آراء ومقالات

المبادرة العربية نقلة نوعية على طريق تفكيك سلطة الأسد

خطت الثورة السورية المباركة خطوة نوعية عندما أوصلت الجامعة العربية إلى مرحلة اتخاذ سلسلة قرارات ومبادرة تنزع عن نظام العصابات الأسدية أي غطاء عربي. هذه العصاب التي تعيث خراباً وفساداً بالديار الشامية. إن المبادرة العربية التي أقرها مجلس وزراء الخارجية العرب بالإجماع، بإستثناء وزير خارجية عصابات حزب الله اللبناني، والتي تطلب في أحد بنودها من بشار الأسد التخلي عن السلطة لصالح نائبه الأول فاروق الشرع أصبحت منجز سياسي هام يصب في مصلحة مسيرة الثورة السورية. هذه الخطوة العربية فتحت الطريق بشكل جدي إلى سلسلة إجراءات عربية ودولية تصل إلى عزل هذه العصابة المارقة وتساهم من جهة أخرى إلى تفكك بناء منظومة السلطة وأجهزتها الأمنية القمعية المتحكمة في مصير سوريا والسوريين. إن في طرح مشروع نقل السلطة وإعادة تشكيل الدولة السورية على أسس عصرية وديمقراطية أمام مجلس الأمن والمؤسسات الدولية يعتبر في كل المقاييس إنجاز كبير حققته ثورة الحرية والكرامة للشعب السوري العظيم.

من الواضح أن هذه الخطوة العربية النوعية أتت كنتيجة طبيعية ومنطقية لحالة الصمود الأسطوري للجماهير السورية الباسلة، حيث تتوسع وتتمدد ساحات الحراك الجماهيري في مدن وقرى سوريا الحبيبة. عشرة أشهر وعصابات الشبيحة وعصابات الأجهزة الأمنية المتعددة تحاول بكل شراسة وبكل جبروت الآلة العسكرية التي يمتلكها النظام البائس إخماد ثورة الجماهير السورية الباسلة. في كل يوم يسقط الشهداء والجرحى وفي كل يوم يدخل المئات من المواطنين السوريين سجون ومعتقلات النظام الأسدي المستبد دون جدوى وتستمر الثورة. وفي كل يوم تقصف المدن والقرى السورية الثائرة. وفي كل يوم منذ عشرة أشهر تجتاح عصابات الشبيحة وأجهزة الأمن القمعية وجيش السلطة مدن وبلدات سوريا الأبية، ولم تستطع هذه السلطة المارقة تركيع شعب حر أبي نشد تحقيق حريته وبناء وطنٍ جديد. لقد صمد الشعب الثائر وفشلت سلطة عصابات الأسد فشلاً ذريعا في إخماد ثورة الشعب السوري الباسل. ولم تستطع هذه السلطة من الحد من إنتشارالثورة في ربوع سورية الثائرة ولم تنجح عصابة الشبيحة والأجهزة القمعية بشئ غير الزيادة في سفك دماء السوريين العزل وإزدياد درجة إشمئزاز شعوب العالم من ممارسات هذه العصابات الدموية.

إن مبادرة الجامعة العربية الصادرة في 23. 01. 2012 ، ومهما قيل فيها من نواقص وإنتقادات مشروعة، فإنها في جوهرها إنتصار لمشروع الثورة السورية المنشود، وصفعة قاسية وجهت للنظام البائد وللقائمين عليه ستتفاعل تأثيراتها السياسية والجماهيرية في القريب العاجل. فالمبادرة التي تنص في بنودها على تنحي بشار الأسد وتسليم السلطات لنائبه الأول، وتشكيل حكومة مؤقتة محددة المهام في إنتخاب مؤسسات الدولة وقياداتها السياسية الجديد، وكتابة دستور جديد للبلاد ينهي مفعول دستور العصابة الساري منذ عام 1972 التي حكمت بموجبه البلاد والعباد لعقود طويلة، وينهي حقبة الغطرسة والنهب والإستبداد ويفتح الباب على مصراعيه لبناء وطن ودولة يكون فيها الناس أحراراً وآمنين على أرواحهم وأرزاقهم ومتساوون في المواطنة أمام القانون.

في طيات المبادرة العربية حسم الأمر من الناحية السياسية والأخلاقية، ولم يعد بعد ذلك مقبولاً عربياً ودولياً البقاء على شكل ومضمون الدولة والسلطة السياسية في سوريا كما كانت عليه بأي شكل من الأشكال. لقد لخصت المبادرة العربية حالة الإجماع السوري والعربي والدولي على إنهاء حقبة الأسد ومعه حقبة الإستبداد. هذا الإجماع قل نظيره عالمياً على كل المستويات.

من المؤكد أن تطبيق المبادرة العربية من الناحية العملية يحتاج إلى مزيدٍ من الوقت والجهد والتضحيات. ومن المؤكد أن قوى السلطة الأسدية ستعمل على تعطيل حركة الأشياء ووقف حرة التاريخ بكل ما تستطيع إجرام وكذب وخداع. ومن المؤكد أيضاً أن سلطة الملالي في طهران ستبذل كل الجهود لدعم ربيبها في دمشق في مسعاه البائس هذا، وسيحاول حكام إيران نفث سموم أحقادهم الدفينة على سوريا والشعب السوري الحر كلما سنحت لهم الفرصة. ومن المحتمل أن يحاول الرئيس ميدفيدف وبوتين وأنصارهما في القيادة السياسية الروسية لعب دور المعطل للمشروع العربي على المسرح الدولي. لكن صمود الشعب السوري وزخم الثورة الشعبية السورية سيفرض على كل القوى المحلية والخارجية الإنصياع لإرادة الشعب الثائر. وربما تقتنع قوى و أطراف محلية ودولية أخرى بأن مصالحها بالنهاية تكمن في دعم الشعب السوري والإبتعاد عن عصابات سلطة تخطاها الزمن ولم تعد قادرة على الإستمرار في الهيمنة على الشعب والدولة في سوريا.

فالثورة السورية ليست وحدها في الميدان أبداً. على الرغم من كل ما يقال ويشاع، تارة بوعي ومعرفة وتارة أخرى بسطحية وسذاجة بأن العالم يتآمر على الثورة السورية وعلى الشعب السوري، فإن الثورة السورية، ونظراً لقساوة عصابات السلطة ودمويتها من ناحية، ولبسالة وشجاعة ثوار سوريا من ناحية أخرى قد كسبت الرهان العربي والعالمي، وهي تتمتع بدعم وتعاطف جماهيري عربي وعالمي قل نظيره. ومع مرور الأيام تنحاز بشكل مضطرد دول وأحزاب وقوى سياسية جديدة إلى صف الثورة السورية، وتتراجع بشكل مستمر جبهة نظام عصابة الأسد وتتقلص أعدادها، ويتراجع بالتالي تأثيرها إلى الحدود الدنيا لتصل إلى نقطة التشرذم والإنهيار. فالزمن والأيام تسير من الناحية الإستراتيجية، بصرف النظر عن التفاصيل اليومية، تسير في وتصب في مصلحة الثورة وإنتصار الشعب السوري على عصابات البغي والأستبداد.

لقد بات عدد الدول التي تقف إلى جانب نظام عصابات الأسد على المستوى العربي والدولي لا تتعدى عدد أصابع اليد من مجموع دول العالم التي يبلغ تعدادها 194 دولة، وإن الأغلبية الساحقة من دول وشعوب العالم تقف في صف الشعب السوري الثائر وتتفهم طموحاته وأهداف ثورته وهي في حالة تناقص مستمر.

إن الإكثار من ندب الحظ والترويج الخاطئ لبعض المقولات، بأننا لوحدنا وأن العالم يتآمر على ثورتنا، هو في محصلته النهائية سلبي وغير مجدي. فهذا الإعتقاد هو خطأ فادح من الناحية الموضوعية. وهو خطأ فادح من الناحية التكتيكية. فالثورة السورية ليست وحدها في الصراع، والشعب السوري ليس وحده بأي شكل من الأشكال في هذه المواجهة المفتوحة. فالقضية السورية أصبحت عالمية الأبعاد وتتصارع فيها وحولها قوى ومصالح محلية وإقليمية ودولية عدة.

إن الترويج لمقولات، يا وحدنا وأن العالم يتآمر علينا السلبية، بالإضافة إلى أنها غير صحيحة وغير واقعية، تشيع أيضاً أجواء من الإحباط في نفوس الناس، ولا تشجع على تعبئة الناس والإنظمام إلى صفوف الثورة. إن زرع حالة اليأس وإشاعة حالة الإحباط  هي من المهام الأساسية للعدو واجهزته المختلفة، الأمنية والإعلامية، فلا يجوز لأبناء الثورة ، وبحسن نية، القوع بهذا الفخ! إنها تخدم أهداف العدو ويجب التخلص منها والتوقف عن إشاعتها .

من المؤكد من أجل كسب المعركة على الجبهة الدبلماسية أن تقوم الهيئات السياسية التي تقود العمل الوطني السوري الراهن، أقصد المجلس الوطني مثلاً، على حشد كل القوى وتوفير كل عوامل كسب المعركة الدبلماسية، حيث نجحت الجامعة العربية في هذ المشروع في خلقت شروط وأجواء سياسية مناسبة للمجلس الوطني السوري وأفرزت شروط جيدة لكسب المعركة الدبلماسية لصالح الثورة السورية والشعب السوري. فبنود المبادرة العربية تساهم مساهمة كبيرة في محاصرة عصابات الأسد عربياً ودولياً، وتضعف موقف أنصاره داخلياً وعربياً ودوليا. حتى وإن كان البعض منا يعتبرهذه المبادرة غير كافية وغير قابلة للتحقيق، وليست هي برنامج الثورة السورية المنشود، فهي على الأقل أداة وورقة رابحة بيد الثورة وجماهيرها تساهم في تعظيم أوراق الحراك الجماهيري وتضعف سلطة الأسد جماهيراً وسياسياً وإعلامياً ودبلماسياً. فهي ساحة من ساحات الصراع فتحتها الجامعة العربية، فهي نقلة نوعية على طريق تفكيك سلطة عصابات الأسد لا بد من التعامل معها وتجيير مضمونها السياسي لصالح مشروع الثورة في الحرية والتغيير وبناء مستقبل سوريا ومستقبل الأجيال القادمة. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى