رسالة وزير الإعلام السوري الأسبق إلى المؤتمر السياسي الأول لحركة النضال
أيتها الأخوات والأخوة الأعزاء
تلتقون اليوم في هذه العاصمة الجميلة
وفي رحاب هذا البلد المضياف الذي كان وما زال منذ عقود مثالا متميزا على الصعيد
العالمي في احترام حقوق الإنسان الأساسية وفي توطيد أسس العدالة الدولية ومناصرة
حقوق الشعوب المحتلة والمضطهدة في تقرير مصيرها وتجسيد ارادتها الحرة.
تلتقون اليوم بعيدا عن بلدان وطننا
-بعد أن حالت ظروف مجتمعاتنا المقهورة أن نتواجد على أرض أي منهاكي نمارس أبسط
حقوقنا وأبسط واجباتنا في استعراض هموم وطموحات شعوبنا من أجل الحرية والتقدم
والتوحد ,فعسى أن يكون مؤتمرنا هذا مناسبة هامة لإعادة توكيد وحدة رؤيتنا ازاء
قضايا الأمة المصيرية من حيث ترابطها وتكاملها مهما تعددت ساحاتها ,ووقفة
استثنائية مع الذات لتجديد عزمنا على ضرورة توحيد جهودنا ونضالاتنا لخدمة هذه
القضايا وفي المقدمة منها تحرير الأجزاء المحتلة واستعادة الحقوق الوطنية
المشروعةلشعوبها:في فلسطين والأحواز والإسكندرون والجزر العربية وبقية الأراضي
العربية المغتصبة.
أيتها الأخوات أيها الأخوة الأعزاء
اذ نلتقي اليوم في هذا المؤتمر
تجمعنا قضية وطنية وقومية وانسانية هي قضية الأحواز وحقوق شعب الأحواز الشقيق، فلا
شك أن هذه القضية تضعنا جميعا أنظمة وشعوبا ونخب فكرية وسياسية أمام مسؤوليتنا
الدائمة في أن تستعيد الأحواز موقعها الصحيح في الوعي العام لشعوبنا وفي صدر
اهتمامات أنظمتنا وحكوماتنا.
فقضية الأحواز ليست مسألة جزئية أو
هامشية–ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن توضع بالنسبة لأجيال الحاضر والمستقبل ,
في زوايا النسيان أو التأجيل بحجة أن هناك أولويات أخرى.إن دروس التاريح القريب
والبعيدهي أبلغ دلالة وتعبير على مثل هذه النظرة الخاطئة,فمنذ أن أخذت تيارات
واسعة من أجيالنا الحاضرة بحكم سياست الأمر الواقع للقوى الإستعمارية من جهة,وبحكم
ممارسات أنظمة القهر والإستبداد من جهة ثانية,منذ أن أخذت تتعامل مع قضاياالأمة
كقضايا منفصلة ومجزأة بدل النظر اليها كقضية واحدة تتطلب مواجهتها استراتيجية
شاملة ومتكاملة.ويوم ا نزلقت مسارات تحرر شعوبنا الى توجهات قطرية منعزلة واتخذ
بعضها طابعا شوفينيا أو اثنيا أو طائفيا أو مذهبيا ,بدل أن توحدها رابطة الهوية
العروبية الإنسانية الحضارية وتجمعها الأهداف الإستراتيجية في التحرر والتقدم
والوحدة,عندها سارت مجتمعاتنا العربية في طريق التراجع والإنكسار والهزائم
المتتالية التي ما نزال نحصد مراراتها حتى اليوم .هكذا أيتها الأخوات أيها الأخوة
دخل مسار تطور الأقطار العربية بعد مرحلة نهوض وانجازات وانتصارات خلال عقدي
الخمسينات والستينات من القرن الماضي ,في مرحلة تراجع واخفاقات متلاحقة ترافقت
بوضعية خاطئة بحيث أن قضايا الأمة المركزية أصبحت تواجه بقوى مشتتة وامكانات
متفرقة وكأن كل بلد مسؤول عن قضاياه المصيرية لوحده —تفرقت وتباينت الإلتزامات
القومية بل وتعارضت في كثير من الأحيان تجاه قضايا المستقبل العربي الواحد وفي
مقدمتها قضايا فلسطين والأحواز والإسكندرون وبقية الأراضي العربية المحتلة–والواقع
أن مظم سياسات الأنظمة العربية أضحت بعد انهيار النظام الإقليمي العربي اثر
اتفاقات كامب ديفيد وماأعقبها من اتفاقيات,جزءا مكملا وخادما لأسترتيجيات ومصالح
دول الهيمنة الأجنبية في منطقتنا العربية.
يوم أن تهاونا وتخلينا دولا
وأنظمة–ويوم أن تقاعسنا شعوبا وأحزابا وحركات سياسية عن قضية الأحواز وعن قضية
الجزر العربية المحتلة,هذا هو اليوم الخطر الفارسي الذي تمثله دولة الولي الفقيه
التي استظلت برايات الدين والمذهبية,يزحف ويتغلغل في العراق وسورية ولبنان والخليج
العربي منتهجا سياسات توقظ من جديد الأحقاد التاريخية وتغذي نوازع الهيمنة والتسلط
-سياسات تتنافى وعلاقات حسن الجوار والتعاون والمصالح المشتركة بين الشعوب العربية
والإيانية التي تتطلع الى أن يسود هذه المنطقة السلام والأمن والرخاء,ويوم أن
تواطأ النظام السوري الحالي على قضية الإسكندرون هاهي اليوم أحلام مشاريع الهيمنة
العثمانية تلوح في الأفق من جديد -ويوم تحولت القضية الفلسطينية من كونها القضية
المركزية الجامعة لكل شعوب لأمة في مواجهة المشروع الصهيوني وتحولت
الى قضية حدود وأراض متنازع عليها,بدل أن تكون جوهر صراع وجودي وحضاري بين الأمة
وأعدائها –عندها تراجعت القضية الفلسطينية من حيث جوهرها وأبعادها لتصبح المسالة
الفلسطينية ومن ثم تراجعت على صعيد وعي واهتمامات الكثير من الأنظمة العربية لتصبح
المشكلة الفسطينية فتلقى على الشعب الفلسطيني وحده تبعاتها والتزاماتها ,وأصبح
الهم المباشر لهذه الأنظمة أن تسهم في انضاج الحلول التصفوية لهذه القضية—في الوقت
الذي تتواصل فيه على قدم وساق عمليات الإستيطان والتهجير والتهويد للأراضي
الفلسطينية في ظل تواطؤ المجتمع الدولي وتحدي اسرائيل لكل قرارات الأمم المتحدة.
أيتها الأخوات أيها الأخوة
تجاه هذا الواقع –واقع الأزمة
الشاملة التي تعيشها بلداننا العربية والذي يمثل ونحن في مطالع هذا القرن وضعا
استثنائيا على مستوى العالم كله –ماهو دور النخب الفكرية والسياسية في الوطن
العربي؟؟؟
ان أول المهام التي تلقى على عاتقنا جميعا
:أنظمة ومؤسسات وهيئات مجتمع مدني انجاز عملية تنوير شاملة تستهدف انهاض وسيادة
الوعي العقلاني في كافة مناحي مجتمعاتنا –الوعي الذي يمكننا من تنظيم وحشد طاقات
الأمة وقدراتها الذاتية باتجاه تحقيق تطلعاتها في التحرر والتكامل والوحدة.
أيتها الأخوات والأخوة
إن سورية التي كانت على امتداد تاريخها
الطويل ,وبخاصة منذ نيل الإستقلال الوطني ,مهد ومنطلق معظم حركات التحرر
العربية-تعيش ومنذ انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق ثورتها -ثورة الحرية
والديمقراطية والعدالة ,تعيش اليوم محنة دائمة,سورية الآن تخضع لعملية تدمير شاملة
وممنهجة تشارك فيها أطراف محلية واقليمية ودولية ,فالشعب السوري اليوم هو بين
المطرقة والسندان,مطرقة نظام الإستبداد الشمولي الذي جثم على صدره منذ أكثر من
أربعين عاما وبين سندان المجموعات الأصولية التكفيرية التي لا علاقة لها بتاريخ
سورية ومستقبلها والتي تستكمل الآن دور النظام في عملية تدمير سورية كيانا ومجتمعا
ودولة-لكن الشعب السوري الذي قدم حتى الآن أغلى وأجل التضحيات,مصمم على استرداد
حريته وتحقيق أهداف ثورته من أجل أن تعود سورية للإضطلاع بدورها الريادي المعهود
تجاه قضايا أمتها المركزية.
أيتها الأخوات أيها الأخوة
نأمل لمؤتمركم هذا كل النجاح
والتوفيق في أعماله وفي بلوغ الغاية التي ينعقد من أجلها,ونتطلع بثقة كبيرة الى أن
يكون خطوة عملية جادة وصيحة حق مدوية من أجل استعادة القضية الأحوازية لمكانها
الطبيعي في ضمير ووعي ومسؤوليات شعوبنا العربية وكل الشعوب والقوى العالمية المحبة
للسلام والداعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها.
تحية لكم من القلب وشكرا للجنة
التحضيرية للدعوة الكريمة الموجهة لنا للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر-شكرا لكم
باسمي وباسم الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية التي أتشرف بعضويتها–والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
د.حبيب حداد
وزير الإعلام السوري الأسبق
الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية
تنويه: الدكتور حبيب حداد لم يتمكن من حضور المؤتمر بسبب وفاة عميد
ال حداد(ابونضال) الله يرحمه بشكل مفاجئ.