إيران والحلم الضائع

لا شك أن المؤامرات التي قامت وتقوم بها إيران ضد الأمة العربية واضحة كل الوضوح، ولا تخفى على أحد مهما حاول الكثير من العرب إغماض أعينهم عنها وصم آذانهم عن سماعها، ولا شك أيضا أن إيران متورطة في الكثير من الدماء العربية في العصر الحديث، ابتداء من الأحواز العربية التي قتلت فيها ما قتلت، واحتلتها مع بدايات القرن العشرين، مرورا بالعراق الذي شهد ويشهد همجية لا توصف من قبل عصابات إيران هناك، وما أكثرها!! إلى سوريا التي أوغلت إيران قبل النظام في ذبح أبنائها المطالبين بالحرية والكرامة .
وعند محاولتنا فهم الحاضر وأسبابه، علينا العودة للماضي وآثاره، ولا بد من خلاله أن نعرف أن ما تفعله إيران في الوطن العربي هو محاولة لرد الاعتبار على الإهانة التي لا تغتفر، والتي وجهتها الأمة العربية لإمبراطورية فارس قديما.
هذه الأمة التي أخرجت سيدنا عمر "رضي الله عنه" الذي حطّم إمبراطوريتهم التي كانت الأقوى في ذلك الزمان وكيف أن العرب هم من داسوا كسرى وداسوا تاجه وسلطانه بأقدامهم؛ هذا الحقد هو نفسه ما جعل الفرس ووريثته الشرعية إيران تبني بعد ذلك ضريحا لأبي لؤلوة المجوسي، قاتل سيدنا عمر ليصبح مزارا مقدسا لهم!
وهي أيضا من تحاول بكل جهدها أن تفرّق العرب من خلال بث الفتن بينهم حتى لا تقوم لهم قائمة، وهي تعرف جيدا أن أي وحدة عربية ستكون وبالا على مشاريعها الاستعمارية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى محاولة لرد جزء من كرامتهم المهدورة على يد العرب قبل أن تكون على يد المسلمين، أو هكذا رؤيتهم للموضوع .
من الواضح مما تقدم أن ما تفعله إيران بالدول العربية نابع عن حقد دفين، هذا لو تغاضينا عن المعتقدات الدينية التي حاولت إيران تشويه أحكامها لتتناسب مع مشاريعها للتحكم بالمنطقة.
هذه المعتقدات، والتي لا نريد الخوض كثيرا فيها، هي بلا شك كانت وما تزال الغطاء لأي هجمة على الدول العربية واستقرارها من خلال بث سمومها والتي تؤثر على الفكر العربي والوعي العام من خلال دعم بعض المستفيدين منها بالمجتمعات العربية، وعلى رأسهم النظام السوري الذي يشاركها، خلافا لنفس الأهداف السلطوية الخاصة به، المعتقدات الدينية نفسها، لنجد أن إيران تحارب قبل النظام هناك من أجل الحفاظ عليه والذي يعني بالضرورة الحفاظ على أحلامها.
تؤمن إيران أن سقوط النظام في سوريا هو سقوط للإمبراطورية الفارسية قبل ولادتها من جديد، وهو تحطيم لأحلامهم التي عملوا عليها منذ عقود، وبلا شك أن إيران ستحاول بكل ثقلها أن تمنع سقوط هذا النظام حتى لو أدى ذلك لاستنزاف كل مواردها وتقديم كل التنازلات للغرب في سبيل ذلك؛ فسقوط النظام في سوريا وظهور نظام جديد سيكون معاديا بلا شك لإيران بعد موقفها من الثورة، ومشاركتها بشكل مباشر بالقتل وما له من تبعات من كشف ظهر الدولة الفارسية للعالم، مما يسهّل جلدها على يد العالم، والعرب تحديدا من جديد، ليعاد تحطيم هذه الدولة، وهذا بالضبط ما تخشاه.
على الدول العربية أن تقف بشكل جاد في مواجهة الهجمة الإيرانية عليها، من خلال قصقصة أجنحة حلفائها بالمنطقة، إن كان بشكل عسكري، كدعم الثوار السوريين والذين ستكون لهم اليد الطولى في ذلك، أو احتضان التيارات القريبة من إيران والتي اجتمعت معها المصالح السياسية أو المادية من خلال إعطائها مجالا أوسع للخوض في الحياة السياسية العربية ودعم أحزابها ماديا، على أن يكون الكي هو العلاج الأخير في التعامل مع هذه التيارات، ولا يعني عدم استخدامه إن اقتضت الحاجة.