آراء ومقالات

النفاق الإيراني لتدمير أوطان العرب!

مع اندلاع عاصفة الحزم في اليمن، هبّت إيران لمهاجمتها كما كان متوقعاً؛ لأنها طالت أحد أذرع أخطبوطها في المنطقة. حيث نعتتها بمختلف الأوصاف والنعوت؛ كـ “الجرائم”، “العدوان”، “الاحتلال”، وأن السعودية هي “غدة سرطانية يجب استئصالها”… إلخ.

وصل مرشد ثورتها الخمينية، علي خامنئي، لدرجة الحديث عن المحاكم الدولية، بسبب ما قيل إنها “جرائم ضد الإنسانية” تقترفها قوات التحالف بحق المدنيين والعزّل من الشعب اليمني!

قنوات إيران الفضائية حوّلت عاصفة الحزم إلى مجرد “عدوان سعودي أمريكي” على اليمن، وهذه كي تخوّنها، وكأن إيران لا تتعاون مع أمريكا وإسرائيل أيضاً، حيث يربط بينهما مشروع استعماري مشترك.

تهمة التحالف والتعاون مع أمريكا ثابتة على طهران، وبتصريحات من مسؤولين إيرانيين، حيث إن محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، صرّح مساء الثلاثاء 2004/1/15، في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل، الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنوياً بإمارة أبوظبي، بأن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق.

وأكَّد أبطحي أنه “لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة”. وتابع أيضاً: “لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة، وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة”..

من جهة أخرى، أعلن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشم رفسنجاني، في خطبته بجامعة طهران في فبراير/شباط 2002، أنّ “القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني”.

وتابع قائلاً: “يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان”.

وفي السياق نفسه، أعلن الناطق باسم الخارجية والاستخبارات الإيرانية علي يونسي أن هناك شكلاً من أشكال الدعم تقدمه إيران للولايات المتحدة.

أما د. محسن رضائي، الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، أعلن من فضائية الجزيرة عبر برنامج “بلا حدود”، الذي بث في 2002/7/25 أثناء العدوان الأمريكي على أفغانستان، أن الخلاص من المستنقع الأفغاني يجب أن يمر عبر إيران، وإذا وصلت أمريكا إلى طريق مسدود في أفغانستان فإيران طريق جيد، وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق.

أما عن التواصل مع الولايات المتحدة، التي سماها الخميني “الشيطان الأكبر”، فقد كان قائماً دائماً من قبل، وليس في إطار المفاوضات على المشروع النووي فقط، وأكَّد نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.

في السياق نفسه، ذكرت صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية، أن إيران مهتمة بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة.

أما مستشارة الأمن القومي السابقة، كوندوليزا رايس، فتحدثت في مقابلة مع إحدى وكالات الأنباء عن أن الأمم المتحدة قد قامت بتيسير اتصالات بين بلادها وإيران بصورة منتظمة، لمناقشة مسائل عملية كانت تتعلق أصلاً بأفغانستان، ثم اتسع نطاقها لتشمل العراق.

إيران مع عاصفة الحزم التي دكّت أوصالها في اليمن، هبّت تتحدث عن الصهاينة والمؤامرة والمقاومة والممانعة والقانون الدولي، ولكن لم نسمع من وسائل إعلامها أدنى إشارة لجرائم مليشيات الحوثيين الذين حولتهم إلى الشعب اليمني، ولا نقلت لنا مشهداً واحداً عن جرائمهم في دماج – مثلاً- بحق طلبة علم من المدنيين، ولا رأينا صور سيطرتهم على المباني الحكومية بقوة السلاح.

طبعاً، هذه عقيدة إيران في التعامل مع قضايا الشعوب العربية، فهي التي ترى حراك الشيعة في البحرين ثورة شعبية في المقابل تشارك بحرسها الثوري ومليشياتها الإرهابية في ذبح الشعب السوري لأنه طالب – بادئ الأمر – نظام الأسد بالإصلاحات، قبل أن يبطش بمظاهراتهم السلمية فاضطروا لمقاومته بالسلاح.

إيران تحتل دولة الأحواز منذ 1925 وتشرّد شعبها وتمارس شتى المخططات للتطهير العرقي ومسح الهوية العربية والإسلامية وبذلت ما في وسعها لتشييع الأحوازيين، غير أنها فشلت حيث نشهد سنوياً المئات من شيعة الأحواز يتحولون إلى أهل السنّة، بل حتى الذين بقوا على تشيّعهم الكثير منهم يناهضون الاحتلال الإيراني الفارسي والصفوي لبلادهم.

نعم تحتل الأحواز وتعمل على تغيير دينهم وقوميتهم وتعلق على المشانق من دون محاكمات عادلة كل من يناهض احتلالها ولو كان شيعياً، وفي الوقت نفسه ترفع شعارات تحرير فلسطين من العدو الصهيوني الذي لم تطلق رصاصة واحدة عليه.

حتى بعض مغامرات “حزب الله” ضد “إسرائيل” كانت من أجل مصالح أخرى فيها ما جرى الاتفاق عليه بين الموساد والمخابرات الإيرانية تحت رعاية المخابرات الروسية.

إيران التي تذبح الأحوازيين وتحتل أرضهم وتحاول أن تجتثّ دينهم وعرقهم، هل يعقل أنها ستحرّر إخوانهم في الدين والهوية بفلسطين أم أي مكان آخر من العالم العربي والإسلامي؟.

لم يقتصر الأمر على الأحواز فقط، بل أن إيران ذبحت أكثر من 2 مليون عراقي وتعاونت مع الجيش الأمريكي في احتلال بغداد، وشيعتها العراقيين هم رؤوس الحربة الذين استعملتهم أمريكا في غزوها للعراق.

هل يعقل أن إيران تعادي أمريكا وتتعاون معها في غزو أفغانستان والعراق؟

الأدهى من كل ذلك، أن إيران لديها خط إمداد ينطلق من طهران ويمرّ عبر العراق ويصل إلى سوريا ثم لبنان حيث “حزب الله” الذي يدّعي المقاومة والممانعة، لكنها لم ترسل يوما صاروخا واحداً من الصواريخ طويلة المدى، حتى يستعمله حسن نصرالله ضد تل أبيب التي هدّد بنسفها كما زعم الرئيس الإيراني الأسبق نجاد أنه سيمسحها من الوجود.

إيران صارت حدودها مع “إسرائيل” وهي حقيقة ثابتة لا اختلاف حولها، من جهة الجولان المحتل حيث نظام الأسد الذي هو مجرد محافظ إيراني على مقاطعة إيرانية، ولم نشهد أنه أطلق رصاصة واحدة لتحرير الأراضي السورية المحتلة.

بل الأخطر أن نظام الأسد يمتلك ترسانة كيماوية ضخمة كما صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يمكنها أن تمسح “إسرائيل” من الوجود ولم يستعملها إلا ضد السوريين. كما أنه بحوزته صواريخ مسافتها تتجاوز 200 كم لم يستهدف بها قوات “إسرائيل” في هضبة الجولان التي تبتعد بـ 50 كم عن العاصمة دمشق.

نقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” في عددها الصادر بتاريخ 26/08/2013 أن نظام الأسد يمتلك 100 ألف صاروخ متطور ومتنوع من نوع “سكاد” يمكن أن تغطي فلسطين المحتلة كلها.

ترى، لماذا لم يطلق نظام إيران في دمشق صاروخاً واحدا ضد “إسرائيل” في حين استهدف الشعب السوري بمئات الصواريخ المدمرة للإنسان والبنيان والحيوان؟

لو أردنا أن نحصي جرائم إيران بحق العرب والمسلمين وبتسمية أوضح وأدق هي “أهل السنّة” لما كفتنا المجلدات، فقد تسبّبت في مقتل أكثر من 2 مليون عراقي، وحوالي نصف مليون سوري، وعشرات الآلاف في أفغانستان ولبنان واليمن والأحواز، وهو ما لم يفعله العدو الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين عام 1948 إلى يومنا هذا.

رغم كل ما شاهده العالم موثّقاً بالصوت والصورة في سورية أو العراق، إلا أننا لم نسمع الإعلام الإيراني يتحدث يوماً عن جرائم ضد الإنسانية، ولا عن العدوان على الشعب السوري أو العراقي.

في حين هبّت تستعمل هذه الاصطلاحات في اليمن، رغم أنه لم يثبت بأدنى دليل سقوط مدنيين في غارات قوات تحالف عاصفة الحزم، في حين ثبت بأكثر من دليل عدوان الحوثيين على المدنيين واستعمالهم كدروع بشرية، بل وصل الحال إلى الكذب باستخدام صور مفبركة أو أخرى وقعت في سورية لتشويه العاصفة.

إيران تبرّر تدخل “حزب الله” وغيره بأنه جاء بطلب من الرئيس الشرعي – كما تصفه – بشار الأسد، في حين تخوّن الرئيس المنتخب في اليمن هادي لما طلب الدول العربية أن تتدخل لحماية الشرعية ومؤسسات الدولة!

لما جاء شيعتها في العراق على ظهر دبابات أمريكية وأفتى السيستاني بعدم جواز قتال الجيش الأمريكي، لم نسمع إعلامها ولا معمّميها يتحدّثون عن العمالة، في حين لما دخلت قوات درع الجزيرة في إطار قرار خليجي راحت تصفه بالاحتلال والعمالة وغيرها !

كل ما تقوم به إيران ضد العرب وأهل السنّة تراه حلالاً ولو وصل لحدّ ذبح الأطفال ونحرهم من الوريد إلى الوريد بخناجر منقوش عليها “يا حسين”، في حين أن أهل السنّة لما يقاومون ويدافعون عن أنفسهم يُتّهمون بالإرهاب إن كانوا تنظيمات، وبالاحتلال إن كانوا دولا وهيئات معترف بها دولياً.

نظام الأسد الذي تدعمه إيران بالصواريخ والأسلحة والأموال، لما يقصف المدن ويبيد النساء والأطفال والشيوخ ويدمّر المساجد والمستشفيات، فإنه يكافح الإرهاب في نظر ملالي طهران.

ولما تشكّل قوات شيعية طائفية تسمّيها “الحشد الشعبي” وتبيد القرى وتقتل عشرات الآلاف من المدنيين، فهذا عمل مشروع وحلال لدى إيران الصفوية.

في حين لما تتدخل الدول العربية لحماية الشعوب من الابادة، فإن ذلك حرام ومجرّم في قانون الغاب الذي تؤمن دولة الفرس العنصرية.

ثبت سقوط الملايين من المدنيين في سوريا والعراق واليمن ولبنان والأحواز، وثبت مقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب في أقبية المخابرات السورية، ولم نسمع إيران تتحدث عن المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، والسبب واضح أن القاتل لا يجرم نفسه أبداً.

في حين لم يثبت سقوط مدني واحد في عمليات عاصفة الحزم، ونسمع إيران وهي تملأ العالم ضجيجاً عن ما تسميه “إبادة” الشعب اليمني من طرف قوات التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.

صار واضحاً أن المعايير الإنسانية والأخلاقية لا تهم إيران أصلا فهي مجرد دولة مافياوية متطرفة دينياً وعرقياً، وكل ما يهمّها هي مليشياتها التي تقاتل وتدمر الأوطان لصناعة إمبراطورية فارسية تظل هي شرطي المنطقة العربية يحمي الكيان العبري ويساعده في بناء دولته من الفرات إلى النيل.

الحلال لدى إيران أن تقتل أهل السنّة وتُبيدهم عن بكرة أبيهم وتمزّق أوطانهم، والحرام أن يحمي العرب وجودهم وكيانهم.

الحلال عند إيران أن تكون هي القاتل فقط، في حين لما تتحول إلى قتيل أثناء دفاع ضحاياها عن أنفسهم فهذا حرام في دينها ودنياها.

هذا ليس جديدا فتاريخ الصفويين مملوء بالجرائم ضد البشرية والفرق الوحيد أن آليات القتل تطورت والجرائم صار يراها كل العالم على المباشر.

لم يقتصر أمر الحلال والحرام على ما ذكرنا بل أن إيران حركت أجهزتها الاستخباراتية كي يطعنوا في كل مثقف أو إعلامي أو حقوقي أو مفكر أو كاتب يدافع عن عاصفة الحزم، ويتّهمونه بأنه مرتزق يتلقى الأموال من السعودية.

في حين أن المدافعين عن جرائم إيران وحروبها النجسة الطائفية شرفاء وأصحاب مبادئ ونخب فكرية رغم أن كثيرهم من التافهين الذين لم يجدوا لأنفسهم مكانا بين مجتمعاتهم وشعوبهم فراحوا يبحثون عنه لدى غزاة وبغاة.

بلا أدنى شك أن هدف إيران هو الهيمنة على العالم الإسلامي وهذه لن تتحقق لها إلا بزرع الخراب وتدمير أوطان العرب والمسلمين، وهو ما تنفذه بامتياز عبر مليشيات شيعية موالية لها، وتجلى ذلك بوضوح في العراق وسورية ولبنان واليمن ولعابها لا يزال يسيل لأجل أقطار عربية أخرى، وإن لم تتعدد عاصفة الحزم وتتمدّد سيتحقق لها ما تريده لا قدّر الله.

أنور مالك

المصدر:الخليج اونلاين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى