مسلسل الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ … ونظرية الأمن القومي العربي 3/4
الخليفة عمر أول من وضع الاساس المادي والعملي لمفهوم “الأمن القومي
العربي”
وعوداً على أصل الموضوع والقدرة الاستباقية التي
امتلكها هذا الخليفة العبقري، فإن
الخليفة الراشدي الثاني عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان أول شخص في التاريخ
الانساني الذي وضع الأساس المادي لمفاهيم هذه النظرية، أي أنه كان اول من إكتشف
مفهوم “الأمن القومي العربي”، وذلك اثناء إنتشار المشروع الحضاري العربي ـ الإسلامي
وخلال الإنتصار الأول بإتجاه المحور الإمبراطوري الوحشي الكاسر (الفارسي ومن بعده
الرومي)، وكانت معركة القادسية الأولى هي بدايات وضع ذلك التصور والتعريف ـ العملي
والعلمي ـ، فحرر العراق من الأكاسرة الفرس ومن ثم لم تتوقف تلك الجيوش العربية
الاسلامية عند هذا الحد، بل اِمتدت الجيوش الإسلامية ـ وفق ذلك التصور الاستراتيجي
العمري ـ لتحرير القطر الأحوازي المحتل من قبل الفرس، حتى وصلت تلك الجيوش بقيادة
سعد ابن ابي وقاص الى سفوح جبال زاكروس (أي جبال النار التسمية التي أطلقها
الخليفة عمر) وهي الحدود الفاصلة الطبيعية بين الأمة العربية ـ الإسلامية التي
تعتبر ثغر الأمة الأخير في الأحواز، من جهة، وبين الاراضي الفارسية المجوسية في
تلك الفترة وفي كل الفترات اللاحقة، من جهة أخرى، وكانت قولته الشهيرة في ترسيخ
أسس جديدة لمفهوم جديد إسمه(نظرية الأمن القومي العربي)، ستصل اليه البشرية بعد
قرون طويلة، ما بينت على وعيه الإستراتيجي والاستباقي، حين قال (ربي اِجعل بينناـ أو يا
ليت بيننا ـ وبين الفرس هذا الجبل من نار يفصل
بيننا وبينهم، لا يأتون إلينا ولا نذهب اليهم).
وجاء المسلمون البواسل من بعده
ليستمروا بتطبيق هذا المفهوم ووضعوا جداراً سميكاً وقويا من خلال قراءة سياسية
وعسكرية دقيقة في مواطن ضعف الأمن القومي العربي ـ الإسلامي، فعرف هؤلاء العرب
المسلمون الأوائل هذا المفهوم معرفة تطبيقية دقيقة، وعلى اِثره قاموا بترسيخ الرسالة
الحضارية الخالدة للإسلام، حتى دخل الفرس وغيرهم في جموع العبادة لله بدلاً عن
العبودية للنار والملوك، وخصوصاً أن الفرس كانوا يعانون من تفسخ إجتماعي وسياسي
واقتصادي وأخلاقي، قبيل معركة القادسية الفاتحة لبلاد فارس والداحرة لإحتلالهم
لاراض العرب من خلال القادة البواسل الذين خلدهم التاريخ ـ وسيبقى ـ الى يوم
يبعثون أمثال: سيدنا عمر بن الخطاب فاتح القدس وقياداته الميدانية أمثال أبي عبيدة
وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وسعد بن ابي وقاص وأبو محجن
الثقفي وغيرهم الكثير، ولكن بعد ذلك الفتح الذي انقذهم وانتشلهم من أحقادهم
وعبوديتهم شهد الفرس في فترة الحرية الإسلامية، بدء الإبداع وعصر التنوير
والكتابات والتأليف، وبعدها أصبح للفرس شأن لم يكن لهم قبل الاسلام، وقبل النظرة
العمرية الراشدية الاستراتيجية لهذه البقعة من الأرض، التي لطالما عانت لقرون من نظرة
الحقد والكراهية والإقصائية ضد العرب، عموماً، في شبه الجزيرة العربية والعراق
والأحواز وغيرها من المناطق، خصوصاً…
ومن أجل أن نكون أكثر دقة في هذا
الوصف وتفاصيله، فإننا سنعتمد على أهم كاتب ايراني معاصر وفيلسوف معروف لم يتمكن
الفرس اليوم أن يدحضوا بما جاء في كتاباته التي أقرن أقواله بالأدلة الدامغة حول
مفهوم(الإمبراطورية الفارسية) قبل الاسلام، ألا وهو الدكتور ناصر بور بيرار، حيث
بيّن من خلال الدراسات التي قام بها حول الاثار الايرانية الفارسية في “تخت
جمشيد” بشيراز على المزاعم القائلة بأن حضارتهم وآثارها اِمتدت الى خارج
الاراضي الفارسية، فذهب الى تلك الآثار وبيّن زيفها والتشويهات المتعمدة التي قام
بها ((أناس)) أوعى من الفرس، في مراحل تاريخية معينة لأغراض سياسية، وبهدف تشويه
الحقائق التاريخية في خدمة الطموحات السياسية للقوى الفارسية الحاكمة أو
للامبراطورية العسكرية المتسيدة، وقطع الشك باليقين والأدلة الدامغة الملموسة على
أن تلك الآثار الحضارية لا تنتمي ابدا الى ما تسمى اليوم بـ(دولة ايران) او ببلاد
فارس، فقام هذا الكاتب المنصف بتصويرها تصويرا دقيقاً ودراستها بشكل متمعن كي
يقارنها بما كان قائماً في المنطقة العربية من آثار من أجل التوصل إلى القول: بأن
الفرس قد سرقوا حضارات من سبقوهم ونسبوها لأنفسهم، ولم يكونوا إلا أصحاب حضارة
“عسكرية”أقدمت على تفليش وتخريب وتدمير الحضارات التي جاورت بلاد فارس
كتدميرهم للحضارة السامية العيلامية (الأحوازية) وامتد ذلك التدمير الى حضارات
بلاد الرافدين.
07 – 09 – 2012
إقرأ الحلقات السابقة :