آراء ومقالات

نجاد يناصر الشعوب المستضعفة ويجلد "عرب الأحواز"

من المتوقع أن يحتفظ الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بوقائع زيارته الأخيرة إلى لبنان في سجل مذهب لتظل واحدة من أنجح زياراته التي أداها إلى الخارج وفي داخل إيران أيضا، فطوال يومين تجول أحمدي نجاد في لبنان آمنا مطمئنا، غير آبه بمعارضة فئات لبنانية لزيارته ولا بتعالي أصوات من تل أبيب نادت بقصفه بالطائرات، هذا الرجل الذي رأينا له شعبية طاغية في لبنان لا يحظى بها حتى في بلده، كما لا يستطيع أن يحظى بنفس الشعور في بعض أقاليم إيران، ناهيك عن طهران ذاتها، خصوصا بعد الجدل الذي صاحب الانتخابات الأخيرة، والتي مازال رموز المعارضة يشككون في شرعية ولايته الثانية كرئيس للجمهورية الإسلامية.

مراقبون كثيرون تساءلوا بمكر هل إن هذا الرئيس صاحب الخطابات النارية يحظى بنفس الحماسة عند أبناء بلده؟، وطبيعي أن يكون الجواب أمام سؤال كهذا يحكمه الموقف من نجاد نفسه، ولكن بشيء من الموضوعية، يمكن التأكيد أن أحمدي نجاد لو زار بعض الأقاليم في إيران لرجموه أو لفخخوا له المنصة التي سيلقي منها خطابا يستعجل فيه ظهور "المهدي المنتظر" ويهاجم أمريكا وإسرائيل.

نجاد يهاجم قوى الغطرسة والعنصرية وينسى أن نظامه هو من يمارس العنصرية في أبشع صورها سواء على أساس عرقي أو مذهبي، ودون أن نخرج عن حدود إيران يمكن أن نؤدي نحن "زيارة" إلى إقليم عربستان المحاذي للساحل الشرقي للخليج العربي، والمحتل منذ عقود طويلة، في ذلك الإقليم يعيش ملايين من العرب الصرحاء، ينظر إليهم "صاحب الزمان" أو" الولي الفقيه" أن الشيعة منهم هم دون شيعيته وأنهم أقل نقاء منه، أما الغالبية السنية فهم لا يستحقون حقوقا ولا يقيم لهم أي وزن إنساني، وهو بذلك يمارس أسوأ أعمال البطش الاستعماري.

يوم الخميس، وهو يختتم زيارته المبهرة إلى لبنان وقف أحمدي نجاد عند أقرب نقطة من "إسرائيل"، وصخب صوته يهز المكان بخطاب تعبوي أمام الآلاف من اللبنانيين، حيث وجه رسالة إلى أبناء فلسطين المحتلة قائلا "كونوا على ثقة أن فلسطين سوف تُحرر من رجس الاحتلال بفضل قوة المقاومة"، وأضاف"أن الأرض يرثها العباد الصالحون"، وختم خطابه الحماسي بقوله "إن فلسطين ستتحرر من الاحتلال بفضل قوة وإيمان المقاومة وراية العدل قادمة والمستضعفون سيتحررون".

ويبدو أن نجاد يدرك تماما أن الاحتلال مهما طال فمصيره الزوال والانحلال، وان كانت الأراضي الفلسطينية عانت مرارة الاحتلال ما يقارب 63 سنة، فإن "الأحواز" ضاقت مر الاغتصاب الإيراني لعروبتها ما يزيد على 85 سنة، وأحمدي نجاد الذي يتبجح في معاداة الاحتلال لا يخفي نظامه ليس في التهام حقوق عرب الأحواز، وبل ويسيل لعاب الطمع بهذا النظام إلى أكثر من ذلك، وعلينا أن نذكر ما قاله أحد المساعدين لخامينئي العام الماضي عندما طالب بضم البحرين واعتبارها ولاية إيرانية، فضلا عن مخططات القضم التي تستهدف العراق سواء في شط العرب أو على الحدود البرية، ومنها ما حصل قبل أشهر في حقل الفكة النفطي.

ومقارنة بالزيارة الآمنة للبنان، نذكر على الأقل أن الرئيس الإيراني اضطر إلى إلغاء ثلاث رحلات إلى منطقة الأحواز في آخر لحظة. ولو ان السبب المعلن رسميًا في كل مرة، هو سوء الأحوال الجوية، إلا أن المراقبين اعتبروا أن السبب الحقيقي قد يتمثل في وجود تهديدات أمنية.

وتخمينات المراقبين لم تأت من فراغ، فعلى سبيل المثال وقع في إحدى هذه المرات واحد من أسوأ التفجيرات التي شهدتها المنطقة مما أودى بحياة ثمانية أشخاص قبل موعد إلقاء الرئيس نجاد لخطابه بساعات فقط. أما في يناير 2006 فقد شهد الإقليم انفجارا آخرا في أحد البنوك مما أدى إلى مقتل ستة أشخاص، اتهم فيه اثنان من العرب الأحواز. وقد تم إعدامهم في مارس من العام نفسه شنقًا أمام العامة، بالإضافة إلى سجن عدد آخر من سكان المحافظة.

ومن حيث الشكل والمضمون لا تختلف ممارسات نظام أحمدي نجاد عما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلية في فلسطين المحتلة أو القوات الأمريكية في العراق وافغانستان، هذا إذا لم تكن أسوأ.

وقضية اغتصاب الأحواز "عربستان" يفترض أن تكون قضية عربية داخل دائرة الاهتمام وعلى رأس مطالب الدبلوماسية العربية أو في أي اتصالات مع طهران، وهي وإن كانت قضية تمتد جذورها إلى عام 1925، إلا أنها قضية غائبة عن ساحة النظام الإقليمي العربي والشرق الأوسط برمته.

ويرى خبراء السياسية أن "الاحواز" باتت نقطة قوة في يد "نظام طهران" لتهديد المنطقة العربية.فطهران وبإحكامها القبضة على الإقليم بيد من فولاذ تنفذ سياسة الحديد والنار عليه، كما شجعها على تعميق احتلالها لجزر الامارات الثلاث "طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى".

وبات معروفا لدى الجميع أن أطماع طهران في المنطقة والحلم التاريخي بـ"بلاد الفرس"، على غرار الحكم العثماني في المنطقة العربية، هو ما يجعل هذا النظام يشكل تهديدا على المنطقة الشرقية في السعودية، وحمّل ايران على تسمية الخليج العربي بـ"الخليج الفارسي"، بالرغم انه عربي الضفتتين.

ويمثل المناخ السائد في العلاقات العربية الإيرانية، عاملاً اساسيا في غياب قضية عربستان عن دائرة الاهتمام العربي والدولي، خصوصاً وأن الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في الإقليم كانت ولا زالت مضطربة نتيجة لعوامل عدة أهمها التفاعلات الصراعية بين إيران والعراق، والتي بلغت ذروتها إبان حرب الثماني سنوات، والمقاومة المتواصلة التي يبديها شعب عربستان –الذي يعد أكبر الشعوب العربية في الخليج العربي بعد الشعبين العراقي والسعودي، حيث يزيد تعدادهُ على عشرة ملايين نسمة – في وجه السياسات الإيرانية الهادفة إلى طمس هويته الثقافية والقومية.

وساهم الجدل النووي بين ايران والمجتمع الدولي، على اسدال الستار على ما يجري في "الاحواز"، والاجراءات الايرانية القمعية مع عربها، وما تقوم به من اضطهاد للاقليات وتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، بهدف نسف اي ارتباط عربي للمنطقة.

وتشير تقارير إلى وجود قرار سري ينفذه الحرس الثوري بتحويل الأحواز قاعدة عسكرية ضخمة تطل من الشرق على دول الخليج العربية.

ومن جانبها، أعلنت طهران أن المنطقة الحدودية للاقليم مع الخليج العربي، هي منطقة عسكرية مخصصة للمناورات التي تجريها من حين إلى آخر، ويقول ناشطون من الإقليم إن السلطات تتخذ من هذه المناورات ذريعة لتنفيذ سياسة تطهير عرقي وتغيير التركيبة السكانية من خلال توطين ألوف السكان الفرس وإقامة المنشآت العسكرية والاستخباراتية.

وتتواصل سياسة التطهير العرقي، بمختلف الاساليب، وان آخر سياسات البطش التي ابتدعها نظام "آية الله"، منع الأسر العربية من إنجاب أكثر من طفلين، وهدد من يخالف هذه التعليمات بإجراءات قاسية، كما لا تتردد السلطات في تهجير سكان المنطقة الأصليين من العرب إلى مناطق أخرى في إيران، كما تلجأ إلى إشاعة الفتنة بين السكان الأصليين والوافدين الجدد لتبرر حضورها الأمني المكثف.

وعلى الرغم من ان "الاحواز" غنية بالموارد الطبيعية، وتمثل منطقة زراعية غنية بالمياه، بالاضافة الى انها منطقة نفطية، الا ان هذا لم يمثل "صك الغفران" لدى طهران للاهتمام بالمنطقة التي عمدت الى اتباع سياسات عنجهية ساهمت بتدميرها وتفكيكها لتكون بذلك الاقليم الأفقر في إيران. 

سياسة القت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية لعرب الأحواز فإزدادت تفاقما، رغم أن معظم النفط الإيراني ينبع من أراضيهم، فيما يحتل العرب الذين يمثلون 66% من سكان الإقليم 6.6% فقط من المقاعد في أكبر جامعة دراسية تضمها مدينتهم الأحواز العاصمة، كما أن محتوى التعليم فإن هناك نصوصا أدبية وفكرية تتنافى مع الحقائق التاريخية، وتزوير للتاريخ لتفسير الأحداث وتحقير التاريخ الأحوازى العربى بشكل خاص وإلحاق الإهانات المتواصلة بحق العرب.

ويضرب الناشطون الأحوازيون مثالا للتهميش السياسي بأن العرب، الذين يشكلون 66 % من سكان الإقليم، يشغلون 5 % من المناصب الرسمية العربية فى مدينة الأحواز.

ومنذ وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى السلطة في انتخابات 2005، وغداة سقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي عام 2003، صعدت طهران من عمليات الإبادة الجماعية والتهجير القسري والحرمان لأبسط الحقوق المدنية الواردة في المواثيق الدولية للشعب الأحوازي، في الوقت الذي يقدم فيه النظام الإيراني نفسه على أنه في طليعة الأنظمة المدافعة عن حقوق الشعوب والأقليات المضطهدة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.

وإذا كان نجاد يعترف بفلسطين دولة عربية اسلامية لن ترضخ للاحتلال الصهيوني الغاصب واعماله القمعية، فانه من الحري به أن يعترف بأن عرب الاحواز لا يقلون فخرا بعروبيتهم عن ابناء الشعب الفلسطيني، ومثلما لا يجب للفلسطينيين أن يستسلموا للاحتلال الإسرائيلي، حري بعرب الأحواز أيضا أن لا يستسلمون للطغيان الايراني والتسليم بالامر الواقع، بل انهم سيواصلون مسيرتهم التحررية مهما طال الزمن.

وكان إقليم الأحواز قد شهد العديد من الثورات والانتفاضات منذ اجتياحه من قبل الشاة رضا خان في إبريل 1925 ، والتي كان قاسمها المشترك هو الحفاظ على عروبة الهوية الأحوازية، حيث قام سكان الإقليم بـ 14 انتفاضة ضد النظام الإيراني، كان أولها عام 1928 استطاعوا من خلالها إقامة حكومة دامت ستة أشهر قبل إسقاطها من قبل القوات الإيرانية، بينما كان آخرها في إبريل 2005 ، إثر الإعلان عن رسالة نسبت لمحمد أبطحي مستشار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي – نفت صحتها السلطات الإيرانية، وأدانها أبطحي- تحدث فيها عن ضرورة الحد من النفوذ العربي في الإقليم، من خلال خطة لتعديل التركيبة السكانية فيه ونقل العرب إلى شمال إيران.

وتذكر الوقائع التاريخية أن قصة إلحاق الإقليم بإيران تمت في العشرين من نيسان عام 1925، عندما قامت إيران الشاه باحتلاله، بعد أن تم استدراج الشيخ خزعل الكعبي حاكم الإقليم إلى فخ نصب له من قبل قائد للجيش الإيراني من أجل إجراء مباحثات، إلا أن القائد قام باعتقال الشيخ خزعل وتم إيداعه سجون طهران مع مجموعة من مرافقيه حتى عام 1936 حيث تم اغتياله هناك.

وإذا كان الكيان الصهيوني احتل آخر الساحل العربي، فان ايران اغتصبت بداية هذا الساحل، وحرمت اهله من حقوقهم الطبيعية كما فعلت اسرائيل مع الوجود العربي على ارض فلسطين، فكان حريا بنجاد ان يدعو حكومته وبلاده بإعادة الحق لاصحابه في الاحواز بدلا من صرخات وتهديدات للجانب الاسرائيلي لم نشهد تنفيذها الا يومنا هذا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى