كلمة السيد حبيب جبر رئيس حركة النضال العربي في مؤتمر كوبنهاغن
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها الحضور الكريم ورحمة الله وبركاته
أرحب بكم واتقدم إليكم بجزيل الشكر والامتنان على تلبيتكم دعوتنا للحضور والمشاركة في مؤتمرنا السنوي الثالث.
أيها الإخوة والأخوات
ما يبشر بالخير لقضيتنا الأحوازية، ويرفع من معنويات شعبنا، هو أننا لم نشهد حتى هذه اللحظة، أنه ما من شخص يطّلع على قضيتنا عن كثب ويتضامن معها ويعمل لصالحها فترة، إلا وارتبط بها إرتباطاً لا تنفصم عراه، لتصبح قضية الأحواز الهاجس الذي يطغى على تفكيره واهتمامه، يتفاعل مع تقلبات أحوالها في مدّها وجزرها، بقناعة راسخة، وحماسة لا تلين بالرغم من التعقيدات والمعوقات التي عادة ما تصيب المرء بالإحباط أو الملل في بعض القضايا المماثلة…فهذه الحميمية في علاقتكم بالقضية الأحوازية التي بدت لنا في نشأتها ونموها في زمن قصير، تؤكد لنا أنه لولا الحصار الذي نجح في عزل الأحوازيين وقضيتهم عن إمتدادهما العربي والإسلامي لعقود طويلة، لكان الأمر مغايراً عن واقعنا المعاش، ولكان الخطاب غير الخطاب… ولكان…ولكان…لو أن الذي كان لم يكن. ولكن أن تجلو الغمامة ويأتي هذا الانفتاح متأخراً أفضل من أن لا يأتي أبداً، فالحمد لله من قبل ومن بعد. ولنا أن نرجع في تقويمنا لهذا الإقبال والقبول، إلى حجم الظلم الذي وقع على الشعب الأحوازي وإلى عدالة قضيتة كقضية عربية إسلامية رغم محاولة الاحتلال الفارسي الالتفاف عليها بأدوار ومظاهر مختلفة وكان آخرها بالتخفي خلف قناع الإسلام الي هو بعيد كل البعد عنه.
أورد ملاحظتي هذه وأمامي الآن جمعكم الكريم الذي نعتز به أيما إعتزاز، فمنكم من شارك في مؤتمرنا الأول أو الثاني أو الأول والثاني وهو الآن يشارك في مؤتمرنا الثالث. وأنا على يقين أنه اليوم أكثر حماسة وجدية على متابعة المسير والسير معنا في طريقنا الوعر بتعقيداته والسهل البسيط بوضوح الأهداف التي تسير نحوها القضية الأحوازية. فبشائر النصر باتت تلوح في الأفق… نتلمسها عبر مستوى الوعي والحس الوطني وروح التحدي التي بات شعبنا الأحوازي المناضل يتسلح بها، مستمداً العزم من إيمانه بالله، والصمود من وقفتكم معه.
أيها الحضور الكريم
هذا القرن المظلم الذي مر على احتلال الأحواز أثبت للجميع أننا شعبٌ شديدُ التعلق بهويته العربية وانتمائه الإسلامي. لهذا لم يكتب النجاح لأغلب مشاريع الفرس على أرض الأحواز، حيث أبطل الشعب الأحوازي بتحد لا يلين وبصمود أسطوري، كل مخططات العدو التي إستهدفت طمس هويته، وتجريده من إنتمائه، والنيل من كرامته، بصدور عارية منذ أن وطأت أقدامهم أرض الأحواز غزاة معتدين.
ونتساءلُ هنا ماذا تبقّى للاحتلال الفارسي من أدوات قمع وتنكيل لم يستخدمها طيلة فترة الاحتلال ضد شعب أعزل إلا من إيمانه بالله وبقضيته العادلة؟ مارس كل الدناءات المتوقعة من معتد همجي للنيل من فريسته العصية، ولكن في النهاية ماذا جنى هذا الاحتلال غير أنه كان ينطح في صخرة صلدة قوامها العزة والإباء، ليكتشف مرغماً أن هذا الشعب لامحالة عاجلا أو آجلا سيسترجع سيادته المغتصبة.
وإلا لماذا تتعامل الحكومات الإيرانية المتعاقبة ضد الأحوازيين بهذه الطريقة العنصرية والهمجية. تقطع المياه عنهم وتحولها لمناطق الفرس، وتلوث بيئتهم وتستهتر بسلامتهم بينما تعمل بانتقائية فاقعة على تفضيل العنصر الفارسي والكثير من التصرفات التي تثبت أن الفرس باتوا متيقنين أن الأحواز ليست لهم لا قبل احتلالها ولا بعده وتجدهم اليوم يسلبون وينهبون ما استطاعوا من ثروات الأحواز، ولا يعمرون في الأحواز إلا المعسكرات والمراكز الأمنية والأقبية المخابراتية والسجون. مما ينبئ بقرب زوالهم، تعتريهم روح اليأس التي تسربت إلى نفوسهم بأن لا أمل من تغيير القدر المحتوم.
أيها الإخوة أيتها الأخوات
لا أريد الإطالة في الشرح كما كنا نفعل قبل سنين من أجل التعريف بقضيتنا وعدالتها. والسبب في هذا، أنكم على إطلاع واسع بتفاصيل تاريخها وتطور مسيرتها، بمتابعتكم لما يجري داخل الأحواز المحتلة. وما تلمسناه في دوركم الداعم لها في كل منشط أو مناسبة تساعد على إنتشارها، فضلاً عن إعتلاءكم لكل منبر حر متاح لتبنيها والدفاع عنها، يعفينا جهد الخوض في تفاصيل التعريف. فالقضية الأحوازية تبدو وكأنها اجتازت مرحلة التعريف على أقل تقدير على المستوى النخبوي، بل وحتى على المستوى الشعبي بتنا نتلمّس تعاطفا كبيرا ابتداء من المشرق العربي وخاصةً من أهلنا في الجزيرة العربية، وانتهاء بأهلنا في دول المغرب العربي، وهذا ما كنا نفتقده قبل بضعة سنوات.
من منكم لم يسمع بجرائم الاحتلال الفارسي في الأحواز؟ لم يسمع بالإعدامات والمشانق والاعتقالات العشوائية والتعذيب الممنهج والسجون المظلمة التي يتعرض لها أبناء الأحواز جريمتهم أنهم عرب وأصحاب حق؟ كلنا تابعنا اضطهاد إيران للمسلمين من أهل السنة والجماعة ونفيهم إلى مناطق نائية ليس لشيء إستدعى ذلك، بل كان جرمهم أنهم جمعوا حب آل البيت والصحابة جميعا دون استثناء، وإجلالهم للخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين زوجات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بل واعدام الكثيرين منهم بتهمة معاداة الله ورسوله ظلماً وعدوانا، ومن منكم لم يسمع بالمستوطنات والمستوطنين، وتسليح المستوطنين ودعمهم ماديا ومعنويا من قبل دولتهم، ليفرضوا وجودهم بقوة السلاح في وسط مجتمع لا يقبلهم؟… سمعتم… وقرأتم… وشاهدتم…. ومعكم العالم كله بفضل الإعلام في عصر القنوات الفضائية والإنترنيت جزاءً من الجرائم التي كانت ترتكب في السابق بحق الشعب الأحوازي خلف أسوار الحصار، وكذلك في المقابل تسنى لشعبنا في الداخل أن يسمع ويشاهد ويقرأ لأول مرة أصوات شقيقة وصديقة تتضامن معه وتنبري لدفاع عنه…سمع وشاهد نبض الشارع العربي يبدأ في التناغم مع إيقاع مقاومته للمحتل… إنه الإعلام…نعم الإعلام أول معول هتك ستر الحصار، وفضح جرائم الفرس في الأحواز وغيرها، وأماط اللثام عن حقيقة الأحقاد والأطماع التي تتحكم في عقولهم، وخطورة أهدافهم على شعوب المنطقة…الإعلام أقوى أسلحة العصر كان له الدور الكبير في نقل قضيتنا إلى فضاءات جديدة. ولا يسعني إلا أن أتوجه بأسمى معاني الشكر والإكبار إلى كل إعلامي ساهم ولو بسطر أو كلمة أو صورة لنشر قضيتنا والتعريف بمعاناة شعبنا والشكر أجزَله للإعلامين الذين يشاركوننا مؤتمرنا هذا ويسعدوننا دائماً بمشاركاتهم لنا في الفعاليات والأنشطة الوطنية.
ما أريد التطرق له هو إننا وبعد انتهاء المؤتمر الثاني أي قبل عام واصلنا بشكل مكثف اتصالاتنا مع الأشقاء والأصدقاء الذين حضروا المؤتمر وحتى مع أؤلئك الذين لم تسعفهم الظروف للحضور آنذاك. ولله الحمد استطعنا أن ننجز البعض مما أوصى به المؤتمرون في البيان الختامي. وها نحن اليوم نتطلع إلى المزيد، إذ ندرك ثقالكم السياسي والتوعوي وأهميتكم الإعلامية في الوطن العربي الذي نراه اليوم كما كنا نراه سابقا وعلى الدوام عمقنا الاستراتيجي والسند الحقيقي لقضيتنا العادلة.
ضيوفنا الكرام
تتضح معالم الصراع التاريخي الذي كان البعض يريد التستر عليه عاما بعد عام وينكشف العدو التاريخي على حقيقته. وها هو اليوم أكثر وضوحا من ذي قبل ولم يعد من ينكر أن إيران هي المسبب الرئيس في الأزمات التي تمر بها الأمة وتحصد أرواح المئات يوميا في سوريا والعراق واليمن والأحواز وغيرها من البلاد العربية. ولم يعد من ينكر أن مصدر كل هذا التطرف الطائفي الذي ابتليت به المنطقة هي إيران منذ عام 1979 عبر الترويج لأفكار خميني وأعوانه التي ترى أن الولي الفقيه هو نائب الإمام الغائب ويجب أن يستلم حكم المسلمين جميعا حتى يهيئ للظهور ولهذا تأسس فيلق القدس الأداة القذرة التي أنشأها خميني وأعوانه لقتل العرب الذين هم يعتبرونهم الأعداء الحقيقيين للمهدي الغائب حسب المنطق الطائفي العنصري الذي تتبناه إيران وتروج له الحوزات الطائفية ولا ننسى نزعة الانتقام لكسرى وعقدة الهزيمة في القادسية الأولى التي لم يستطع الفرس نسيانها حتى يومنا هذا.
أما اليوم وبعد أن اتخذت القيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية وبالتنسيق مع الأشقاء في دول الخليج وبعض الدول العربية، قرار انطلاق عاصفة الحزم التي أربكت حسابات الدولة الفارسية ووضعت حدا لتدخلها السافر في شؤون اليمن والتي تعتبر خطوة مثالية يمكن أن ننطلق منها كأساس عملي للتصدي للمشروع الفارسي الخطير. واليوم استشعارا منا بروح المسؤولية القومية والتاريخية نرفع صوت جهارا نهارا بانه لم يعد مغفورا أن يبقى العرب عزلا من رؤية جيواستراتيجية معمقة تستنهض مشروعا عربيا مكافئا ينطلق من منصة فوق قطرية ليوفر للعرب كل العرب حياة أمنة ومنتجة في محيطهم الجغرافي والحيوي: وهذه ليست فقط مسؤولية الحكام فحسب، بل ومسؤولية المحكومين أيضا والتعويل الأخص هنا على النخب السياسية والثقافية والاجتماعية في الوطن العربي من خليجه إلى محيطه.
كما أسلفنا لذا يجب أن تتطور هذه الخطوة إلى مشروع استراتيجي رادع يتصدى لإيران ومشروعها الخبيث من خلال نقل المعركة إلى الداخل الإيراني عبر تفعيل جبهة الشعوب غير الفارسية التي أصبحت تتطور يوما بعد يوم وتبشر بتطورات كبيرة لصالح تلك الشعوب التي عانت الأمرين منذ احتلالها حتى يومنا هذا.
ولنا هنا أن نوضح بعض من أهداف واستهدافات ومفاعيل المشروع الإيراني في المنطقة وهي:
- السيطرة الكاملة المباشرة وغير المباشرة على المجال الحيوي والجغرافي العربي.
- تسميم الجو الإقليمي وجعله مسرحا للخلافات القطرية ولنزاعات لا تنتهي تسهل وتمهد بفرض الهيمنة الفارسية بدون منازع.
- زرع الخلايا النائمة في الوسط العربي وتكوين قواعد وتنظيمات مسلحة مأجورة تكون رديفا للغزاة الإيرانيين وتأتمر بأمرتهم وتتحرك برغباتهم حين الطلب.
- في المجال الدولي: تسويق صورة نمطية عن العرب بأنهم دعاة إرهاب ورعاة إرهاب وأن إيران وحدها يمكن أن تلجم توجهاتهم المزعومة هذه: ومن هنا انطلق الفرس خلف ستار الملف النووي المشئوم لتحويل سياسة الغرب تجاههم من الاحتواء إلى الاحتضان، وما انتقد أوساط نافذة في الكونجرس الأمريكي للإدارة بتسليم مفاتيح المنطقة لإيران إلا دليل ساطع على ذلك.
أيها الإخوة والأخوات
إذا كانت إيران قد تبدو في نظر البعض قوية ومؤثرة في المنطقة. فحقيقة الأمر إن هذا لا يرجع إلى التفوق العسكري أو الصناعي أو الثقافي الإيراني على حساب البلاد العربية المجاورة بل بسبب نجاح إيران في نقل المعركة إلى خارج الجغرافية الإيرانية. وهذا لم يأتِ في ليلة وضحاها وإنما عملت عليه إيران منذ ما يقارب الخمسة وثلاثين عاما وصرفت من أجله المليارات كي يصبح اليوم مشروعا متكاملا له مراكز اتخاذ قرار متخصصة وأدوات إيرانية وغير إيرانية منفذة تخضع بشكل مباشر لأمرة الولي الفقيه في إيران تنفذ ما يطلب منها دون تردد.
لكن في المقابل ورغم التحذيرات المتكررة وكثرة الأصوات التي تطالب باتخاذ نفس الأسلوب للتصدي لإيران مازال البعض منا يرى أن الانحاء أمام العاصفة الإيرانية هو الأسلوب الأمثل للحفاظ على منجزات الأمة وأمنها واستقرارها، هذا الأسلوب الذي كلفنا ويكلفنا اليوم خسائر فادحة بشرية ومادية ونفسية في سوريا والعراق واليمن والبحرين والأحواز.
إذن أيها الكرام
لا تتأخروا في تفعيل المشروع العربي المتكامل الذي أصبح مطلبا شعبيا عربيا ليس للعدوان على الآخرين بل للدفاع عن النفس. ونحن بدورنا مستعدون لتقديم الكثير من أجل انجاع هذا المشروع. خاصة وإننا نستطيع المساهمة في تفعيل جبهة منه تتعلق في التنسيق والعمل مع القوى الفاعلة التابعة للشعوب غير الفارسية التي وجدناها على استعداد تام للانضمام إلى جبهة مشتركة أو تحالف مشترك يشمل كل المتضررين من الغطرسة الفارسية داخل وخارج جغرافية إيران الحالية.
في النهاية تؤكد حركة النضال أنها اليوم أكثر إصرارا على الاستمرار في نهجها المناهض للاحتلال الفارسي. وإنها مستمرة في تشبثها بحق المقاومة المكفول بالقانون الدولي والمكفول شرعا الحق الذي كان السبب الرئيس في تأسيسها. ورغم أنها تعول على الشعب العربي الأحوازي في الدرجة الأولى، لكنها لا تقلل من أهمية دور الأشقاء المخلصين والأصدقاء الصادقين الذين كان لهم الأثر الكبير في تطور مستوى الوعي الشعبي في الأحواز خلال السنين المنصرمة. لذا لا تترددوا في تقديم نصحكم وإبراز آرائكم التي ترونها تسهم في تطور قضيتكم الأحوازية نحو الأفضل خلال هذا المؤتمر أو بعده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبيب جبر-رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز
كوبنهاغن 28-11-2015