إيران وأمريكا.. والقرار الأخير!

التناقضات التي تجري على مسرح الأحداث العراقية وتتابعها في الأقطار العربية لم تأتي من فراغ، وإنما نتيجة طبيعية لمجموعة المخططات التي رسمها الغرب برعاية الولايات المتحدة الأمريكية لحاضر ومستقبل المنطقة، وأرادوا من خلالها كسر شوكة أمتنا وقهرها وإذلالها؛ فغزو العراق عام 2003 لم يكن وليد ساعته ولم يكن سلوكا أهوج طائشا لبوش الابن أراد من خلاله تصفية حسابات لعداوات شخصية أو نزاعات عشائرية على إرث لثروات كانت لعائلة بوش في العراق!! ولم تكن نصرة للشعب العراقي من ظلم حقيقي أحاق بهم على يد دكتاتور جلاد، كما زعموا، بل هو فعل إجرامي همجي قذر مدروس استهدف النظام الوطني العراقي لأنه أكثر من يشكل عائقا حقيقيا لكل مشاريع ابتلاع أمتنا وإنهاء وجودها..
ولا يقف هذا الموضوع عند حد الصراعات الدولية بين أقطاب الأرض الأقوياء لوضع اليد الغربية على الثروات الطبيعية الهائلة التي تكتنزها المنطقة، كما يظن البعض رغم الأهمية القصوى لها، فلا يشكل النفط أو الغاز أو الكبريت أو الفوسفات أو اليورانيوم أو حتى الأيدي العاملة الرخيصة شيئا ذا قيمة، بل يذهب الموضوع إلى أبعد من ذلك بكثير تفسره نظرة التعالي الغربية الفوقية إلى العرب والمسلمين التي يتم من خلالها التعاطي مع تسلسل الأحداث الدائرة في المنطقة منذ أمد بعيد، فما تنفك امتنا لتتحرر من غزو حتى تدخل في صراع جديد من نوع آخر مع محتل وغاز آخر بأسلوب مغاير وتبريرات مختلفة وبأياد جديدة، لكن يبقى الهدف واحدا.
حين حطمت صخرة الصمود العراقي أحلام الفرس في نشر نفوذهم والسيطرة على بلادنا تلبية لمصالح تحالفهم مع الغرب خلال عدوانهم في عقد الثمانينات من القرن الماضي انكفأت مؤقتا ولم تتوقف، بل ارتدت ثوبا جديدا لتدور الأحداث بالشكل المعروف بعد عام 1990 حتى يومنا هذا، فما عجزت عن تحقيقه إيران طيلة أكثر من ثماني سنوات حققته لها الولايات المتحدة الأمريكية، لنعود إلى نفس النتيجة التي كانت ستحصل وهي السيطرة الفارسية على بلادنا!! الأمر الذي يفسر كيف سلمت أمريكا العراق على طبق من ذهب إلى إيران، ويلقم بحجر قذر فم من يقول غير ذلك، ولنا في ما يجري الآن دليل على صحة هذا الكلام.
وإذا تجاوزنا تصريحات ملالي قم وطهران في دورهم المهم في مسار نتائج العدوان على العراق فالكل أصبح موقنا بأن من يدير الأوضاع الآن في العراق هم عملاء مزدوجو الولاء لإيران وللولايات المتحدة الأمريكية بامتياز، ولن نبقى نجلد حالنا ونلوم أشقاءنا العرب على صمتهم إزاء ذلك العدوان وما جرى فيه من عمليات قتل وتهجير ومطاردات منظمة لمختلف الأسباب انتقلت بشكل ممنهج إلى باقي أقطار المنطقة وطالتهم في عقر دارهم؛ فلهيب نار العدوان لم يحرق بغداد ويقف عندها ولم يطل المواطن العربي العراقي لأي طائفة أو مذهب كان ويستثني المواطن العربي في قطر آخر، بل انتقلت لتسري في هشيم العرب تباعا من الخليج العربي حتى المحيط.
للمرة الألف تتصاعد حملة التهديدات وتتعالى الأصوات المنكرة بالتبريرات الفارغة ليسخروا بأنفسهم من ديمقراطيته التي يدعون تطبيقها بعد الغزو، وتتأكد سطوة اليد الإيرانية وقوتها على كامل الحكومة العميلة فيهرع جميع المشتركين في العمالة من قريب أو بعيد ليقدموا ضماناتهم إلى إيران، ويستعطفوها في مباركة الولي الفقيه علي خامنئي لخطوتهم المقبلة لسحب الثقة غير الموجودة بينهم، إن حصلت، ولكي تكون مرة أخرى الفيصل بين الإخوة "في العملة" الخصماء، ولتفض بينهم نزاعاتهم وليس فيهم رجل رشيد، بينما يستعد جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي أشد أعداء الشعب العراقي ليشد رحاله إلى بغداد وينطق بالكلمة الأخيرة، ليس في ما يجري في كل المشاهد العربية من صراعات الآن على مصلحة المواطن العربي، فهذا أمر لا يخطر على بال أحد وهو مستبعد جدا وهو "أي المواطن العربي" ليس طرفا فيه، وإنما هو الوسيلة التي تستخدم لتبرير هذه الصراعات والضحية التي تنتج عنها ولا يوجد خلاف حقيقي بين عملاء الاحتلال في العراق أو العملاء الجدد في كل الأقطار العربية على طريقة الأداء، بل هو تنافس بينهم على خدمة مشاريع المحتل وتنفيذها، وصراع للحصول على كراسي تمكنهم من سرقة قوة المواطن..
ونعود لنؤكد أن المسرحية التي جرت فصولها في العراق سيعاد تمثيلها في كل الأقطار العربية دون استثناء، مع تعديل في المظهر الخارجي والشخوص لسبب بسيط يخدم المشروع الغربي ولا يخدم غيره إطلاقا؛ وإلا ما الذي يشكله الإنسان العراقي أو التونسي أو المصري أو السوداني أو الليبي أو اليمني أو السوري أو في أي شبر من الوطن العربي للحكومات الغربية لتتحمل أعباء حرب طاحنة وخسائر بشرية ومادية وتخلصه من نظام الحكم في قطره؟ وما الفرق بين أي مواطن في تلك الأقطار وبين المواطن الفلسطيني الذي ذبح ولا يزال يذهب كل يوم إلى مطحنة الموت الصهيونية؟ وما معنى التفجيرات التي تحصل كل يوم ويذهب ضحيتها بالعشرات على امتداد منطقتنا؟!.
نحن في العراق ندرك هذا، وقد أشارت إليه قيادة حكمنا الوطني منذ عقود في كل أدبياتنا، وأعددنا له العدة ما استطعنا إليه سبيلا، وعلى أساسه انطلقت المقاومة العراقية البطلة التي تشكل عائقا حقيقيا للمشروع الغربي الفارسي الصهيوني، وسنواصل جهادنا بلا هوادة وسنقطع اليد الفارسية الطائفية التي امتدت إلى العراق؛ ووفق هذه النظرة كانت مواقفنا من الحركات التي جرت في أقطار أمتنا فنحن دائما مع القرار الشعبي وضمان عدم التدخل الخارجي.