عراقة مدن الأحواز

مدينة «السوس» عاصمة الأحواز في العهود الأكادية، العيلامية، السومرية، البابلية والأشورية على التوالي، وأسسها العيلاميون نسبة إلى عيلام بن سام بن نوح عليه السلام وفقا لسيرة الكلدان. وسميت «بسوسيانا» أي بلاد الشرق في اللغة العيلامية، وعثرت التنقيبات الفرنسية على مسلة حمورابي في السوس العريقة التي يعود تأريخها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ومن آثارها قلعة العيلاميين ومقام النبي دانيال، وقال عنها ابن المقفع: «أول سور وضع بعد الطوفان سور السوس».
واتخذت دولة المشعشعين (1436-1762) من مدينة «الحويزة» عاصمة لها عام 1441م، وبعد أن انتزعت موافقة «أسبان» ملك دولة الخروف الأسود (قرة قوينلو) في بغداد على استقلال الأحواز والبصرة وواسط، فرض محمد بن فلاح حاكم الدولة المشعشعية، السيادة العربية على الأحواز.
وشيّدت مدينة «المحَمّرَة» عام 1812 على يد حاكم الدولة الكعبية (1972-1925)، يوسف بن مِرْداوْ، وكانت المحمّرة عاصمة الدولة الكعبية (إمارة عربستان) وبحكم موقعها الجغرافي المميز بين مصب نهر كارون وشط العرب، سيطرت المحمّرة على الملاحة في كلا النهرين ردحاً من الزمن.
وتقع مدينة «الأحواز» على ضفتي نهر كارون وهي عاصمة دولة الأحواز العربية، وتعد المدينة الأكبر حالياً، أما مدينة عَبّادان، فتشكل الميناء الرئيسي لتصدير النفط الأحوازي وفيها أول وأكبر مصفاة نفط في الشرق الأوسط. ومن بين المدن الأحوازية الأخرى نذكر «تستر» وهي غوطة الأحواز والفلاحيّة ومسجد سليمان التي تم أول تدفق للنفط فيها عام 1908، الصالحية، التميمية، الأحجار السبعة، البسيتين، الخفاجية، الحميدية، رامِز، مَعْشور، الكورة، العميديّة، الخلفية، الخزعلية، الدُبيْس، عسكر مكرم، قلعة الشيخ، دَزْفول، المناذر، حصن مهدي، ومدينة قيان التي اشتهرت بمدارسها ومساجدها
الأهمية الاستراتيجية لمياه الأحواز
عدا العراق، تعتبر الأحواز هي الأغنى من بين الدول العربية من حيث وفرة المياه العذبة وتشعّب الأنهار فيها، ممّا أسهم ذلك في جعل الأحواز غنية بالموارد الفلاحية وتربية الماشية منذ أقدم العصور. وساهمت هذه الأنهار بانتعاش أعمال التجارة والنقل والازدهار والرخاء، الأمر الذي أدّى بدوره إلى زيادة مطامع القوى الأجنبية بالأحواز، وتأتي إيران في مقدمتها.
ويعد كارون من أكبر الأنهار الأحوازية، ويبلغ طوله 890 كيلومترا، ويضاهي نهري دجلة والفرات في العراق من حيث الطول والأهمية ووفرة المياه، وسُمّي بدُجَيْل الأحواز تمييزاً له عن نهر دجلة في العراق، وهو النهر الوحيد القابل للملاحة في الأحواز. إلا أن الدولة الايرانية قد شيّدت عدّة سدود على مصباته الواقعة في جبال زاجروس، وجرّت مياهه إلى المناطق الفارسية، وأشبعته بالسموم والنفايات الناجمة عن المفاعل النووي بدور خوين وآخر بـ”أبوشهر” والمصانع البتروكيمياوية ومشروع قصب السكر الإيراني الاستيطاني في الأحواز.
إضافة إلى كارون، نجد نهر الكَرْخة والجَرّاحي والدِز وشاوور وجوبال والهِندِيان وغيرها من الأنهار، كُلها تساهم في ثراء بيئة الأحواز وتنوع النباتات وخصوبة أراضيها وأهميّة موقعها. ولكن تشييد نحو 38 سدا على مصباتها ونقل مياهها إلى فارس ساهم في جفاف العديد منها واندثار غيرها. ولم تكتف إيران بنهب نفط الأحواز الذي يشكل 87% من إجمالي صادرات إيران النفطية، وكذلك الغاز السائل البالغة نسبته 90% من صادرات الغاز الايرانية، فالتفت حول مياهها العذبة لتسجل على نفسها جريمة أخرى تندرج ضمن التجاوزات والاعتداءات المادية المباشرة على الأحواز أرضاً وشعباً، والغاية منها هي الإفقار الاقتصادي الممنهج ضد الأحوازيين وتدمير البيئة الأحوازية.
اتساع الأحواز وتنوع الحدود
تبلغ مساحة الأحواز التاريخية 348 ألف كيلومتر مربع، أي أكثر من مساحة أي من بلاد الشام المتمثلة بسورية والأردن وفلسطين ولبنان، ونصّت على هذه الحدود العديد من الكتب الفارسية، ويؤكدها بعض الجغرافيين الذين تناولوا حدود الأحواز بدقة من أمثال المقدسي وابن الخراذبة والمستوفي والاصطخري وابن حوقل.
وتحد الأحواز من الشمال والشرق سلسلة جبال زاجروس الشاهقة تفصل بينها وبين فارس، ومن الجنوب الخليج العربي ومن الغرب جمهورية العراق. وتمتد الأحواز على طول الساحل الشرقي والشمالي للخليج العربي، من شمالي شط العرب شمالاً إلى مضيق باب السلام جنوباً على امتداد 850 كلم، وعرض 150 كلم، ممّا يؤكد أن ليس لإيران أي ساحل مطل على الخليج العربي، ولم يتحقق الحلم الفارسي بالوصول إليه إلا بعد احتلالها الأحواز عام 1925.
وإذا تباينت الأرقام المتعلقة بمساحة الأحواز فالسبب في ذلك يعود كون الدولة الايرانية قد استقطعت أجزاء كبيرة من الأحواز وألحقتها بالأقاليم الفارسية ما وراء الجبال، كفارس ولرستان وأصفهان وكرمانشاه.
ولم يسبق الوجود العربي أي وجود إنساني في الأحواز، ومثلما يسجّل التاريخ أن الوجود العربي يمتد إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد حين قدم العرب من اليمن وشبه الجزيرة العربية منذ بداية ظهور الأحواز، يؤكد التاريخ أيضاً أن الخليج العربي بساحليه الشرقي والغربي، كان مجالاً حيوياً للقبائل العربية قبل الإسلام، وبقي الطابع الاجتماعي هناك عربياً على مَرّ العصور والقرون.