آراء ومقالات

ماذا تريد إيران مقابل كل هذه التنازلات؟


 


مواقف إيران الجديدة التي تأتي بالنقيض من
مواقفها قبل فترة ليست ببعيدة، لا يمكن تقبلها دون الإمعان في أسبابها ولزوم توقع
مفاجآت نتائجها. فلا يستطيع المرء تقبل أنه بمجرد تغيير رئيس الجمهورية تتغير
الكثير من المواقف الإيرانية مباشرة وبسهولة تامة. ونحن نعلم أن منصب الرئيس في
إيران ثانوي وتنفيذي ولا شأن له باتخاذ القرارات الاستراتيجية. فكل القرارات
الحساسة هي بيد المرشد علي خامنئي. وهذه التنازلات الإيرانية على الساحة الخارجية
التي تشبه الانهيار الكامل لسياساتها، لا تدع مجالاً للشك إنها أتت نتيجة قرارات
مهمة وحساسة، لا يستطيع رئيس الجمهورية وحده البت فيها إطلاقاً. ولا يجوز النظر
إليها بحسن نيةوتقبلها بسذاجة، وهي تبدو كالطعم الذي يعطى للصيد
.

خلال أقل من عشرة أيام أخبرت إيران
المجتمع الدولي أنها مستعدة للتخلي عن طموحها النووي وتكتفي فقط بنسبة تخصيب أقل
من خمسة بالمئة، تستطيع استخدامها للأغراض السلمية والبحثية والطبية، بعد أن كانت
تصر وخلال عدة سنوات الوصول إلى نسب تخصيب أعلى، ما يسمح لها في إنتاج القنبلة
النووية إن استطاعت تخصيب كميات كبيرة
.

كما أنها أعلنت عن مبادرة حول استعدادها
للقيام بدور وسيط بين المعارضة السورية والنظام لحل الأزمة السورية التي استعصى
على المجتمع الدولي حلها، بسبب مواقف إيران ذاتها مع روسيا ودعمهما اللامحدود
للنظام بحجة الدفاع عن حرم السيدة زينب بالنسبة لإيران. والحفاظ على آخر موطئ قدم
في البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لروسيا
.

وفي موقف يبدو غريباً جداً، أعلن الرئيس
اللبناني ميشيل سليمان في مقابلة صحفية أن حزب الله قريب جداً من سحب قواته من
سورية والعودة إلى الأراضي اللبنانية
.

ونحن نعلم أن الحرب في سوريا لا تزال على
أشدها
.

أيضاً اتفقت إيران مع الأرجنتين حول قضية
تفجير بوينس إيرس عام 1991 التي قتل خلالها 85 شخصاً ويتهم فيها القضاء الأرجنتيني
مسؤولين إيرانيين، وكانت إيران تنفي نفياً قاطعاً صلتها بالتفجير. والغريب إن
إيران أخبرت الجانب الأرجنتيني أنها مستعدة لاستقبال محققين أرجنتينيين للتحقيق مع
المشتبه بهم وداخل الأراضي الإيرانية
.

 في الآونة الأخيرة ذكرت بعض الصحف
الإسرائيلية، أن إيران لم تجمد مشروعها النووي كما تدعي، بل تمكنت بالفعل من صناعة
القنبلة النووية لهذا تريد امتصاص غضب العالم قبل أن ينكشف سرها. وفي مقابل هذا
اعترف الرئيس الإيراني بالمحرقة اليهودية بدل أن يرد على إسرائيل كما تعودنا من المسؤولين
الإيرانيين
.

ويبدو بعيداً عن الشأن السياسي وفي
الحقيقة هو ليس كذلك، قبول فريق رياضي نسائي إيراني اللعب في مسابقات قارية ستقام
لاحقاً في نيروبي عاصمة كينيا تحت علم الإمارات وباسم الإمارات، الأمر الذي يسمح
به الاتحاد الآسيوي للعبة وهذا يبدو ضرباً من الخيال قبل فترة وجيزة فقط. فمن يعرف
العقلية الإيرانية لا يتخيل حدوث هذه الأمر على الإطلاق، سواء من قبل الأشخاص أو
المؤسسات
.

هذه المواقف وأخرى مشابهة لها حدثت بين
ليلة وضحاها، ومع النظر في إن الحياة أخذ وعطاء. فماذا تريد أن تأخذ إيران أو أخذت
بالفعل مقابل كل هذا العطاء السخي؟ خاصة وأن إيران لا تبدو عليها حالة الانهيار
لنستطيع تقبل كل هذه التنازلات دون مقابل. فالحصار الذي فرض على إيران وعبر عدة
مراحل أثر على حياة المواطن العادي فقط ولم ينل من الدولة ومؤسساتها الرئيسية ولم
يؤثر على نظام الحكم. فإيران استطاعت الالتفاف على الحصار المفروض على قطاعها
النفطي عبر استخدام ناقلات نفط لدول إفريقية أو رفع أعلام تلك الدول على ناقلاتها،
هذا ما تم الاعتراف به من قبل الجهات الدولية المختصة. كما أنها استطاعت خرق
الحصار على بنوكها المشتبه بها في تمويل المشروع النووي من خلال استخدام بنوك
عراقية أو تأسيس بنوك داخل العراق بالشراكة مع حلفائها هناك
.

ما تريده إيران مقابل كل هذه التنازلات
ستكشفه الأيام، وفي المستقبل القريب جداً
.

وربما يروج لإيران في الفترة المقبلة
بامتلاك القنبلة النووية، ولكن دون اعتراف أو نفي رسمي منها. لتصبح نسخة طبق الأصل
لإسرائيل. فإسرائيل لحد الآن لم تؤيد ولم تنف امتلاكها القنبلة النووية. ومع ذلك
حققت الهدف المطلوب وهو خلق تفوق استراتيجي عسكري على العرب
.

لكن سواء تمكنت إيران اليوم أو لم تتمكن
من تصنيع القنبلة النووية. انسحب حزب الله أو لم ينسحب من سوريا. احترمت إيران دول
الجوار أو لم تحترم. بقي الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً لسوريا أو لم يبق، كل
هذه التغييرات عبارة عن قرارات مرحلية لا شأنها لها بالمواقف الاستراتيجية
والثابتة الإيرانية، وهي التي لا يمكن توقع التغيير فيها. المواقف التي كانت ولا
تزال السبب الرئيسي في عدم الاستقرار بالمنطقة كلها متى ما تشاء إيران. وركيزة هذه
المواقف الاستراتيجية العقلية الاستعلائية التي تعمل ليلاً ونهاراً على تحقيق
الطموح الفارسي التاريخي، وهو استعادة أمجاد فارس عبر السيطرة على منطقة الشرق
الأوسط بأكملها. يدعمها الشعور بالعقدة تجاه العرب الذين تمكنوا قبل نحو ألف وأربع
مئة سنة من إلحاق الهزيمة بإمبراطورية فارس المتجبرة آنذاك
.

مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى