آراء ومقالات

في إيران أيهما أسوأ، سلوك المواطنين أم سلوك النظام؟

 

 

النظام الإيراني وإن تشبّه بالإسلام يبقى نظاماً كباقي الأنظمة
التي لا تحترم القواعد الدولية أو حتى أكثرها خرقاً وانتهاكاً لهذه القواعد. لكن
البعض ولأسباب عاطفية أو فئوية لا يريد النظر إلى إيران بمعزل عن الإسلام الذي
تشدقت به وزجت به في كل ممارساتها السياسية وغير السياسية،مما أضر كثيراً بقدسية
الإسلام كونه دين السلام والتسامح ونشر الخير والمحبة، وليس مجرد وسيلة للتسلط
والاستبداد وانتهاك حرمات الآخرين والإضرار بحياتهم.

  

في فترة رئاسة رفسنجاني حدثت نقلة نوعية في طريقة تفكير وبالتالي
ممارسات النظام الإيراني، إذ تم التحول من نظام يستند إلى شعارات وضعها مؤسسو هذا
النظام أغلبها كان بهدف وضع إيران في حالة تشبه حالة كوريا الشمالية، حيث لا
ارتباط يذكر مع العالم إلى نظام يتخذ من الواقعية السياسية مرجعية وليس الشعارات
المتطرفة وإن كانت إسلامية. أي تحول النظام من ممارسة أسلوب لا شرقية لا غربية
جمهورية إسلامية الذي حرمّت السلطات من خلاله على المواطنين حتى الملابس المستوردة
بحجة أنها تأتي من بلاد الكفر والشر، إلى أسلوب المرونة والتعاطي مع الجميع تلبية
لمتطلبات المصلحة الوطنية العليا ما يسمى في علم السياسة بالبراغماتية.

 

على سبيل المثال أطلق حينها رفسنجاني قنبلة أخلاقية باعتباره رجلاً
معمماً إذ اقترح وروج لمشروع الزواج المؤقت المتعة معللاً موقفه بوجوب إيقاف إهدار
الثروات الخاصة للإيرانيين في البلاد الأخرى، حيث كان الشباب الإيرانيون ذكوراً
وإناثاً يسافرون وبكثافة من أجل ممارسة أفعال تشبه ما هو موجود في المجتمعات
الغربية التي ينتقدها النظام الإيراني دائماً، أي تقنين وشرعنة ما هو غير قانوني
وغير شرعي دينياً شريطة الّا يخرج التومان – العملة الإيرانية – من الأراضي
الإيرانية.

 

كما في تلك الفترة كان قد اقترح رفسنجاني نفسه على المرشد والقائد
آنذاك خميني أن يسمح للمخابرات والحرس الثوري في نقل المخدرات من حدود إيران
الشرقية إلى حدودها الغربية لتنقل بعدها إلى أوروبا بحجة أن الدولة الإسلامية! لم
تستطع منع المهربين من المرور عبر أراضيها باتجاه الغرب. فلِمَ لا تستفيد الدولة
من هذه الميزة وتشارك هي نفسها في نقل هذه السموم لتخرج بالنهاية مستفيدة مادياً
على أقل تقدير، وهذه الفضيحة متداولة في الإعلام الإيراني، ولا أحد يشك في صحتها
إلى يومنا هذا.

 

كما أنني شخصياً سمعت من شهود عيان كانوا يعملون في تهريب البضائع
في هور الحويزة الذي يفصل بين الأراضي الأحوازية التي تُحكم بالنار والحديد من قبل
إيران والأراضي العراقية، أن المخابرات الفارسية كانت تمنح قروضاً لعملائها كي
يهربوا المواد المخدرة وحبوب الهلوسة والحشيشة إلى العراق، ومن ثم يهرب بعضها إلى
السعودية شريطة أن يعيد المقترِض مبلغ القرض دون نقصان عندما لا يرغب في الاستمرار
في عمله هذا.

 

ورغم أن هذه التصرفات لا تشبه إلى حد كبير تصرفات دولة تحترم نفسها
أو تحترم جيرانها أو العالم، وهي أشبه بتصرفات المافيا والعصابات، لكني أعتقد أن
الأمر لا يغدو كونه تصرفاً مشيناً لدولة لا تلتزم بالأخلاق الإنسانية ولا تحترم
قواعد حسن الجوار، ولا يوجد ما هو جديد أو مفاجئ في هذه التصرفات. لكن المشكلة في
من لا يريد تجريد إيران من قدسيتها التي خلقتها لنفسها زوراً وبهتاناً عبر تشدقها
بالإسلام.

 

تحدث قبل أيام نائب وزير خارجية إيران عن عدد كبير من الإيرانيين
الذين يقيمون في الخارج وقد صدرت بحقهم أحكام إعدام لأسباب عدة أهمها تهريب
المخدرات إلى الدول الهدف، وانتقد الذين يسافرون للخارج على هذه التصرفات أو
بالأحرى على ارتكاب هذه الجرائم، وقال إنها تسيء إلى سمعة إيران ومواطنيها. وأخبر
عن نحو 700 شخص إيراني صدرت بحقهم أحكام إعدام في الدول الأخرى، وقال إن هذا الرقم
كبير جداً على دولة مثل إيران!

 

نائب الوزير ألقى باللائمة على المواطنين العاديين، وطلب منهم أن
يغيروا من سلوكهم وأن يكونوا نموذجاً راقياً وليس سيئاً، والنظام كان ولا يزال
السباق في تشويه سمعته بنفسه عبر ممارسة هكذا نشاطات غير قانونية وعلى مدار ثلاثة
عقود. كيف يطلب من مواطنين عاديين ربما أجبرتهم الحاجة أو الطمع في كسب الثروة
بأسرع طريقة ممكنة على اتخاذ هذا الطريق الأعوج سبيلاً، الطريق الذي يفقد الإنسان
إنسانيته ويجعله يسيء لنفسه ولأهله ولدينه والنظام نفسه كان ولا يزال يرتكب نفس
الأفعال ولكن بحرفية وبشاعة أكثر، ولا يملك ما يبرر أفعاله سوى أنه في حالة حرب مع
الجميع، وله الحق في استخدام الأسلحة بجميع أنواعها، المحرمة وغير المحرمة ويعتبر
تدمير أي فرد أو أسرة أو مجتمع في البلاد الأخرى نصراً من الله للشعب الإيراني.

 

ثم لماذا لا نتصور أن هؤلاء الأفراد الذين يتم اعتقالهم في
المطارات ربما يتصرفون بعلم ودراية النظام، وما هذه المخدرات التي يهربونها إلا
تلك التي طلب إذن المشاركة في نقلها أي تهريبها رفسنجاني الرئيس الإيراني الأسبق.

 

وبغض النظر عن هذا السبب أو ذاك كان ولا يزال على الدول الأخرى
وأهمها الدول العربية الخليجية التي يقيم فيها مئات الآلاف من الإيرانيين ويسافرون
لها بالآلاف أسبوعياً أن تأخذ الحذر وأن تُخضع الإيرانيين بالذات إلى التدقيق
والتفتيش الكافي عند وصولهم إلى أراضيها عبر البحر أو الجو، وإن تم اكتشاف مواد
مخدرة مهربة يجب أن يتم التحقيق في الجريمة مع الأخذ بالحسبان فرضية أن تكون
للمخابرات الإيرانية يد فيها. كما يجب أن يطلب من السلطات الرسمية الإيرانية إطلاع
جيرانها على عمليات تهريب المخدرات التي يتم كشفها في إيران قبل أن تستطيع الخروج
إلى الدول المجاورة، لأن هذا الأمر أيضاً مثير للشك حيث لم نسمع أن تم إفشال
محاولات تهريب مخدرات في المطارات الإيرانية إلا في حالات نادرة جداً!  

 

مركز المزماة للدراسات والبحوث


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى