آراء ومقالات

القبيلة تعطل العمل السياسي

تناقش دراسة صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة
السياسات تأثير القبيلة العربية في العملية السياسية الحديثة، وذلك من خلال دراسة تفاعل
القبيلة مع الممارسة الديمقراطية العربية المبكرة خلال فترة العراق الملكي.

وأكّدت الدراسة تحت عنوان
“القبيلة والديمقراطية: حالة العراق الملكي 1921-1958” للباحث عبد
العزيز الحيص، أنّ القبيلة ككيان تقليدي ومؤثّر اجتماعياً لا يجب أن تدخل العملية
السياسية والمدنيّة الحديثة كـ”قبيلة”، باعتبار أن التكتّل القبلي قادرٌ
على التحشيد والتأثير في قطاعات واسعة من الشّعب وتغيير خريطة القوى على أسس غير
ديمقراطية، مما يعطّل الممارسة الديمقراطية ويُبعدها عن تحقيق أهدافها.

وتأتي أهميّة هذه الدراسة -التي تنشر
اليوم على الموقع الإلكتروني للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- في هذا الوقت
الذي تشهد فيه بعض الدول العربية محاولات تحول نحو الديمقراطية في واقع لا تزال
فيه القبيلة ذات تأثير اجتماعي فاعل سيلقي بتأُثيره على الجانب السياسي.

القبيلة الكيان المؤثّر
وقد
أشار الباحث إلى مركزيّة القبيلة وثقلها في المجتمع العربي، وهو الثّقل الذي بقي
ماثلاً حتى في ظل الدولة الحديثة، لأنّ مفاهيم القبيلة وثقافتها بقيت متجذرة
وفاعلة.

وقد سعى البحث إلى فحص طبيعة القبيلة
من الداخل، ومن ذلك مكوناتها الأهم مثل العصبية والولاء والسلوك الجمعي لها،
وثقافة الممانعة لديها ضدّ مفاهيم المواطنة الحديثة.

ويشير إلى أن المنطق الجمعي الفاعل
داخل القبيلة يتطلّب تطابقا لمواقف أفرادها، وهو ما يجعلها كيانا تحشيديا غير
منضبطٍ فكرياً، يبني مواقفه على الانتماء العصبي في المقام الأول بغضّ النظر عن
نجاعة هذا الموقف وأصالته.

الديمقراطية العراقية
وتسلّم
هذه الدراسة بأنّ القبيلة قد تمّ استغلالها من قبل الفاعل السياسي في الدولة
العربية الحديثة. وإنْ كان استغلالها بديهياً واضحاً في حال الدولة الشمولية، فإنّ
سُبل هذا الاستغلال قد لا تكون واضحة في حال الممارسة الديمقراطية.

لذا هدفت الدراسة لتبيان الطرق
والأساليب التي من الممكن للقوى السياسية المختلفة أن تستغلّ بها القبيلة سياسياً،
ومن ذلك الحشد العدَدي لهدف الانتخاب أو التصويت، وتقوية النخبة الحاكمة أو دعْم
جناح سياسي ضد آخر، أو حتّى الصّدام المادي والتمرّد أمام سلطة الدولة. وعلى سبيل
المثال نجح التمرّد القبلي في إسقاط وزارات أيّام العراق الملكي.

وتجربة العراق الملكي -كما يؤكد
الباحث- كانت محاولة أولى ومبكرة بين الدول العربية للولوج إلى عالم الديمقراطية.
وهذه التجربة الديمقراطية العراقية، التي انطلقت في عهد الملك فيصل الأول، تجربة
يعتد بها لأنها أثمرت جدلاً برلمانياً نشِطاً بين أطيافٍ سياسية متنوّعة، ووجود
أحزاب معارضة، وحريّة صحافة.

وتشير الدراسة إلى أن فشل الممارسة
الديمقراطيّة في العراق في تلك الفترة يعود في المقام الأول إلى استبداد النخبة
الحاكمة التي ازداد استبدادها بمرور الوقت، كما لعب التدخّل والدعم البريطاني
للنّخبة الحاكمة دورًا في إخفاق المسار الديمقراطي، لكن القبيلة لعبت أيضاً دوراً
مساعداً في ذلك.

القبيلة والسياسة
وتؤكد
هذه الدراسة أنّ الدولة العراقيّة الحديثة لم تنجح في نسخ الولاء للقبيلة بالولاء
للوطنية، ويعود ذلك إلى قوة تجذّر القيم القبليّة إلى جانب تشكّك الناس في سلوك
أفراد النخبة الحاكمة، وهو الأمر الذي ينطبق على دول عربيّة أخرى.

كما توصّلت إلى أن وضع القبيلة
السياسي في العراق الملكي اتّخذ صوراً وأشكالاً متعدّدة وفقاً لظروف كلّ مرحلة.

كما بيّنت الدراسة أن شيوخ القبائل
-خصوصاً في مناطق جنوب العراق- الذين تنتشر أملاكُهم في أنحاء البلاد، ما عاد
هدفهم الأثير، بعد نشوء الدولة الحديثة، هو تحقيق مكسبٍ معنوي يعود على القبيلة
ككلّ، بقدر ما أصبح يعني لقطاع كبير منهم طريقة حديثة للمغنم والكسب.

وتستدرك الدراسة أن القبيلة لم يكن لها دورٌ سلبي على الدوام، فقد لعبت أدواراً
تاريخية كوحدة تجانس ساعدتْ المجتمع على تعزيز روابطه وعلاقاته واحتضان أفراده،
لكن دخولها عالم السياسة المدنية الحديثة أمرٌ له تبعاته غير المناسبة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى