آراء ومقالات

مسرحية التفتيش العراقية و الزعل الإيراني

 السياسة الكويتية


حلوة للغاية, وفيلم هندي جميل وميلودرامي وزاعق للغاية تلك الحركة المسرحية التي أظهرتها الحكومة العراقية عبر حكمة وعبقرية مستشاريها والتي كان أبرز مشاهدها الإباحية الساخنة هو مشهد تفتيش إحدى طائرات الشحن الإيرانية المتجهة لدمشق مرة أخرى وحيث لم يجدوا على متنها سوى أطنان من “النعل المطاطية” والمراحيض المتنقلة “كرمابه سيار” بالفارسية طبعا, إضافة لشحنات من الفستق الرفسنجاني العامر لموائد و”مزة” قادة النظام البعثي السوري الإرهابي, فبتلك الحركة البائسة والمثيرة للسخرية والغثيان تتصور الحكومة العراقية بأنها تتعامل بشفافية مع القرارات الدولية المتعلقة بتشديد حالة الحصار على تسليح النظام السوري ومنع شحنات الموت الواردة من طهران لدعم صمود نظام الصمود والتصدي والذبح الثوري الشامل, ولا أراني مضطرا لتوضيح طبيعة اللعبة الساذجة التي تلعبها حكومة نوري المالكي المرتبطة إيرانيا والملتزمة بإتفاقيات وتعهدات علنية وسرية مع محور دمشق – طهران, ولكن حتى ذلك الإخراج السيئ لم يعجب أبدا الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي رفض التفتيش وطالب الحكومة العراقية بعدم تكرار القضية وإلا…. والبقية معروفة حيث ستتوالى الإنفجارات والشاحنات المفخخة المنسوبة لجماعة “القاعدة” الإرهابية الممولة إيرانيا, ورغم أن الطرفين حكومة المالكي وحكومة نجاد أفندي “دافنينوسوا” ورغم أن هناك تفاهمات مشتركة وروابط ايديولوجية مصيرية تتعلق بمعركة المصير الواحد التي يخوضها الحلف الإيراني في سورية والحتمية المؤكدة لانتصار الثورة السورية التي ستقتلع نظام البعث السوري من جذوره المتعفنة ما يجعل النظام الإيراني وحلفائه الإقليميين في حالة انكشاف معلن وهو ما يتحسب له الإيرانيون بشراسة باتوا ينظرون للعراق خلالها باعتباره العمق الستراتيجي المباشر للأمن الإيراني وخط الدفاع الأول عن المصالح الايرانية في المنطقة, لذلك كانت الزيارات المتكررة لقادة الاجهزة العسكرية والأمنية والسياسية الإيرانية للعراق كوزير الدفاع أحمد وحيدي وقائد الحرس الارهابي جعفري وأخيرا رئيس النظام نفسه محمود أحمدي نجاد, هذا غير فيالق “إطلاعات” وفيلق القدس الحرسي والمجاميع العراقية الطائفية الخاصة المؤتمرة بالأوامر الإيرانية المباشرة كجماعة فيلق بدر أو “حزب الله العراق” أو “عصائب أهل الحق”… والكثير الكثير من تلك التصنيفات المعروفة, دون شك إن النظام الإيراني اليوم يعيش لحظات تحد حالكة تؤذن بإعلان قرب انحسار الهيمنة الإقليمية والنكوص والانسحاب للداخل مع استعداد قلق لصراع دام قادم مع المعارضة الوطنية الإيرانية التي رفع عن رقبتها سيف الحصار الدولي الاميركي كما حصل مع رفع جماعة “مجاهدي الشعب” الإيراني من قائمة الإرهاب الدولي وهو ما يعتبره النظام بمثابة إعلان حرب وشيكة بات النظام يهدد ويرعد ويزبد ويخبط خبط عشواء على حواشيها القلقة, وبرغم رداءة إخراج حكومة نوري المالكي العراقية لمسرحية التفتيش الثانية للطائرات الإيرانية المارة في المجال الجوي العراقي في طريقها لدمشق إلا أن ذلك لم يعجب أبدا النظام الإيراني المتوتر والمتوجس من إحتمال إنفلاب مواقف الحلفاء و”الغدر” الذي قد ينطلق من الحكومة العراقية نفسها ضد النظام الإيراني فبرغم الإنسحاب العسكري الأميركي من العراق اواخر العام الماضي إلا أن للأميركان تأثيرات قوية جدا في العراق ستظهر فيما لوحاول الأميركان تفعيلها بجدية.


توبيخ أحمدي نجاد لحكومة المالكي وتحذيرها من مغبة تكرار عمليات التفتيش هو تعبير عن أزمة داخلية إيرانية طاحنة بات النظام خلالها لا يتحمل حتى أبسط المناورات والألاعيب في العمل السياسي والعسكري, فحكومة المالكي لا يمكن أبدا أن تغدر بالنظام الإيراني وتطعنه من الخلف لأنها أيضا تتكئ وبقوة على الدعم والمساندة الإيرانية في وجه ضغوط داخلية محضة وخارجية واضحة, وهي تعيش أيضا مرارة نتائج سقوط النظام السوري مع ما يعنيه ذلك من تداعيات على الوضع السياسي الداخلي وعلى تعكير خطة حزب “الدعوة” بتكريس الهيمنة الدعوية وتحويل العراق لملحق صغير تابع لجمهورية الولي الإيراني الفقيه وفق تكتيكات وحركات وخطط باتت مكشوفة ومفضوحة وعارية تماما حتى من ورقة التوت ووفق أسلوب قديم- جديد وهو الترغيب والترهيب, فمن يوافق على المشروع السلطوي الدعوي سينال ما تشتهي نفسه من المناصب والسرقات, ومن يعارض ذلك المشروع فليس له من الدعويين إلا رفع وإشهار ملف الاتهام بالإرهاب في وجهه ثم التسقيط السياسي والمعنوي وإفراغ الساحة من المعارضين الخطرين, وهي لعبة خطرة سترتد نتائجها على صدور لاعبيها والمروجين لها, عمليات التفتيش العراقية للطائرات الإيرانية حتى وإن تكررت فلن تجد شيئا سوى “النعل” و”الفستق” ولربما الحلوى… لأن المخرج عايز كده.


كاتب عراقي


              


dawoodalbasri@hotmail.com


 


 


 


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى