آراء ومقالات

رحلة الألف میل!!!

دون الخوض فی المفاهیم العلمية الدقيقة والغوص فی امهات الکتب، وبعیدا عن العناوین العريضة والطويلة، فان الانتماء القبلی یعتبر خصوصية لاشعورية وموثرة وفاعلة فی کینونة و واقع ای فرد ولد وترعرع ونمی واشتد فی حضیرة المجتمع القبلي. وبناءا علی هذا فجمیع من ینتمی لتلک المجتمعات القبلية یبقی یحمل فی کینونته تلک الخصوصية، مما قد یتبلور عبرها سلوک الشخصية خاصة حین ینعدم الی جانبها تاثیر غیرها من الخصوصیات والانتمائات والتی تشکل من حیث المجموع التركيبة الماهوية للفرد.

فاینما تواجد عناصر الهوية، من انتماء ديني وفکري وحضاري وزخرت شخصیة الفرد بکواکب التطور والوعی والعلم، راح الانتماء القبلی یأفل نجمه منزویا فی اروقت وهوامش شخصیة الفرد، ضعیفا منحسرا. یلق آخر انفاس حیاته دون الموت. وعلی هذا فبعد القبلية فی ابن المجتمع القبلی یبقی واقعا مریرا، یعیش فی اعماق کل ابناء المجتمع، یمارس دورا لا شعوريا فی کنه و واقع کل المجتمعات القبلية.

وبناءا علی هذا: فالقبلية واقع وخصوصية نفسية قبل ان تکون خصوصية اجتماعية، ما ان قصرت حیلت الوعی والفکر، وانعدمت سبل التحضر والمدنية راحت تطفو الی السطح جامحة هیجاء، مقتحمة وناسفة لکل ما یتصف بالعقل والعدل والقیم الدينية والانسانية والمدنية. ومن هنا ينبغي التأکید کمایلی:

اولا: لا ينبغي التفکیر فی مواجهة هذا الواقع عبر سبل الاستئصال والاجتثاث، حیث انها تعتبر حالة مرضية متجذرة ومتداخلة تداخلا عضویا فی کیان شخصية الفرد والمجتمع. فالانعزال عنها ومواجهتها والتعامل معها بطريقة التنکیل والعزل (Ezolation) قد يؤدي لانفصال المعالج عن واقعه وطرده. ومن هنا لابد اخذ الحذر من ان انتهاج هذه الطريقة ربما ینتج مردود عکسی یشطر المجتمع علی نفسه ویهمش النخب الفکرية والمثقفة والاجتماعية، مما یفقدها آلیات التواصل المتواضعة التی یحرص بدوره علی عدم فقدانها کثیرا.

ثانیا: لن نختلف فی ان بعض الممارسات العنيفة والهمجية تعتبر انتهاکا صارخا لکل التقالید والقیم الانسانية والدينية الحمیدة. ویندى لها الجبین، بید ان ذلك السلوک اللاانساني واللاحضاري، یعد سلوکا مرضیا وشاذا. و لن یعبر دائما عن واقع هذا المجتمع. خاصة وان هناک دور ایجابی ملموس(وان کان متواضعا) لدور القبيلة، یمارس احیانا فی مجتمعنا. الدور الذی یتبلور فی مواقع ومواقف مهمة ودقيقة، مما ينبغي الوقوف عنده والاهتمام فیه.

ومن هنا لابد من التأكيد بان تلک الانتهاکات وان کانت موثرة وجارجة للضمیر العام، الا ان الانفعال ورد الفعل الاحساسی یمثل موقفا عابرا لا یعبر الا عن شعور انفعالی غیر مجدي. ینطوی فی الارهاصات الاجتماعية العامة دون ان يؤسس الی حراک تفاعلي مؤثر.

ثالثا: الدور الذي قامت وتقوم به الطليعة من نخب اجتماعية واعية ومثقفین ومفکرین ومهتمین بالشأن العام، فی ضل التهمیش وانعدام ادنی آلیات العمل النخبوي یعتبر دورا ایجابيا ومهما للغاية.(من هنا لابد ان نقف وقفة اجلال وتواضع منحنین امام تلک الجهود الجبارة والعزائم القوية والعقول النیرة والتی ترسم منارا یلوح فی هامته مستقبلا زاهرا، ویعبر عن همة راسخة واصرار علی مواصلة مسار النهضة نحو التغییر) لكن لا ينبغي اقحام هذه الشريحة فی مواجهة شرسة ومباشرة مع المجتمع، خاصة وان تلک النخب تحضی بدور تنظيري قیادي، ویتوقع منها ان لا تقوم الا بدور اصلاحی تصحيحي دون وضع نفسها مباشرة فی عراک المواجهة.کما انها لابد لها ان تأخذ کل امکانیاتها فی نظر الاعتبار، کی لا تجد نفسها خسرت حربا  ضروسا بسبب عدم تقییم واقعها من عدت وعده.

رابعا: المیزة التی یتحلی بها النخب علی غیرهم من عامة المجتمع، هی الرؤية التی تمتلكها النخبة.الا ان ذلک و ان کان شرطا لازما، فانه لم ولن یکن کافیا، بل تلک الرؤى والتوجهات لن تعد ناجعة الا فی ضل  اختیار منهج علمی دقیق یحملها من حقل الفکر الی دائرة الواقع التطبيقي. ولن يتأتى ذلک الا فی دراسة علمية معمقة وموضوعية منبعثة من روح المسؤولية، دون انفعال وارتباک، آخذة بنظر الاعتبار کل الواقع المریر. وعلی هذا فان تبني تجمعات ونصح وارشاد وغیرها من الفعالیات وان کان یعکس توجهات ایجابية ویعبر عن ضرورة ملّحة، الا انه یفتقد الموضوعية والعمل التأسيسي لتبني النهوض بالمجتمع. الا ان یکون هادفا لخلق ملتقی من خلاله تتضارب الرؤى والافکار وینبثق عبره عمل تأسيسي یتبناه النخب، وینظروا له من خلال رؤيتهم التشخيصية العلمية ومن ثم محاولة کشف العلاج المناسب والاکثر نجاعة. الامر الذی یستدعي تحدید الاهداف واستنهاض قدرات النخب الفکرية عبر مؤتمر تخصصي شامل يؤسس لقاعدة نهضوية، تعنی بحمل المجتمع وانتشاله والعبور به من مجتمع قبلي الی مجتمع مدني متحضر، ومن ثم اسهام غیرهم من النخب الاجتماعية والطليعة المتعطشة واقحام المؤسسات الاجتماعية الاخری. بما فیها القبيلة فی هذا المعترک العسیر، وقل اعملوا فسیری الله عملکم ورسوله والمؤمنون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى