آراء ومقالات

الشعب الأحوازي على خطى تكريس المفاهيم الوطنية

لا شك  إن شعبنا العربي الأحوازي بدأ يرسم مستقبله المشرق الذي منعه الاحتلال الفارسي من تحقيقه منذ عام الاحتلال في عام 1925, والذي تمخض عنه الغاء الشرعية التاريخية لمجتمعنا الأحوازي المتمثلة بالسيادة الوطنية في عهد الامير الشيخ خزعل الكعبي. حيث يرى المراقبون للشأن الأحوازي ان ملامح التغيير اليوم باتت واضحة من خلال استيعاب مجتمعنا وخاصة طلائعه المكافحة لمفاهيم وطنية وحضارية عريقة كانت مفقودة في حلبة الصراع السياسي والفكري في مسير حركتنا الوطنية منذ استشهاد قادتها التاريخيين(الشهيد البطل محي الدين ورفاقه). يتفق الجميع ان المعارك دائما متعددة ومتشعبة ولها أبعاد مختلفة اي(Different dimensions) في اللغة الانجليزية. ويعتبر الصراع الفكري من أهم القضايا التي تشغل العالم منذ الثورة الصناعية حتى  الباردة إلى يومنا هذا.

  لا يخفى على كل متابع للشأن الأحوازي إن قضيتنا الوطنية الأحوازية عانت وما زالت تعاني من غياب المفاهيم الحضارية التى أنتجها المجتمع الانساني بعد أن جرب كل أشكال الحكم منذ أن خرج من الكهوف وحتى حكم اللاهوت المستمد قواه من الماوراء في عهد حكم الكنيسة المقيت في أروبا. ويرجع وجود هذا الصراع الفكري والسياسي إلى نشوء الدولة القومية في أوروبا – دولة القانون حيث تكريسها لمفاهيم عصرية  كالإنتماء للوطن ومؤسساته الوطنية بدلا عن الإنتماء إلى مؤسسات تقليدية كالقبيلة… وبعد ذلك بدأت الأمم والشعوب تشكل كياناتها ووجودها الخاص بها وهويتها التاريخية والدينية. حيث شاهد التاريخ البشري نشوء الكثير من الدول في العصر الحديث  تحت مسمى- Sovereignty states)  أي الدول ذات السيادة ) للتخلص من الاستعمار والعبودية. لذلك الثورة الجزائرية كانت هي من أهم المحطات السياسية في تاريخنا العربي الحديث مما أفرزته حركتها الوطنية لمفاهيم كالسيادة الوطنية والاستقلال ومقاومة المستعمر الفرنسي.

إن الجميع يدرك أن الثورة القومية انتشلت الأنسان من عصر الظلام إلى عصر الحداثة والتقدم وخاصة على المستوى الفكري وابراز المفاهيم الحضارية, كالهوية الوطنية وحقوق الانسان والإنتماء للوطن والأمة.. حيث يؤكد الكثير من خبراء القانون الدولي وعلماء الاجتماع, على ضرورة التنشئة وأهميتها على كافة المستويات في المجتمع. وهذا ما تقوم به الدول بالنسبة لشعوبها من خلال تكريس خطاب ومفاهيم ترتبط وهويتهم التاريخية والثقافية. وأما بالنسبة للشعوب غير الفارسية في ما يسمى بـ "إيران" فإن الدول الفارسية تحاول بكل وسعها أن تكرس واقعا تاريخيا مزيفا، يرتبط هذا الواقع المزيف إلى (العرق الآري) وربطه بتاريخ الشعوب (غير الفارسية) والذي يتنافى تماما مع طبيعتها السوسيولوجية والتاريخية. و في السياق ذاته نرى كيف إن الدولة الفارسية حرمت وحاربت بكل قوة المفاهيم الوطنية المتعلقة بالشعوب غير الفارسية، والتي تعيد لهذه الشعوب المقهورة العزة والكرامة لا بل تضع بوصلة النضال على الطريق الصحيح بدلا من الخطاب الهش الذي يفتقر إلى أي من المقومات والمصداقية التاريخية للشعوب.

  ولو نظرنا إلى مسير حركتنا الوطنية في الأحواز، فإننا سنشاهد دائما ان أكثر ما يخشاه العدو الفارسي هو بروز مفاهيم وطنية ذات بعد عروبي إسلامي على الساحة الأحوازية تربط شعبنا بامته العربية ومحيطه الخليجي العربي. حيث إن هذا العدو يحاول دائما أن يفصل قضيتنا العادلة بشتى الطرق الشيطانية عن واقعها التاريخي وعمقها الجيوستراتيجي، محاولا أن يجعلها شأن داخليا إيرانيا يرتبط بحقوق الإنسان فقط أو حقوق مدنية وسياسية بسيطة!. وللعلم إن قضية حقوق الإنسان هي قضية عالمية(Universal Issue) ومعظم الدول تنتهك هذه الحقوق وفقا لتقارير( امنستي و واتج), وعلى رأس هذه الدول- فرنسة وأميركا وبريطانيا حيال حركة الشباب في لندن مؤخرا, فلذلك إيران ليست الوحيدة يا شباب الديرة (انتبهوا). القضية الأحوازية هي قضية مصيرية ومركبة ولا يمكن اختزالها بحقوق بسيطة وفقا لمصالح ضيقة, بل إنها قضية وطنية، وقضية واقع احتلال غاشم جثم على صدورنا أكثر من 87 عام، استهدف وجودنا وكياننا كشعب ووطن، ولذلك تصبح مسؤولية الجميع الحفاظ على قدسيتها بدلا من المشاريع التي تلكيء هذه القدسية.

و ما يدهشنا جميعا إن أبناء مجتمعنا الأحوازي و من خلال صمودهم الجبار أمام آلة القمع والاضطهاد جعل النظام الإيراني أن يعيد حساباته حيال قضايا الشعوب غير الفارسية وخاصة من خلال التلميح بالفيدرالية الاقتصادية التي طرحت في الوسط السياسي في طهران وخاصة على يد شخص ذات نفوذ في مؤسسة الحكم في إيران، والتي تهدف لتحريف النضال الوطني التحرري لهذه الشعوب.

لعلنا أن ندرك ذلك إن تنامي الوعي الوطني في الوسط الشباب الأحوازي هو لم يأتي اعتباطا أو من هباء, لا بل إن للحركة وللشخصيات الوطنية التحررية دور مهم وريادي في تكريس تلك المفاهيم التي كنا بأمس الحاجة اليها, لذلك نستطيع القول، إن من أهم انجازات الحركة الوطنية في ظل هذه الثورة المعلوماتية الهائلة – هو تنشئة الأجيال بقدر المستطاع على مفاهيم ثقافية, فكرية وسياسية، وخاصة تلك العناصر التي تتعلق بالسيادة الوطنية والاستقلال وعلى رأسها المقاومة الوطنية, أي مقاومة المحتل بكل الطرق المتاحة والمشروعة قانونيا. وخير مثال على ذلك رسالة الشهداء الأربعة(رحمهم الله) كانت تحمل عدة عناوين حيث أهمها ما يتعلق بالاحتلال الفارسي على الأراضي الأحوازية, وفي هذا السياق تعتبر إنجاز وعرس وطني على الصعيد الفكري لقضيتنا الوطنية مما حملته رسالتهم السامية من مفاهيم فعلا كبيرة ومخيفة للمحتل الفارسي الذي بذل الكثير من طاقته وإعلامه ومرتزقته على مر السنين كي يغيب هذه المفاهيم عن ذاكرة أبناء وبنات شعبنا الأحوازي المجاهد…..لذلك إن رسالة هولاء الأبطال(رحمهم الله) كانت تعبر عن واقع  تاريخي يرتبط أيضا بصراع عروبي إسلامي – فارسي شعوبي قومي, مقرونة بمفاهيم وطنية أحوازية باتت تطل على الأفق ساطعة كالشمس.

ولذلك وفقا لما شهدته الساحة الوطنية الأحوازية من تحدٍ حقيقي على الأرض ضد الوجود الفارسي  اللاشرعي في الأحواز, جعلت الكثير من المتابعين للشأن الأحوازي أن يقترحوا على الحركة الوطنية الأحوازية التفكير باستراتيجية جديدة وبعيدة المدى، أي ما بعد الانتهاء من تكريس هذه المفاهيم وخلق مجتمع وطني يتنمي فيه الفرد الأحوازي إلى الأرض والتاريخ وهذا يعتبر من أساسيات تكوين المجتمع المدني العربي الإسلامي المنشود في الأحواز. حيث إن نظرا للمعطيات الثقافية المتصلة بقضيتنا الوطنية ليس من الصحيح  الترويج لمجتمع المدني في ظل وجود الاحتلال الفارسي….لكن ما يستطيع المثقف الأحوازي والمجاميع والحركة التحررية المناضلة القيام به, هو تنشئة الأجيال على أن يكون إنتمائهم في ظل وجود الاحتلال هو لبعدهم القومي الحضاري ولمؤسساتهم الوطنية أو بالأحرى للمقاومة الوطنية المكافحة على الأرض. وهذا الأمر ينطبق على جميع الشعوب التي كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال أو الاضطهاد والتمييز، وهنالك الكثير من الادلة على ذلك، ومنها شعب جنوب السودان على سبيل المثال وليس الحصر, والذي استطاع أن يلتف حول مقاومته الوطنية لتحقيق مصيره. بينما شعب جنوب السودان على عكس شعبنا الأحوازي ذات التاريخ العريق والهوية العربية الإسلامية ولغة القرآن، فإنه(أي شعب جنوب السودان) لا تجمعه لا لغة مشتركة ولا دين مشترك, وهو في واقع الأمر لم تكن لديه لغة مكتوبة، وكل ما يمتلكوه هي لهجات بدائية تعود لقبائل متبعثرة في تلك الجغرافية الصحراوية, ومن أبرزها هي قبيلة النوير.

 إن خلاصة القول هو إن الجغرافية السياسية والإرادة الوطنية الصلبة والنزيهة لدى هذا الشعب هما العاملين الوحيدين الذان كوّنا الهوية الجماعية لهذا الشعب(جنوب السودان)….ومقارنة مع قضيتنا الوطنية هنالك اختلاف شاسع وكبير بينهما، فإن شعبنا ينحدر من أمة عربية وإسلامية عريقة ويمتلك جميع مقومات السوسيوانثربولوجية لخلق مجتمع وطني عريق، وفي هذه الحالة أي ما نراه اليوم إن الأمر لمجحف ومؤسف صراحة بالنسبة لقضيتنا عندما نرى هذا الكم الهائل من التحريف الذي تبثه مخابرات الدولة الفارسية على البعض من أبناء شعبي من لا يمتلكون الرؤية التاريخية والموضوعية لتلك المفاهيم الوطنية والتي هي بمثابة البنيان الأساسي لتحقيق المجتمع المدني الأحوازي المعاصر.

 إذا من أجل أن يكون شعار الجميع نعم لتشكيل مجتمع مدني وطني أحوازي في المستقبل وخالص من كل الشوائب الفارسية, فاليدعم الجميع تلك المفاهيم الوطنية والحضارية التي رسمها الشهيد محي الدين ورفاقه في مقارعة المحتل الفارسي نظرا لاهميتها السياسية والثقافية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى