إلى العراق وبغداد على وجه الخصوص بعد عشرات السنين، ليقوموا بإعادة إحياء أطماع الدولة الصفوية والتنكيل بأهل السنة وتصفيتهم بعد استيلائهم على مقاليد الحكم، وإحياء نفوذ الامبراطورية الفارسية القديمة بإضفاء الطابع الصفوي عليها، وقد تناقلت الأنباء[1] من بلدة المدائن العراقية أن هذه البلدة تعرضت لأبشع الهجمات الصفوية عليها وتم تهجير سكانها وإحلال الإيرانيين محلهم لإعادة ترميم إيوان كسرى الذي يعتبرونه صرحا فارسيا يذكرهم بأمجادهم القديمة، فيما يقوم المسؤولون الشيعة الفُرس في الحكومة العراقية بأعمال التنكيل بأهل السنة ويرتكبون الفظائع بحقّهم، وينتحلون أسماء عربية، ومنهم “كريم شهبور” الذي بدل إسمه بـ “موفق الربيعي” مستشار الأمن القومي، وعبد العزيز طبطبائي الذي سمى نفسه “عبد العزيز الحكيم” رئيس ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وإبراهيم الأشيقر والذي يسمى باسم “إبراهيم الجعفري” – رئيس الوزراء السابق، وطارق مطر – باسم “صادق الموسوي” – مستشار رئيس الحكومة العراقية، و”علي زندي” باسم “علي الأديب” وهو قيادي بارز في حزب الدعوة، وعادل أصفهاني الذي سمي “حامد البياتي” المندوب الدائم للحكومة العراقية في الأمم المتحدة، و”باقر صولاغ غلام خسروي” الذي سمي “بيان جبر” وتقلد منصب وزير الداخلية، وهو المعروف بأنه أحد أكبر السفاحين الذين ارتكبوا الفظائع في حق المدنيين[2]، هذا بالإضافة إلى المرجع الشيعيّ الفارسيّ الإيرانيّ “علي السيستاني” الذي لا يتكلم اللغة العربية ومع ذلك له الكلمة الأولى في العراق الآن.

إنّ المشروع الإيرانيّ الذي يتغلغل أصحابه في بلاد العرب والمسلمين ما هو إلا مشروع قوميّ صفويّ فارسيّ، لبس عباءة الدين واختلاف المذهب، ويرتدي قِناع الإسلام ولكنه يتمدّد بمختلف طرائق التضليل على مختلف مستويات التعامل، فمن تضليل الدول والشعوب العربية والإسلامية إلى تضليل الأفراد وحتى الأتباع، وهو لا يهدف إلا إلى أمرٍ واحدٍ فحسب إخراج أهل السنّة من دينهم، ونشر تعاليم الشيعة الإمامية الصفوية الفارسية الضالة للسيطرة التامة على أمة الإسلام وأوطانها وشعوبها ومقدّراتها، بهدف إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية.

ولقد كان دور التغييرات الإقليمية والدولية والتفرد الدولي لأمريكا وغير المتوقع من قبل راسمي سياسة تصدير الثورة الإيرانية، أن فرض عليهم تغيير الأساليب المتبعة في تصدير الثورة الإيرانية، مع الإبقاء على الهدف الاستراتيجي الأسمى وهو تصدير الثورة الصفوية ونشر المذهب الصفوي في الدول المستهدفة، والوقوف إلى جانب أتباع المذهب الصفوي في جميع الدول ومدهم بالدعم المادي والمعنوي وحتى السلاح، ومساعدتهم على السيطرة على التجارة والمواد التموينية والخدمات، بالإضافة إلى امتلاك الأراضي ورؤوس الأموال والشركات التجارية التي تؤهلهم للاقتراب من مراكز صناعة القرارات السياسية والاقتصادية في الدول، كما يهدف المخطط أيضا إلى الاختراق الأمني لجميع أجهزة الدولة والإعلام لتحويله إلى إعلام معمم فيمكن تحويله إلى إعلام مكمم عبر تشويه العلاقة بين أطرافه الثلاثة وخصوصا السلطة، حيث يتم التركيز على إشعال الفتنة بينها وبين المثقفين أو الإصلاحيين الحقيقيين في الدولة، في حين يتم التركيز أيضا على العمل على دفع السلطة السياسية لمنح أتباع المذهب من إنشاء وبناء دور العبادة الخاصة بهم وإقامة الحفلات والحسينيات والنشاطات المذهبية باعتبار أنها شعائر دينية بحته، بينما يكون الهدف منها جمع أتباع المذهب وإذكاء الكره والبغض التاريخي في نفوسهم وتشجيعهم على التمسك بالولاء لولاية الفقية والأئمة المعصومين على حسب ادعائهم وإبطان كره السنة المارقين.

أهداف الخطة الجهنمية:

وتهدف الخطة إلى تحقيق الأهداف الصفوية الاستراتيجية في كل الجزيرة العربية عبر تمكين الطائفة الاثني عشرية من الوصول إلى السلطة وتصفية الوجود السني، وإجبارهم على تحويل ديانتهم قصرا إلى المذهب الشيعي أو تصفية وجودهم بالكامل، إلا أن الوصول إلى تلك المرحلة سيكون بالعمل الهادئ والنفس الطويل، وبدون إراقة الدماء أو شن الحرب المباشرة، وهو تماما ما حدث في العراق بعد سقوطها في يد الطغمة الصفوية التي تسلمت الحكم.

وقد أعلنها الخميني الهالك في بيان الثورة السنوي عام 1980م بأن على إيران تصدير الثورة الإيرانية إلى مختلف دول العالم، وهو ما أدى إلى إنشاء التنظيمات الداخلية و الخارجية الخاصة بتصدير الثورة على أسلوب العمل الثوري الانقلابي، وقامت بالعديد من الأعمال في لبنان والكويت والسعودية، حيث أن على السنة أن يعلموا على مختلف مشاربهم أن تصدير الثورة نابع من عقيدة الشيعة التي تنص على أن أهل السنة كفار يجب قتلهم وقتالهم وتغيير دينهم إلى دين الشيعة، يكفي هذا النص من كتاب الغيبة للنعماني ص 155 ( ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح )، وهو أيضا ما ورد في كتاب الدكتور القفاري بروتوكولات آيات قم، إلا أن هزيمة إيران أمام العراق والتحولات في العلاقات الدولية ووفاة الخميني أوجبت تغيير هذا الأسلوب لضرورات ذاتية وموضوعية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرد أمريكا بزعامة العالم، وزيادة انتشار القيم الليبرالية مثل الحرية والديموقراطية واقتصاد السوق، كان لابد للثورة الإيرانية من أن تنحني للعاصفة حتى تحافظ على نفسها ولو كان ذلك على حسب مبادئها ونظرياتها، وكذلك لو اصطدمت ببعض المتشددين الذين يرفضون الخضوع للظروف تحت وطأة الحماسة والتفكير الرجعي.

وبالرغم من الاختلافات في إيران حول توقيت وأساليب تصدير الثورة إلا أنه لا يختلف اثنان على أن هذه الإيديولوجية تعتبر منهجا ثابتا من مناهج الخميني التي لن يحيد عنها خلفاؤه وإن كانوا سيعملون على تنفيذه بالطرق التي تتفق والتقية التي ينتهجونها.

فبعد أن كانت المرحلة الأولى تقتضي القيام بالعمليات الإرهابية للصفوية وأذنابهم كالتفجيرات التي طالت مكة المكرمة وحوادث اختطاف الطائرات خاصة الكويتية، ومحاولة اغتيال الشيخ جابر الأحمد الصباح يرحمه الله، والعديد من التفجيرات في دول الخليج، إضافة إلى خلق الكيان الشيعي الأكبر في الدول العربية وهو حزب (الشيطان) في لبنان وفروعه في الدول الأخرى، وهو ما أتى بثماره في تدريب الخلايا النائمة من الصوفية في الدول الخليجية وتجهيزهم إيديولوجيا وعقائديا وعسكريا وماديا، وإعادتهم للعمل في بلدانهم التي تؤويهم في انتظار الأمر من طهران لبدء التحرك، فما حدث في الخبر والمنطقة الشرقية من السعودية وما يحدث الآن في البحرين والتصفية المنظمة والمنفذه من قبل أجهزة الدولة في العراق ضد السنة وما يحدث للسوريين من قتل وتعذيب وتنكيل، ما هو إلا السيناريو المرسوم بدقة في الخطة الصفوية الخمسينية لفرض سيطرة أتباع المذهب الشيعي الصفوي على مجريات الأمور في كل الدول العربية، والتي كان حكامها ومسؤولوها يرددون حتى تم تعليقهم من أرجلهم بأن هذه ما هي إلا وساوس وأوهام لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، واستمروا بتقديم أؤلئك الشيعة وتمكينهم عبر الوظائف السيادية العليا والتنفيذية الحساسة، مما أهلهم لأن يحوزوا على أدق المعلومات وتفاصيل الخطط الهادفة لحماية الدول من الأطماع التوسعية الإيرانية، ومدها لراسمي السياسة في طهران.

إن الشيعة في بلادنا ليسوا إلا كحصان طروادة لن يفتأ واقفا حتى تنهمر من بطنه المخططات للسيطرة على بلادنا وتدمير مقدراتنا، في ظل تناقص الثقة بين الوطنيين الحقيقيين ومن هم يعملون ضد الوطن، وهذا لم ينبع من فراغ ولكنه من تخطيط دقيق وتنفيذ منضبط لمخطط جهنمي يحول العدو في عين السلطة إلى المخلص الوفي، ويحول الوطني إلى العدو الواجب التخلص منه، بينما التبس على آخرين توهموا بأن المجموعات التي تدربهم خارج الوطن هي من تسعى لتمكينهم من التخلص من هذا الوضع، وأنهم بتهديدهم للأمن وركوب أمواج التغيير التي أسموها بالربيع العربي سيتمكنون من الوصول إلى الحكم، وتعديل الأوضاع بما يتناسب وتشكيل الدولة الفاضلة التي يكافأ فيها المخلصون ويجازى فيها المسيئون، دون أن ينتبهوا إلى أن الطرفين هما نفسهما الذين يعيشون على هذه الأرض وأن تخلص أحدهما من الآخر سيجعل الآخر لقمة سائغة في فم الطغمة الصفوية المنتظرة للوقت المناسب للانقضاض .
لقد نصت تلك الخطة على أن العدو الأخطر على إيران هو ما أسمتهم ( الحكام الوهابيون ذوي الأصول السنية ) لذا فإن القتل الذي يطال المسلمين السنة في الأحواز ليس نتيجة المقاومة ولكن نتيجة لتنفيذ المخطط العام الذي ينص على أنه ( يجب علينا أن نزيد نفوذنا في المناطق السنية داخل إيران وبخاصة المدن الحدودية، لذا فإنه بزيادة النفوذ الشيعي في مناطقهم عن طريق إنشاء الحسينيات وتغيير التركيبة السكانية بالهجرة الشيعية إليها والترحيل السني منها وتغيير الإدارات السنية فيها، ومن ثم العمل على الدول ذات الوجود الشيعي فيها والعمل على تقويته، وهو ما حدث في مصر قبيل الثورة الأخيرة حيث قفز فجأة النشاط الشيعي فيها إلى صورة لم تحدث في التاريخ المصري.

إن تصدير الثورة الصفوية الحالي يستند إلى استخدام القانون العام في الدول، واستغلال نزعة الشهامة العربية والكرم وحسن الجوار والتسامح والدعوات للحوار، كمطايا لخلخلة التركيبة السكانية وتركيز التواجد الشيعي فيها، والعمل على إقامة الشعائر الدينية الشيعية علنا فيها وزيادة نسبة الهجرة إليها والتعداد العام لأتباع المذهب القاطنين، مما يزيد من تعدادهم وبالتالي حصصهم من الفرص الوطنية والعمل على تسللهم إلى الأجهزة الأمنية والحكومية والسعي للحصول على الجنسية للمهاجرين الشيعة.

وفي المقابل تقوم الجهات الشيعية بإحداث الوقيعة بين المشايخ السنة (الوهابيين) والحكومات ونسب التصريحات والمنشورات الموقعة بأسمائهم المهاجمة للحكومات، مما يؤدي إلى قيام الحكومات بالتضييق عليهم وسجنهم في أحيان كثيرة، الأمر الذي يولد رد الفعل المعاكس من قبلهم فتحدث الفتنة في بلاد السنة، التي يفقد العلماء فيها مكانتهم، بينما تضيق الحكومات على أماكن العبادة السنية بدعوى أنها تنشر الفساد بين الناس وتشجع على العصيان المدني وغيرها من التهم المتبادلة والتي تنتهي بالصدام بين الطرفين خاصة مع بعض المساعدة من الخلايا النائمة المدربة على زرع القنابل والتي برعت من قبل في زرع الفتن.

وتهدف الخطة الشيعية الصفوية في تلك المرحلة أن تبين للسلطات والدول أن أفرادها الحاصلين على جنسياتها هم الأكثر ولاءا من أصحاب الأرض الأصليين الذين تمردوا على حكامهم وبدأوا بالعمل ضدهم، فيتمكنون بذلك من التغلغل في مناصب صنع القرار وفي الأجهزة الحكومية والعسكرية في الوقت الذي لا يخفى على أحد تمكنهم من السيطرة في أغلب دول الخليج حاليا على النواحي الاقتصادية عن طريق فتح تلك الدول أبوابها للاستثمارات الأجنبية الإيرانية على وجه الخصوص لتبدأ بعد ذلك سيطرتهم الفعلية على مجريات الأمور.

وتأمل الخطة أن يتمكن الفرس الصفويون الذين استطاعوا “بالتقية” والقوة الاقتصادية والحنكة السياسية والصبر الطويل، من الحصول على الثقة المطلقة من الحكام العرب فتولوا المسؤوليات الهامة والمتعلقة برسم السياسات العامة للدول سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، في حين يستعد العملاء النائمون للوثوب على أكثر المناطق حساسية والتخلص من بقايا الوطنيين عبر الوشايات، وزرع الفتنة حتى في العوائل الحاكمة مما يتيح المزيد من الصراعات التي تصب بالنهاية في مصلحة المد الصفوي.

ويأمل راسموا الخطة “الصفوية الخمسينية” أن تكون الدول ومع نهاية المراحل الأخيرة قد فقدت جميع مقومات القوة من الأمن والأقتصاد والتوافق الوطني، مما يسمح بطرح مبادرات الوفاق الوطني الذي يوفر التمكين للشيعة الإثنى عشرية الصفوية أكبر وأقوى المنزوين تحته، فيما سيكون غالبية عملائهم أدوات للتمكين للسيطرة على الدولة ومقدراتها، بل أن نظام الحكم سيفقد قوته التي استمدها على الدوام من الالتفاف الشعبي الصادق والمخلص حوله منذ مئات السنين، فالجميع قد طاله فساد المخطط وتلوث بمتطلبات المرحلة، ولم يتبق الا أن ينتظر السنة الطلقة الأخيرة على مذهب الدين الحنيف والذبح في الشوارع كما يحدث الآن في العراق وسوريا وغيرها من البلاد العربية.

ويبدو أن المقولة الشهيرة “لموشي دايان” الهالك عندما نشر خطة معركته مع العرب في الصحف آنذاك وعوتب على فعله فقال: إن العرب أمة لا تقرأ، فإنه كان محقا إلى حد كبير، فأغلبنا لم يقرأ في كتب الشيعة السياسية ولم يطلع على مخططاتهم التي ينشرونها في أدبياتهم عيانا بيانا والتي يفندون فيها مخططهم الخمسيني، بالإضافة إلى لقاءاتهم مع المجلات العربية، كما لا يقرأون للأدباء العرب المحذرين منهم، لذا فإن القارئ يجب أن يطلع على كتاب (وجاء دور المجوس) لعبد الله محمد الغريب الذي بين خطة الشيعة لغزو الخليج منذ مطلع القرن الرابع عشر، وكتاب – العلاقات الإيرانية الأمريكية – وكتاب – الخميني مؤسس إيران- وغيرها من الكتب التي تحوي ضمن صفحاتها حقيقة ما يكنه هؤلاء ويخططونه للأمة الإسلامية والمسلمين السنة، فقد تعاونوا مع جميع أعداء الأمة الإسلامية لغزو واحتلال الجزيرة العربية من البريطانيين وحتى الولايات المتحدة التي سلمتهم العراق وانسحبت منها تاركة السنة ينحرون في الشوارع، بعد أن كانت وعودهم مزيد من تحقيق الديمقراطية والأمن للعراقيين بإزالة النظام الغاشم كما كانوا يسمونه.

لقد تمكنت إيران بفضل هذا المخطط من تحقيق إنجازات كبيرة بالرغم من هزيمتها النكراء في حربها مع العراق، حيث تمكنت من تحسين علاقاتها السياسية مع جميع الدول الإسلامية والعالمية بما فيها أمريكا بالرغم من العداء الظاهري، وحتى تلك التي ثبت تورط إيران في محاولات زعزعة استقرارها عبر تمويل وتدريب العمليات الإرهابية التي تعرضت لها، دون أن تتنازل إيران عن شيء من سياستها الخارجية تجاه الجزر الإماراتية مثلا أو أوضاع أهل السنة في داخل إيران أو زيادة التسلح ومحاولة الحصول على قدرات نووية، في المقابل تبذل الدول العربية والخليجية خصوصا ما يمكنها من تحسين علاقاتها بطهران، بل تجاوز الأمر ذلك لدرجة تكريمها وتكريم مسؤوليها الذين لا يلبثون أن يعلنوا عدائهم السافر للخليج ودوله، والدليل موقفهم مما يحدث في البحرين حاليا والتي تقف إيران منه موقفا لا يحتاج إلى تأويل.
لقد تغلغل المد الشيعي الصفوي في جميع الدول العربية مما يجعله خطرا مشتركا على الجميع وليس حالة خاصة بالخليج، ففي مصر على سبيل المثال يجري إعادة ترميم المساجد الفاطمية بإشراف زعيم “البهرة” تحت غطاء التصوف وكذلك تتم إعادة ترميم ضريح السيدة زينب وبعض المساجد الأثرية والتي تحولت إلى مراكز لهم تقدم الخدمات للفقراء والأيتام في هذه الأحياء القديمة والفقيرة من القاهرة ويترافق مع تقديم هذه الخدمات تقديم الدعوة الشيعية، وكذلك نشر الكتب الشيعية لمؤلفين مصريين معاصرين مثل “صالح الورداني” والدكتور” السيد فهمي الشناوي ” والدكتور” أحمد راسم نفيسي ” ومحاولة إنشاء دور نشر خاصة بهم كما أصبح لهم كتاب في بعض الصحف والمجلات كما تمت مؤخرا موافقة الأزهر بتوزيع كتب الشيعة بعد أن كانت تمنع وتصادر[3].

ولم يختلف الأمر في مصر عنه في السودان، فالعمل الشيعي بدأ هناك بالمنح الدراسية في طهران ثم تطور إلى افتتاح المراكز الثقافية الإيرانية في السودان ثم تم إنشاء جمعية الصداقة الإيرانية السودانية والتي رعتها السفارة الإيرانية في الخرطوم، ليصبح للشيعة في السودان العديد من المراكز الرسمية والمكتبات العامة والمدارس والمعاهد والمؤسسات الاقتصادية القانونية التي تخدم الخطة الخمسينية الصفوية، تماما كما حدث في الأردن التي لم يسجل أي تواجد شيعي فيها حتى تاريخ قريب بتدفق الشيعة العراقيين في أعقاب غزو العراق للكويت حيث تم تسجيل دخول أكثر من 300 ألف عراقي معظمهم من الشيعة، بدأوا يمارسون أنشطتهم علنا في مدينة الكرك وهي “مثام جعفر” وتحت إشراف الدولة، في حين كان للسفارة الإيرانية نشاط كبير في إقامة معارض الكتاب الإيرانية في أغلب الجامعات، وزيارات المسؤولين الإيرانيين للأردن قوية، وتلح إيران على التساهل في منح التأشيرات للإيرانيين وفتح خط جوي مباشر بين البلدين، وقد بلغ عدد الذين يحضرون مراسم عاشوراء حوالي 16 ألف وهم ينفذون الخطة التي تنص على أنه يجب حث الناس على احترام القانون وطاعة منفذي القانون وموظفي الدولة والحصول على تراخيص رسمية للاحتفالات المذهبية وبكل تواضع وبناء المساجد والحسينيات لأن هذه التراخيص سوف تطرح مستقبلا على اعتبار أنها وثائق رسمية للتواجد الشيعي على الأراضي الأردنية.

أما في الكويت فإن القانون المطبق فيها قد مكن الشيعة الاثني عشرية من تحقيق نسبة كبيرة من المخططات الشيعية التي يراد بها تدمير الدولة، لدرجة أن أولئك الذين اشتركوا فعليا في نشاطات إرهابية مثل محاولة اغتيال “أمير البلاد ” قد منحوا الحماية الدبلوماسية وأصبحوا أعضاء في مجلس الأمة الذي لا يختلف اثنان على أنه مصدر المصائب السياسية والقانونية التي عانت وتعاني منها الكويت، فأصبح التيار الشيعي العلني يفت عضد الدولة فيها تحت قبة البرلمان دون أن يستطع الحاكم أو القانون من إلغاء أو تغيير بنوده حيث يتطلب ذلك التصويت عليه، الأمر الذي تمكن الشيعة من تجاوزه عبر الزيادة العددية عبر السنين، حتى أن الشيعة أصبحوا يطالبون بعطلة رسمية في عاشوراء وبث الاحتفالات على التلفاز تعبيرا عن الوحدة الوطنية[4].

أما في البحرين النازف فقد تمكن الشيعة من العودة من المنفى وتقوية الداخل المطارد من قبل أجهزة الأمن التي كانت تراقب وتترصد الاتصالات مع إيران، فتمكنت وبالقانون تم إنشاء الجمعيات الشيعية الرسمية، وفي غضون سنوات بسيطة تمكنت هذه الجمعيات من تأكيد تواجدها لدرجة أن استطلاع رأيها في الميثاق الوطني البحريني وتعديل الدستور[5]، حتى أن وزير التعليم البحريني عزم في وقت ما على تدريس المذاهب والفقه المقارن في المعهد الديني وتخصيص مدرسين من كل مذهب لتدريس مذهبه مع تعديل المناهج لتناسب ذلك، فيما قد تقرر لأول مرة في البحرين نقل مراسم عاشوراء على أجهزة إعلام الدولة وبأمر ملكي[6] .

ومن المعلوم أن الحالة اللبنانية مع المد الشيعي أسوأ من الوضع في البحرين، حيث أنه من المعلوم أن الشيعة لميكن لهم كيان في لبنان قبل مجيء موسى الصدر إلى لبنان في عام 1958م وتأسيسه للمجلس الشيعي في عام 1966م الذي أدى إلى الاعتراف الرسمي بالطائفة الشيعية التي انبثقت منها حركة أمل الشيعية التي سفكت دماء المسلمين خاصة السنة في حرب لبنان الطائفية، كما انبثق من هذه الحركة حزب (الشيطان) عام 1982م والذي أصبح يمتلك قوة تضاهي قوة الدولة اللبنانية وأصبح دولة لوحده ضمن حدود الدولة اللبنانية، كما أصبح الذراع الشيعي الصفوي في خاصرة الأمة العربية.

وكما سلف، فإن المخطط الشيعي الصفوي الأثيم يسعى بجهد حثيث ومتواصل ومدعوم من قبل الدولة الصفوية الإيرانية في طهران، للسيطرة على جميع المنطقة العربية وتصدير الثورة الصفوية إلى العالم، منتهجين بذلك كل الوسائل الممكنة البعيدة عن النزعة العسكرية واستخدام القوة في تحقيق الهدف الاستراتيجي الأسمى في القضاء على السنة الوهابيين الكفرة ونشر المذهب الشيعي الاثني عشري.

ومن أجل هذا الموضوع فإن ارتباط الشيعة العجيب من كل الدول سواء العرب أو العجم، بالدولة الفارسية الصفوية لهو أمر يثير الدهشة لدرجة أن العرب الشيعة يرتضون بأن يقودهم شيعي إيراني الجنسية – فارسي التوجه – يسعى إلى إقامة إيوان كسرى البائد على جماجم العرب المسلمين وخصوصا السنة، حتى أن المرجع الأعلى في العراق لا يستطيع التحدث بالعربية مطلقا ويستعين بمترجم، لذا فإنه ليس من المعوقات أن ينتمي الشيعي إلى أي جنسية شاء، فالجهود الحثيثة والتعليمات الواضحة للخطة الخمسينية تحث الشيعة في كل مكان للعمل بكل دأب على الحصول لكل الشيعة في أي بلد على جنسيته وذلك للتمكن من المطالبة فيما بعد بحقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، كما أن التحرك الرسمي ضدهم سيتيح للشيعة التباكي في الأمم المتحدة بوصفهم طائفة المضطهدين في ذلك البلد، وهو ما يحدث الآن في السعودية فالشيعي يولد في مناطق السنة وذلك للتمكن من الحصول على شهادة الميلاد كوثائق للوجود الشيعي في تلك المناطق والمطالبة بها فيما بعد، مستغلين دعوات المصالحة الشعبية والدعوات للتسامح والحوار بين طوائف ومذاهب البلد الواحد.

التوصيات

لكل ما سبق فإننا نتمنى أن تتغير السياسة الخليجية إزاء تهديد الوجود الذي تديره وتمثله إيران في الخفاء والعلن، وأن يتم التعامل مع هذا الخطر بالاعتراف أولا بوجوده، وذلك يتطلب زيادة الاهتمام بدراسة السياسة الخارجية لإيران وتطورات الفكر الشيعي وتياراته لمعرفة توجهاتهم مبكراً للاستفادة من الصراعات الداخلية بينهم، وعدم الاكتفاء بالمجلدات والإصدارات التي تصدرها مراكز الدراسات الاستراتيجية في دولنا الخليجية وعرضها في معارض الكتاب، ولكن يجب أن يتم إعادة التوفيق بين الساسة ورجال الدين والإصلاحيين الذين يثبت عدم تورطهم الإجرامي في العمليات الانقلابية أو الفكر المتطرف الساعي إلى تدمير البلدان الخليجية والذين هم أيضا ضحايا للفكر والإيديولوجية الإيرانية التي جندتهم ليكونوا السيوف التي يقتلون بها أنفسهم.
وإن من أخطر الدعوات التي أجدني مضطرا لإطلاقها علنا ودون مواربه أن تقوم الدولة وجميع الدول الخليجية بالعمل على تحجيم التدفق الإيراني والمد الشيعي الصفوي الاثني عشري في البلاد، وخصوصا في مسألة الخدمة الوطنية والتجنيد حيث سيتيح ذلك لهؤلاء الشيعة التدرب العسكري على يد السلطة التي سيعملون بكل ما يملكون لإسقاطها وتدمير مقدرات البلاد، وعلى الحكومة عدم الالتفات إلى الدعوات التي ستنبري للمساواة وعدم إحداث الفتنة، ولكن أقول أن الشيعة يجب أن يقبلوا بحماية السنة لهم طالما هم يعيشون بكرامتهم وبكامل حرياتهم، دون أن يتطلعوا إلى تنفيذ المخطط الإجرامي الصفوي، وكل من يثبت عليه ذلك يجب أن يتخذ فيه القرار بالإرسال إلى أمه طهران.

ولست أبالغ حين أسجل شكوكي بأن الخطبة الموحدة وإغلاق المساجد أمام المحاضرات والندوات وحتى قراءة القرآن بعد وبين الصلوات واستقدام وتقديم علماء الدين من ملل الصوفية واليزيدية والمارقين من أصحاب التقية الكارهين لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، ما هي إلا مخططات حاكتها أيدي عملاء الصفويين من المستشارين والمقربين من مراكز صنع القرار لكي يزيدوا عمق الخلاف وحالة السخط التي يعملون على إذكائها بين السنة الوهابيين أهل البلاد الأصليين وبين حكامهم من بني جلدتهم.

إن أسوأ من الموت انتظاره، وأسوأ من المرض الجهل به وأسوأ من الجهل العلم الذي لا ينفع صاحبه، فإن من العقل المراجعة العميقة والقراءة المتأنية والدراسة الوافية لأدبيات هؤلاء ومراجعة تكليف أذنابهم بالمناصب القيادية والتنفيذية العليا في الدولة، والتي يستغلونها إلى ضرب بل بتر كل يد تكتب وتنادي للوقوف في وجوههم، فمصاهرة الشيعي ليست كمصاهرة البدوي الجلف المتزمت، فشتان بينهما في الدنيا والدين، ومهما أطعمت الثعبان أو العقرب فلن تستطيع أبدا أن تروضه مهما فعلت.

المصدر : مركز المزماة للدراسات والبحوث

المصادر والمراجع :

[1]– جريدة الشرق الأوسط، النفوذ الإيراني: المستور والمكشوف، 18/5/2007م.

[2]– (المصدر: الملف نت، والجزيرة نت، 12/1/2007م).

[3]– الشرق الأوسط 10/6/2001

[4]الرأي العام 22/3/2002 – الوطن 23/3/2002

[5]– الشرق الأوسط 4/6/2001

[6]– وكالة الأنباء الشيعية 5/2/2002 25/3/2002

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى