آراء ومقالات

الاحتلال الإيراني الفارسي للأحواز العربية

الأحواز أرض عربية محتلة، تقع غرب إيران، وتحاذي الخليج العربي، وتحتلها إيران منذ ما يقرب المائة عام. والحوز من الألفاظ الدارجة قديمًا، ولا تزال في العربية وبين أبناء الأحواز، فيقولون: هذا حوز فلان: أي في حيازته وملكه. وتصحفت بلغة فارس، وصارت أهواز، وجاراهم العرب منذ مئات السنين بالتسمية (أهواز)، فهذا جرير يقول: (سيروا بني العم فالأهواز منزلكم).

وورد في مقامات بديع الزمان الهمذاني: «كنت أجتاز في بعض بلاد الأهواز، وقصاراي لفظة شرود أصيدها، وكلمة بليغة أستزيدها»..إلخ. وبقي اسم الأحواز عربيًّا لهذه الأرض حتى عهد إسماعيل الصفوي وابنه (طهماسب)، أي العهد الصفوي، فأطلق الفرس عليها (عربستان)، ويعني ذلك إقليم العرب؛ لأن كلمة ستان تعني بالفارسية الأرض أو الإقليم.

وقد دخلها الإسلام في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، وحكمها أول حاكم عربي في تلك الفترة، هو القائد أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – عام 17هـ، وكانت تتبع الخلافات الإسلامية الراشدة، ثم الأموية، ثم العباسية حتى مجيء المغول، فأصبحت حالها حال بعض الأقاليم الإسلامية التي تتمتع بحكم ذاتي، وكانت مثار نزاع في بعض الأحايين في التبعية بين الفرس والعثمانيين، إلا أن الحكام العرب احتفظوا بها حتى قبيل الحكم البهلوي، وكانت المنطقة تحت سيادة إمارات ودول عربية، مثل: المشعشعين، بني أسد، الكعبيين، القواسم، مرازيق، آل علي، عبادلة، حمادلة، وغيرها من الإمارات العربية. وفي عام 1103هـ – 1690م قامت إمارة لقبيلة كعب البوناصر إلى جوار إمارة المشعشعين فحكمت مناطق واسعة من الأحواز حكمًا مستقلاً عن كل من الدولتين الفارسية والعثمانية. وقد دخلت هذه الإمارة في حروب عديدة مع الفرس والأتراك والبريطانيين دفاعًا عن سيادتها واستقلالها. وقد تمكن فرع من هذه الأسرة، ويدعى كعب البوكاسب، من أن يؤسس له إمارة في مدينة المحمرة، وتمكن آخر أمرائها الشيخ خزعل من إخضاع كامل الأحواز تحت سلطته بعد إسقاط إمارة المشعشعين التي استمرت قرابة خمسة قرون، قضتها في استقلال كامل.

وجاءت بوادر اكتشاف النفط المبكر في هذه الأرض لتكون وبالاً على أهلها بعد زيادة الاهتمام الدولي بها. وقد لا يعرف البعض أن بئر النفط الذي حُفر في مدينة مسجد سليمان في منطقة الأحواز عام 1908م هو أول آبار النفط في منطقة الشرق الأوسط.

لقد كان الشيخ خزعل الحليف الأبرز لبريطانيا التي منحته في 1910م لقب «سير»، وأوسمة عدة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى توطدت مكانة الشيخ «خزعل» نظرًا للموقع الاستراتيجي لإمارة المحمرة على الخليج العربي، ثم ما لبث أن أدارت بريطانيا ظهرها للرجل، وبدأت في التخلي عنه شيئًا فشيئًا؛ وذلك لتأثير الحرب العالمية الثانية على بريطانيا، وسعيها لكسب إيران، وضمان مساندتها لها؛ فقامت بريطانيا بإعطائها الإمارة، وجعلها في قبضة الدولة البهلوية الإيرانية عام 1925، وتم إقصاء أمير عربستان. وهي عادة بريطانيا في التخلي عن حلفائها، وما تقوم به حين (تعطي ما لا تملك لمن لا يستحق). وقد أعطت من قبل فلسطين لليهود، وسببت نزاعات عديدة في حدود الدول المستعمرة، وأتبعت ذلك باعتقاله على ظهر طراد بريطاني.

لقد عُرف أبناء الأحواز -ولا يزالون- بالشجاعة والبسالة، وهم مهابون حتى الآن من رجال الأمن. وكانت الأحواز من قبل عصية على الفرس. ومما تذكره كتب التاريخ الصمود والتصدي للفرس في مواقع عديدة، وهزيمتهم، وإحباطهم، بل ألجأتهم لإبرام اتفاقية سلام بين الطرفين، ولم يتسن لهم السيطرة على الأحواز إلا بمعونة الإنجليز.

في أعقاب الاحتلال الإيراني للأحواز، وعلى مدى خمسين عامًا، جرت محاولات ومناضلات ثورية لأبناء الأحواز، باءت بالفشل نتيجة دعم الغرب لشاه إيران، وتحالفهم معه. واستمر هذا النضال والمقاومة حتى دعم الأحوازيون الثورة الإيرانية عام 1979م ضد نظام الشاه، ونجحوا في تعطيل كامل الإنتاج النفطي، وإرباك الاقتصاد، وشل حركة البلاد. وكان الشيخ الخاقاني القائد الديني للأحواز في هذه الفترة على اتصال بالخميني قبل مجيئه إلى إيران. ورغم التنسيق والعلاقات الودية والتعاون بين أنصار الخميني والعرب الأحواز فإن تغيرًا لم يحدث على حياة الأحوازيين؛ فقد قلب لهم الخميني وأعوانه ظهر المجن، وكُرست العنصرية الفارسية والاستعمار الفارسي للأراضي العربية رغم وجود نسبة كبيرة من الشيعة العرب في أرض الأحواز؛ فإيران لا تعرف إلا الفرس والفارسية. ولم يشفع للأحوازيين شيعتهم ولا مساعدتهم في القضاء على الشاة، بل ازدادت قبضة الحكومة المركزية في طهران وطأة على الإقليم، وتعرَّض الأهالي للظلم والإرهاب المنظم الذي تمارسه سلطات الاحتلال والإرهاب، والتوسع فيما تعرف رسميًّا بدولة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستمرت في انتهاكاتها القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان العالمية، والقيام بانتهاكات جسيمة بحق الشعب. وكانت مجزرة المحمرة في الأربعاء الأسود تمهيدًا لسنوات المآسي التي تلتها من قمع واعتقالات ومطاردات واغتيالات في داخل الوطن المسلوب وخارجه، والسجون وإصدار أحكام الموت بحق المناضلين.

لقد وقع الاحتلال كما أشرت في عهد أب الشاه مؤسس دولة إيران الحالية رضا شاه، وهو من طرح خطة التغيير الديموغرافي للشعوب، وتذويبهم، وإجبارهم على لبس الملابس الفارسية، وخلع الحجاب من النساء، وهو مَن هجر القبائل العربية إلى العمق الفارسي، ثم توالى الحكم بعده ابنه آخر حكام البهلويين في إيران، وسار على نهج أبيه.

وقد استكملت ما تسمى الجمهورية الإسلامية مشروع الشاه بطريقة أسوأ وأعنف، فيما طرحت حكومة خاتمي مشروع تهجير الأهالي واستبدالهم بالفرس في ظل أوضاع وظروف صعبة، تسودها البطالة واليأس والحرمان المستمر عندما يبحث المواطن العربي الأحوازي عن لقمة عيشه؛ فيضطر في بعض الأحيان إلى تغيير كنيته، أو إضافة صفة فارسية إليها، أو إجباره على الهجرة؛ لأنه يعيش في ظروف لا إنسانية، على الرغم من أن نفط الأحواز هو قوة إيران الاقتصادية، وهو الأعلى إنتاجًا؛ إذ يصدر الإقليم قرابة 80 % من نفط إيران وغازها الطبيعي.

والعنصرية الفارسية تجاه المواطن الأحوازي تأتي ضمن برنامج مدروس ومنظم، وتمارَس بكل الوسائل المتاحة من قِبل سلطة الاحتلال في جميع مجالات الحياة اليومية؛ فيجد المواطن الأحوازي صعوبة في الحصول على فرص العمل، وحرمانه من أبسط حقوقه المدنية والشخصية، ومنعه من تسمية المواليد الجدد والتكلم بلغته الأم في المراحل المدرسية كافة، وارتداء لباسه العربي.

وتعمل السلطة على خلق أجواء عدائية تجاه أصحاب الأرض؛ إذ تعتبر المواطن الأحوازي أقل شأنًا من الفارسي، ويوضع في خانة المواطن من الدرجة الثانية. كما يأتي الوضع الاجتماعي الثقافي الاستعماري بأبشع صوره من خلال العمل على نشر الأمراض الاجتماعية الفكرية الثقافية بعد حرمان العربي من عاداته وتقاليده العربية الأصيلة، والعمل على تكريس الثقافة الفارسية بدلاً منها، وانعدام المؤسسات الاجتماعية الثقافية العربية المستقلة. وهناك جرائم دولية خطيرة في حق الشعب الأحوازي في ظل الحكم الاستعماري العنصري؛ فقد صارت الأحواز الأولى في تعاطي المخدرات؛ إذ يتم تسهيل وترويج أنواع المخدرات بين الشباب الأحوازيين بواسطة الحرس الثوري من أجل القضاء على قوة الشاب الأحوازي؛ إذ أصبح بيع المخدرات في الشارع الأحوازي أكثر وأرخص من المأكولات الغذائية. وهذه المعاملات تتم أمام أعين رجال الأمن والشرطة في الأحواز. وهذه لا توجد في المدن الفارسية. ولا أحد يشك في تورط الحرس الثوري في تهريب المخدرات للأحواز ولجميع دول العالم؛ فهي تجارة بالنسبة لهم، ووسيلة لإفساد شباب الأمة العربية والإسلامية. وما جرائم حزب الله (فرع هذا الحرس) ببعيدة، وما يقوم به من تصدير للمخدرات.

ومن وسائل السياسة العنصرية للمحتل تنفيذ مخطط مصادرة الأراضي الزراعية الواسعة دون أي وجه حق، وتجريفها تمهيدًا للمشروع المدمر للأرض والبيئة والإنسان، والعبث بالأنهار، وتحريف جريانها، وصرفها إلى المدن الفارسية، وحرمان الفلاح الأحوازي من أبسط حقوقه بالتزود بالماء، وسلب الأراضي، والحصار الأمني الخانق، والتمييز العنصري المقيت الذي يتعرض له الشعب الأحوازي بمدنه المحتلة، فضلاً عما يعانيه من تجويع وإفقار وتجهيل.. فهناك استنزاف خطير يطول ممتلكاتهم وثرواتهم.

لقد سبق أن طالب معالي عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية في المملكة العربية السعودية من منبر الأمم المتحدة الدولة الإيرانية باحترام حقوق الإنسان في جغرافية إيران السياسية، وفي الأحواز المحتلة خصوصًا، وذلك في موقف صريح من المملكة العربية السعودية، ودعمها للحق العربي في الأحواز المحتلة، وذلك في شهر فبراير عام 2019م. ومثل هذه المواقف سيكون لها الأثر الكبير على نضال الشعب الأحوازي العادل من أجل استرجاع الأحواز للحاضنة الخليجية والعربية إذا تكاتفت الجهود العربية في هذا السياق. وهذا حق عربي مغتصب، لا كما يراه البعض بأن هذا يعتبر الرد العربي الحازم على التدخلات الإيرانية في الدول العربية، وتجاوزات إيران وادعاءاتها المتكررة بإيرانية مملكة البحرين الشقيقة والجزر العربية المحتلة في الإمارات، واحتلال إيران وتدخلها في العراق وسوريا واليمن ولبنان والدول العربية الأخرى. وأتمنى أن تقوم الدول العربية بفتح ملفها في المؤسسات الدولية انتصارًا للحق، ودفاعًا عن أهل الأحواز.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى