لقاء مع الوفد الوطني الأحوازي في المنامة حول القضية الوطنية الأحوازية

لقاء مع الوفد الوطني الأحوازي في المنامة حول القضية الوطنية الأحوازية
تنشره صحيفة عرب اليوم (الأردنية) بعنوان :
عربستان . . . قضية عربية منسية عمداً !!
اللقاء أدناه هو لقاء أجراه الصحفي السيد فتحي خطاب، وهو إعلامي مصري وكاتب معروف في صحيفة عرب اليوم (الأردنية)، وكان قد شارك في المؤتمر الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة بتاريخ 21 ـ 23 مارس العام 2012 الذي أقامته جمعية الوسط العربي ـ الإسلامي البحرينية، إذ شاركت فيه القوى العربية القومية من أغلب الساحات العربية، وكان للوفد العربي الأحوازي المشارك عن فصائل المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز (حزم) حضورٌ هامٌ في هذا المؤتمر، الذي تم القاء الأضواء فيه بشكل شاخص على القضية العربية الأحوازية المنسية عمداً .
وعلى هامش أعمال المؤتمر الهام هذا، الذي كان عنوانه: (عروبة وأمن الخليج العربي) أجرى السيد فتحي خطاب هذا اللقاء الصحفي مع الوفد الأحوازي، الذي نضعه بين أيدي قراءنا الكرام … فإليكم تفاصيل اللقاء النوعي الذي تفرّدت صحيفة عرب اليوم الأردنية مشكورة بنشره كاملاً ….
(عربستان) .. قضية عربية منسية عمدا !!
فتحي خطاب- مصر
( من المفارقات التاريخية أن يتوجه الحاج أمين الحسيني مفتي القدس, وإستجابة لنصيحة عدد من رموز القوى السياسية والوطنية العربية في خريف عام 1924 إلى حاكم إمارة عربستان على الضفة الشرقية للخليج العربي الشيخ "خزعل الكعبي" طلبا للدعم المادي والمعنوي لنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة ما يجرى تنفيذه على الأرض من غزو طوفان المهاجرين اليهود تمهيدا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين,عقب إعلان وعد بلفور, ثم سقوط القدس تحت الاحتلال البريطاني ودخول القوات البريطانية بقيادة "أدموند اللنبي", وقيام عصبة الأمم في 24/7/1922 بفرض الانتداب البريطاني على فلسطين !! وفي مدينة المحمرة – عاصمة عربستان – يتكفل الأمير العربي"خزعل الكعبي" بمطالب مفتي القدس, ومساندة الحركة الوطنية الفلسطينية في رفض الانتداب البريطاني وإلغاء وعد بلفور واستقلال فلسطين .. وبعد أقل من عام من عودة مفتي القدس, وموجات الهجرة تتدفق على ربوع وطنه, ومستعمراتها الاستيطانية تقوم وتتوسع كل يوم, كانت إمارة "عربستان" العربية تسقط بدورها تحت الاحتلال الفارسي 1925 .
-(وتصدرت القضية الفلسطينية, هموم الوطن العربي , وتراجعت قضية عربستان إلى هامش النسيان , وأصبحت قضية عربية منسية عمدا , وبعد أن أدرجت في عام 1964 على جدول أعمال القمة العربية بالقاهرة , وصدرت قرارات تساند حقوق الإمارة العربية "عربستان"مساندة كاملة , وقررت القمة التوعية بقضية عربستان في المناهج الدراسية العربية,وبرامج الإعلام العربي , ثم تدخلت المصالح والأهداف السياسية , وحركة توازنات القوى في الإقليم – لصالح إيران بالطبع – وأسدل الستار العربي تقريبا على قضية احتلال دولة عربية !! وفيما أظن – وأعتقد أن تصوري صحيح – أن غالبية الشعوب العربية لا تعرف شيئا عن تاريخ وجغرافية الإمارة العربية المحتلة , قبل وبعد تحالف شاه إيران "رضا خان بهلوي" مع الاحتلال البريطاني , واختطف الإنجليز الأمير خزعل وأرسل إلى إيران ويتم إعدامه, ثم شنت إيران في 20/4/1925 حملة عسكرية على إمارة عربستان, انتهت باحتلال وطن عربي يحمل اسما تاريخيا "الأحواز"..وكان البريطانيون قد سبق لهم أن دعموا شاه إيران بفتوى تسمح له باحتلال الأحواز ,حينما أفتى 18 عالما شيعيا صفويا من ذوي الأصول الفارسية ممن كانوا يقيمون في النجف وكربلاء, ومن بينهم المرجع الشيعي ميرزا النائيني والمرجع الشيعي الصفوي أبو الحسن الأصفهاني, بضرورة الخروج عن طاعة الأمير خزعل الكعبي حاكم إمارة عربستان ,فهو " كافر " ولا يجب على الشعب العربي الأحوازي المسلم الشيعي أن يخرج مع خزعل الكافر ضد الشاه رضا خان بهلوي " المسلم " , وجاءت الفتوى مقدمة لشرعنه الاحتلال الفارسي لدولة عربية قوية !!
-( والشاهد تاريخيا .. أن السياسة البريطانية قد لعبت دورا محوريا في احتلال واغتصاب "فلسطين" في قلب الوطن العربي, و"الأحواز" على البوابة الشرقية للوطن العربي, وبامتداد الخليج العربي , ومن بندر عباس شرقا إلى المحمرة غربا , وبمحاذاة مدينة البصرة العراقية , وفي مشهد من أغرب مشاهد التاريخ العربي , يكفي في حد ذاته لشرح وتصوير الطريقة التي كانت تتقرر بها مصائر العرب !!ومن المصادفات التاريخية أيضا أن ترتبط قضية احتلال واغتصاب أراض عربية (فلسطين ,والأحواز) بنفس المزاعم والادعاءات تقريبا التي تستند إلى مواريث من الماضي لإيقاظ"وعي اليهود" و "وعي الفرس" وقد التقيا في زمن الاتفاق على تقسيم إرث الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى !!وأن تبدأ وتتصل وتتداعى فصول القصة من أولها وإلى العقد المستحكمة فيها, وحتى النهايات المقدرة لها , في سياق متشابه : ومن إختلاط الديانات مع السياسات .. وصدام الحقوق مع الأسلحة ..وصراع الماضي مع مطامع ومقاصد وأحلام الهيمنة !!
-( * وإذا كانت المسألة اليهودية والأحلام الصهيونية قد ظهرت على مسرح الأحداث في الثلث الأول للقرن التاسع عشر , بأوهام العودة إلى أرض الميعاد , وبدعم الفكر الإستراتيجي الأوروبي – النافذ وقتها – بقيام الدولة الحاجز , العازلة , وأن ينقطع العالم العربي إلى نصفين .. فإن " الفرس " أيضا قد ظهروا على مسرح الأحداث في " الأحواز" كقوة أجنبية لا تربطها بالإقليم العربي أية صلة ,سواء من الناحية الجغرافية – وتفصلها عن إيران سلسلة جبال زاجروس من الشمال – أومن الناحية التاريخية أو الحضارية أو الاجتماعية , ولكن لعبت المطامع دورها في أرض الأحواز التي تشكل ممرا تجاريا استراتيجيا يربط بين الوطن العربي من جهة , وبين آسيا الصغرى من الجهة الأخرى , وتميزت بازدهار التجارة , وخصوبة الأراضي , وتشعب الأنهار فيها – خمسة أنهار كبرى , وتفرعاتها من الروافد النهرية الصغيرة – وهي أول دولة عربية ظهر داخل أراضيها النفط وبكميات كبيرة منذ عام 1908 باكتشاف حقل مسجد سليمان , وتضم حاليا أكثر من 85 % من ثروات الناتج القومي لإيران , وعلى سبيل المثال نجد أن 95 % من البترول و90 % من الغاز و40 % من الحبوب , ومن مجمل الناتج الإيراني , داخل أراضي الإقليم العربي الأحوازي ..
-( وإذا كان الإيرانيون يجادلون في أحقيتهم التاريخية في أرض الأحواز بمقولة : إن حكام فارس قد احتلوا هذه المنطقة لفترة من الزمن , فإن سكان عربستان يردون عليهم بأن اليونان والرومان والعرب حكموا فارس ثلاثة عشر قرنا , وقد استمرت السيطرة العربية على بلاد فارس آمادا طويلة , فهل ادعى أحد عروبتها ?! والمطامع لا تستند إلى ماض من سنوات الاحتلال, ولكن حقيقة المقاصد والأهداف كشفت عنها مذكرات الشاه رضا خان بهلوي بقوله : " لقد فكرت كثيرا قبل إقدامي على اقتحام أكبر معقل يفصل بين فارس والعراق , فوجدت أنه من الضروري القضاء على أمير عربستان .."والقصد بالطبع بوابة الدول العربية من جهة الشرق !! وحتى شاه إيران الأخير "محمد رضا بهلوي " كان له رأي لا يخفيه في العرب , وهو يشعر بعقدة استعلاء غريبة تصور له أنه وريث إيوان كسرى , أمام قبائل من البدو الرحل , يعرفون فقط التعامل مع قطعان الغنم!!
-( أما أحكام وثوابت التاريخ فهي تسجل عروبة الأحواز , ومنذ سنوات ما قبل الفتوحات الإسلامية , حين نزحت إلى منطقة الأحواز قبائل عربية أخرى آتية من قلب الجزيرة العربية , منها قبائل مالك , وكليب , واستقرت هناك , وعندما قامت الجيوش العربية الإسلامية بفتح هذه المنطقة أسهم السكان العرب معها في القضاء على الهرمزان في سنة17 هجرية , وطوال عهد الخلافة الأموية ثم العباسية , وصولا إلى الحكم العثماني ,كانت " الأحواز " جزءا لا يتجزأ من الأراضي التابعة للخلافة, واستمر الأمر كذلك حتى 1925 ويقول المؤرخ الإنجليزي " لونفريك " في كتابه" أربعة قرون من تاريخ العراق " في أراضي عربستان الزراعية المنبسطة تستقر قبائل عربية تمتلك الأرض, وتسيطر على طرق المنطقة, وتفرض الضرائب على الطرق النهرية دون معارضة من أحد, وأكثر من مرة حاول الإنجليز بالتعاون مع الفرس احتلال الأحواز دون جدوى !! وعندما تحركت بريطانيا لإقامة معمل لتكرير البترول في عبادان, وهي جزء من أرض عربستان, انتدبت السير" برسي كاكس " ليتفاوض نيابة عنها مع أمير عربستان باعتباره الحاكم العربي الأعلى في المنطقة, لعقد اتفاقية بشأن السماح باستخدام خط أنابيب البترول للمرور عبر أراضي إمارته متجها إلى مصفاة عبادان , وكان يتسلم وفق هذا الاتفاق إيجارا سنويا قيمته 650 جنيها .. ولم تكن أهمية الإقليم الأحوازي في الثروات المعدنية أو البترول المحبوس تحت شواطئه , أو بسط السيطرة على طرق التجارة إلى الشرق , ولكن أيضا للموقع الجغرافي الهام على امتداد الشاطئ الشرقي للخليج العربي, الذي يتميز بعمق مياهه , مما يسهل إقامة العديد من الموانئ الطبيعية , في حين أن مياه الخليج من جهة سواحل دول الخليج العربية ضحلة ,مما يجبر الحكومات الخليجية على إقامة موانئ صناعية ..
-( وتبقى هناك مفارقة أكثر منها مصادفة , فقد أطلق الفرس على المنطقة الأحوازية المحتلة تسمية "عربستان ", وهو اعتراف ضمني بعروبتها واستقلالها , ورغم إصرارهم في الوقت نفسه على تسمية الخليج العربي بالفارسي وحتى بعد الثورة الإسلامية في إيران 1979 ومما يعكس بعدا قوميا متطرفا يرفض الحلول الوسط والتوفيق, وقد اقترح العرب تسمية هذا المسطح المائي باسم " الخليج " فقط دون توصيف, ولكن إيران رفضت, كما اقترحوا تسميته الخليج الإسلامي باعتبار أن دول الضفتين هي دول إسلامية, رفضت إيران , واقترح العرب " الخليج العربي الفارسي" فرفضت إيران أيضا, ومعنى هذا أن مفهوم الهيمنة هو من المفاهيم المسيطرة على الشخصية الإيرانية, سواء في طابعها القومي التقليدي أو الليبرالي أو الإسلامي .. فالإسلام القادم من إيران يرتدي عباءة فارسية متأثرة بالمواريث الحضارية لأمة تعيش في جو حصار بين شبه القارة الهندية , وشبه الجزيرة العربية !!وإيران تدرك تماما أن شعب الأحواز العربي يمتد على طول ضفة الخليج العربي الشرقية, ومن أول مداخلها على شط العرب, إلى مضيق هرمز, ومما ينفي تماما اسمه الفارسي إذا حصلت دولة الأحواز العربية على استقلالها, فضلا عن العمق الاستراتيجي الذي يعد خط الدفاع العربي الأول في مواجهة المخططات الإيرانية التوسعية نحو دول الخليج, والتي بدأت باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى, وطنب الصغرى, وأبو موسى, ورفض الاحتكام إلى أي جهة قانونية مستقلة كمحكمة العدل الدولية أو أي طرف ثالث ,والمطالبة بالبحرين كمحافظة إيرانية 1971 ثم تكررت تلك المزاعم على متن تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين !!
-( * وهواجس البعد القومي للقطر العربي الأحوازي , وأهميته الاستراتيجية للمنطقة العربية , دفعت الإيرانيين إلى حرمان الشعب الأحوازي من تسجيل المواليد من الذكور والإناث بأسماء عربية !! وتحريم ارتداء الأزياء العربية التقليدية ( الكوفية والعقال ) وإلغاء دراسة اللغة العربية في المناهج المدرسية رغم أن اللغة العربية هي لسان حال الشعب الأحوازي من الشيعة العرب والسنة والصابئة – أكثر من 10 ملايين نسمة – على امتداد 24 مدينة و3 آلاف قرية داخل مساحة تصل إلى 324 ألف كيلو متر مربع ..
-( وإذا كانت المصائر قد تقررت داخل فلسطين والأحواز, في زمن رسم الخرائط الجديدة في المنطقة, بما فيها خرائط الاستقلال, وخرائط التقسيم, وخرائط الانتداب, وخرائط الحماية , ثم جرت الوقائع ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت عليه, فإن ممارسات الاحتلال داخل الجغرافيتين العربيتين كانت ولاتزال متطابقة تماما, من سياسات العقاب الجماعي, والتهجدير القسري (تم تهجير أربعة ملايين عربي أحوازي إلى العمق الإيراني منذ عام 1925) وبين سياسات " التهويد " و" التفريس" وتمدد المستوطنات والمشاريع الاستيطانية , وسلب الأراضي تحت مسميات اقتصادية, وسلب المياه الجوفية في فلسطين , ومياه الأنهار في الأحواز, وحتى عدد المعتقلين متقارب – 12 ألف معتقل داخل سجون كل من إسرائيل وإيران !! – وبعد الإطاحة بنظام حكم البهلويين عام 1979 تصور الشعب العربي الأحوازي أن شعارات الجمهورية الإسلامية الجديدة يمكن تطبيقها على الأرض, وبالتالي فإن التعامل مع قضيتهم سوف يفتح الأبواب للحوار حول تقرير مصيرهم .. ولكن الطموحات الإيرانية السياسية لا تتغير, والمطامع الإيرانية لا تحدها العمامة الإسلامية, وهناك مواريث في أعماق النفوس لا تستطيع إلغاءها !! وجاءت ممارسات إيران الإسلامية أكثر تعسفا في الرغبة في تغيير وجه الإقليم العربي الأحوازي,وصدرت وثيقة "أبطحي" رئيس مكتب رئاسة الجمهورية في عهد محمد خاتمي, بترحيل مليون ونصف المليون من عرب الأحواز إلى داخل إيران بهدف التغيير الديمغرافي للمنطقة الأحوازية, وحين انتفض الأحوازيون وقعت مذبحة "المحمرة" 15/4/2005 والمقاومة الشعبية لاتزال مفتوحة ..
-( وإذا كان الشعب الأحوازي العربي وإقليمه, خضع للسيادة العربية منذ آلاف السنين,فإن عنصر القانون والشرعية الدولية في أي قضية, ليس هو ضابط إيقاعها, وإنما ضابط الإيقاع حقائق القوة, وتوازنات المصالح السياسية والاستراتيجية, وفي المقابل فإن أكبر مشاكل العالم العربي أن النظرة الجزئية تشغل كل تفكيره, وهناك غياب للرؤية الشاملة, ومصادر القرار العربي المؤثرة, كلها متهالكة, ولذلك بقيت "عربستان"قضية عربية منسية عمدا!! .
05 – 05 – 2012