آراء ومقالات

قصة الشعارات في إيران


 

 

لا
شرقية لا غربية جمهورية إسلامية، الموت لأميركا، أميركا الشيطان الأكبر، الموت
لإسرائيل، الموت للإنجليز وعشرات الشعارات الأخرى لا داعي لذكرها لأنها عبارة عن
شتائم ضد الأحياء والأموات.

 

أما عن
الأقوال المنقولة عن الخميني وما بعده المرشد الحالي خامنئي وبعض رجال الحوزة
الآخرين، نذكر منها: هذه الحرب نعمة لنا، طريق القدس يمر عبر كربلاء وشعار حماية
المستضعفين وإسلامنا هو الإسلام المحمدي. هذه الشعارات والأقوال كانت ولاتزال تشكل
هوية النظام الحاكم في إيران.

 

سقط
الكثير من هذه الشعارات الواحد تلو الآخر وتم تجاوزها دون ضجة إعلامية بسبب ظروفها
الموضوعية آنذاك. مثل شعار لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية. إذ محور الشرق
المتمثل بروسيا والصين اليوم هو أكبر الداعمين لسياسات إيران والحليف والمساند لها
في أغلب مشاريعها المدنية، الحضارية، العسكرية وحتى النووية. دائماً ما يتم تجاوز
أي شعار بمبررات ليس بالضرورة أن تكون مقنعة للشعب الإيراني بقدر ما يجب أن تكون
مقنعة لرجال الحوزة القابضين على سدة الحكم. على العكس من مبررات طرح الشعار
ونتائجه، فالمتضرر من طرحه طبعاً هو الشعب وحده وليس الحوزة ورجالها.

 

سقط
شعار الموت لإنجلترا وأهملت الكثير من أقوال الإمام المتطرفة وتساقطت كتساقط أوراق
الشجر في الخريف. البعض منها أخذ نصيبه من الجدل بين رجال الحوزة والمقربين منهم
وبسرية ماسونية تامة ووجدوا له مخرجاً. والكثير منها تم تبريره من خلال الادعاء
بأن المهدي الموعود هو من كان يتصل بالمرشد أسبوعياً ويشارك في صنع القرار. والبعض
الأخر تم تبريره بمقتضيات المصلحة الإسلامية العليا.

 

ولم
تكن في أوقات تساقط تلك الشعارات والأقوال رغبة لدى الرافضين لسقوطها في تعكير
المزاج العام أيضاً. فتم نقل إيران من الثورية العوجاء بسبب طائفيتها وانحيازها
للعنصر الفارسي إلى البراغماتية دون حياء أو مراعات لأرواح الناس الذين تم الزج
بهم في نيران الحروب والمغامرات التخريبية التي كان ولايزال يؤمن بها معظم رجال
الحوزة ومن أجلها طرحوا تلك الشعارات الرنانة الطنانة.

 

لكن
الأكثر جدلا أنه شعار الموت لأميركا الذي تثار حوله هذه الأيام الكثير من
الأقاويل، فهناك من هو مؤيد لإسقاطه ويستند بموافقة خميني قبل موته على إسقاط هذا
الشعار ويستند بصلح الحسن بن علي مع معاوية بن أبي سفيان. وهناك من هو رافض لإسقاط
هذا الشعار ويشكك في موافقة خميني آنذاك ويعتبر إسقاط هذا الشعار حق خامنئي المرشد
الحالي وحده فهو الأعلم بأمور الزمان. تضخم الحوزة ومن والاها هذه الأيام من أهمية
الموضوع إلى حد إثارة الشك في نفوس المواطنين. حيث اعتبر الكثير من المهتمين بهذا
الموضوع، أن التضخيم الإعلامي هذا تضليلي ليس إلا، ليخرج الأمر من مضمونه كونه
تغييراً استراتيجياً في سياسة إيران بعد فشلهاالذريعإلى الشكليات والأمور السطحية.
فالموضوع الحقيقي جلوس إيران مع عدو الله أميركا والشيطان الأكبر. والحقيقة إن تم
إسقاط الشعار أو لم يتم، فهذا لا يغير حال المواطن الإيراني ولا يحسن من وضعه.

 

والحوزة
مستمرة بهذا التضليل لأنها مدركة تماماً أن الشعب مستمر في عدم التحرك ضد النظام
رغم الدمار الذي لحق به نتيجة سياسات الحوزة المتطرفة وشعاراتها البغيضة لغايات في
نفسه ترتبط بشكل دقيق بالعقلية الجماعية الفارسية التي تفضل الغطرسة والاستعلاء
على لقمة العيش في ظل حياة هادئة بالتساوي مع الآخرين من دول الجوار وبالأخص
العرب. وهي تعمل على إطعامه غروراً وغطرسة من خلال تصريحات نارية ووعود بتحقيق
امبراطورية فارس التاريخية وإدخاله في النادي النووي وإرسال مركبة فضائية تحمل اسم
قوروش الكبير للمريخ بعد بضعة سنين.

 

لكن
انكشاف التزييف الذي تمارسه إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود هذه المرة له فوائد
يستطيع المتضررون أو المخدوعون من قبل إيران وهم أغلبهم من العرب الاستفادة منها
ضماناً للمستقبل.

 

الفائدة
الأولى هي معرفة الشعب الفارسي بشكل أدق، فلا يوجد في نفوس الفرس تلك العداوة
والضغينة التي نتخيلها تجاه أميركا والغرب. والرأي العام الفارسي استطاع النظام
ترويضه وإسكاته ليس من خلال تحسين وضعه المعيشي. بل من خلال إرضاء غروره المتمثل
في حب التفوق والتعالي على الآخرين. استطاع النظام إسكات الشعب رغم تجويعه والفتك
به من خلال شعارات رنانة ومواقف دعائية مضخمة ومشاريع ذات اسم مدوِ مثل المشروع
النووي التي ليس فقط لا تدر على الشعب بأي فائدة بل استهلكت وتستهلك كل ما أنتجته
وتنتجه إيران من النفط والغاز المسروق أصلاً من ثروات الأحواز.  

 

والفائدة
الثانية المأزق الذي وصل المطبلون العرب إليه أكثر من ذي قبل، فبعد اليوم لن
يستطيعوا التطبيل في أي حفلة رقص إيرانية. فبات واضحاَ ما تريده إيران وتعمل عليه
بعيد كل البعد عن مراعاة مصالح العرب وقضاياهم. كما أن إيران لا تجد أي صعوبة عند
تغيير موقفها حتى وإن كان هذا التغيير يصل إلى حد التناقض. وكل سنة إيرانية فيها
خريف أيضاً وفي كل خريف سيسقط البعض مما تبقى من الشعارات الحوزوية الرنانة.

 

مركز
المزماة للدراسات والبحوث


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى