آراء ومقالات

ذكريات طفلة احوازية على مشارف العيد

لم تبقى سوى ايام قليلة ليطل علينا ضيف غالي، إفتقدناه طيلة العام… مشاعر كثيرة يصعب وصفها، تفاصيل العيد الجميلة تعود لترتسم مثل لوحة فائقة الجمال في مخيلتي؛ الحنة، الحلويات، العيدية وأنواع المفاجئات التي كنا ننسجها انا وأبناء الحي مثل الألعاب النارية والتخطيطات السرية التي يتم تحضيرها قبل العيد بيومين قبل العيد… فمثلا كنا نخطط على بيت من بيوت المستوطنين الفرس الذين جاؤوا للإستيطان في أرضنا العربية لنقتحمه بتلك الألعاب النارية بعد أداء صلاة العيد.

العيد كان حقا حكاية ثانية بالنسبة لنا نحن حينها، فبعد حصولنا على العيدية كنا نذهب الي المحل لنشتري الألعاب النارية و بعدها ننفذ الخطة. وآه كم كنا نستمتع و نحن نقذف تلك الألعاب النارية في بيت المستوطنين لتخرج بعدها "آرزو" المستوطنة و نقول لها بالعامية "اليوم عيد ونعيدكم ونحرق عين ابو سعيدكم" و نأكل الحلوى امامها لأنها ما زالت صائمة لتشعر بالغيرة, كانوا دائماً يُعيدون بعدنا بيوم… أمرهم عجيب، فقد كانوا يطلقون على عيد الفطر "عيد عرب ها" اي عيد العرب، وليس عيد المسلمين، لذلك كانوا يحرصون على ألا يعيدوا مع العرب أيضا..

هكذا كانت مغامراتنا الى ان جائنا عيد 2005، فالأمر حينها كان مختلف هذه المرة فلم نقذف العاب نارية على بيوتهم ولم نأكل الحلوى امام أعينهم لكي نقيضهم…هذه المرة خرجنا من بيوتنا وانتفضنا… انتفضنا على احتلالهم لأرضنا… غضناهم لكن بطرية اخرى واقوى بكثير هذه المرة…

عيد 2005 كان آخر عيد يمر علي في الأحواز، في عمري الذي كان لا يتجاوز الــ 11 عام، خرجت مع والدي واخي الذي كانا يرتديان الدشداشة لزيارة جيراننا بهذه المناسبة العظيمة…

شارعنا كان مزدحم جداً… الجميع كان يرتدي الدشداشة و الكوفية…كان هذا اكبر تحدي، فقد كان ارتداء الزي العربي هو جريمة يحاسب عليها…الكوفية والدشداشه اللائي منع من ارتداءها الشعب الأحوزي منذ ثمانة عقود… زينا العربي الذي هو رمز للعرب و العروبة منعونا من ارتدائه…. الكوفية الحمراء والهتافات التي استمروا بإطلاقها اشبالنا وبراعمنا هزت عرش المحتل في طهران، بالرغم من أن الثمن كان إعتقال شبابنا وشنق بعض أخر لتزف ارواحهم الباسلة بيد الملائكة الى الباري بعدها…

إلا أن الإيمان يبقى هو الأساس بالرغم من الإضطهاد والقمع، فهؤلاء الذين سقطوا في عيد 2005 لم يهتموا للمشانق والتعذيب، ذلك لأن إيمانهم كان أقوى من كل شي وهم يصرخون أمام الملأ " بالروح بالدم نفديك يا احواز".

شعب بصلابة الحجر واكثر لا يوجد في قاموسة المستحيل! هذه ما رأيته في عيون الثوار حينها… وكأنهم يرددون كلام الشهيد بإذن الله غسان كنفاني –" انا احكي عن الحرية التي لا مقابل لها… الحرية التي هي وحدها المقابل"

وأما اليوم وبعد مرور 7 سنوات على عيد 2005، فها نحن نعيد في الغربة… بعيدا عن "المنقلة" والقهوة العربية التي أحن إلى رائحتها، تلك القهوة العربية التي ورثنا إعدادها في المجالس حفاظا على هويتنا العربية المستهدفة.. حقا، تأن أذني اشتياقاً لسماع صوت الأذان الذي كان ينادي به المؤذن على مقربة من منزلنا إلى صلاة العيد…

هنا..كل شيء مختلف، فلا "منقلة" لنعد بها القهوة، ولا أذان ولا جيران نعايدهم ولا أهل وأعمام نتمنى لهم عاما آمن وسعيد.. هنا الغربة بكل تفاصيلها تقطع ذكرياتنا اربا اربا في كل عام.. فبئسا لذلك الإحتلال الذي حرمنا فرحة العيد في الأحواز وخارجها.. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى