آراء ومقالات

كنت في أردن الشقيق

بدعوة كريمة من الجامعة الأردنية لإلقاء سلسلة محاضرات لطلبة الدراسات العليا في الجامعة عن التاريخ السياسي للخليج العربي، وعاصفة الحزم، والدولة العربية المنسية، قلت عن” عاصفة الحزم” إنها تختلف عن عاصفة الصحراء التي هبت على الخليج العربي عام 1991، فالأولى كانت بإرادة عربية مطلقة وبقيادة وتنفيذ عربي حازم، هذه العاصفة “الحزم” هدفها تحرير اليمن من قبضة الطائفية البغيضة التي اعتدت على العاصمة صنعاء واحتلتها بقوة السلاح واعتقلت السلطة السياسية بدءا برئيس الجمهورية وانتهاء باعتقال كافة أعضاء الحكومة (الوزارة) وتمددت هذه الطائفية المعتدية إلى كل محافظات اليمن بعون وتواطؤ جيش علي عبد الله صالح، وما كان على دول مجلس التعاون إلا أن تتخذ كافة التدابير لعودة السلطة الشرعية وإجبار البغاة على الانسحاب من كل المدن والمحافظات التي احتلتها إلى جانب التصدي للنفوذ الإيراني الذي درب وسلح ومول الفرقة الحوثية في اليمن الموالية لإيران.

أما عاصفة الصحراء فكان هدفها تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1990 وإعادة الشرعية الكويتية التي كانت تدير الشأن الكويتي من مدينة الطائف السعودية بعد الاحتلال، كان المخطط لتلك الحرب أمريكيا بريطانيا، ومنفذ العمليات جند أمريكان وإنجليز يعينهم على ذلك تحالف من 33 دولة وشتان بين العاصفتين. عاصفة الحزم وحدت العرب ورفعت شأنهم، وعاصفة الصحراء فرقت العرب وزرعت بينهم العداوة والبغضاء.
(2)
أما عن التاريخ السياسي للخليج العربي، فقلت: إن للخليج أهمية عبر التاريخ وليست أهميته تعود إلى اكتشاف النفط والغاز، وإن أول من تنبه لأهمية الخليج العربي الإستراتيجية الإسكندر المقدوني سنة 500 تقريبا قبل الميلاد عندما قال “لن أستطيع أن أطمئن على جندي وكياني في شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج بيد الفرس”. ومن هنا برزت أهمية الخليج العربي في الإستراتيجية الدولية وتصارعت القوى الأوروبية فيما بينها على الهيمنة على هذه المنطقة المهمة من العالم.

لقد تصدى عرب الخليج لكل القوى الغربية التي حاولت الهيمنة على الخليج العربي فتصدى اليعاربة (عُمان) للبرتغاليين وألحقوا بهم هزيمة كبرى، كما تصدوا لكل الغزوات الغربية، وكان للقواسم دور فاعل في التصدي للبحرية البريطانية، وهكذا كان الحال، الخليج عُرف بتصديه لكل الغزاة في الماضي والحاضر وسيتصدى لكل طامع في المستقبل.
(3)
أما الدولة العربية المنسية “دولة الأحواز” فقد صمت العرب عنها منذ أن احتلها الفرس بتواطؤ مع بريطانيا عام 1925 م، وقلت فيما قلت: الآن حصحص الحق، إيران تتدخل في كل الدول العربية وأخص بالذكر العراق وسورية ولبنان واليمن وجزر القمر والبحرين وغير ذلك من الدول العربية، وعلى ذلك فمن حق الدول العربية اليوم أن تتدخل بكل قوة، جهارا نهارا، لإنقاذ المستضعفين من أهل السنة الذين يعيشون في إيران من الاضطهاد الطائفي الذي تمارسه الحكومة الإيرانية عليهم، كما أن على الدول العربية مجتمعة أن تعمل بكل الوسائل لمساعدة أهل الأحواز على تحرير بلادهم من القبضة الفارسية. وجرت مناقشات غاية في الأهمية ومن المؤسف أن الكثير من طلاب التاريخ لا يعرفون عن هذه المنطقة من الخليج العربي أي معلومات ويعود ذلك إلى فشل التعليم العام وكذلك التعليم الجامعي عن تنوير طلابنا قادة المستقبل بحال أوطاننا العربية سواء في إقليم الأحواز أو اوغادين التي احتلتها إثيوبيا، أو لواء الاسكندرون، أو سبتة ومليلا في المغرب. من هنا فإن الكاتب يطالب الجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي بإعادة كتابة تاريخنا ليشمل كل الأرض العربية على أن يكون ذلك في كل مراحل التعليم.

(4)
خارج قاعات المحاضرات الجامعية، وفي منتديات تشرفت بزيارتها بموجب دعوات خاصة، دارت نقاشات حول دول مجلس التعاون الخليجي وعلاقته بالأردن وبعض الدول العربية مثل الصومال والسودان على سبيل المثال، البعض في مداخلاته يعبر عن عتب شعبي أردني على دول مجلس التعاون، أنها لم تقدم لهم العون وهم يواجهون جحافل من اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين ومن قبلهم اللبنانيون، هؤلاء اللاجئون يشاركون الشعب الأردني المحتاج لقمة العيش والماء والدواء، وكل هذه الأمور شحيحة في الأردن وكما قال البعض إن صيف هذا العام سيواجه أهل الأردن شح مائي رهيب الأمر الذي قد تقنن الدولة كمية شرب الماء لكل أردني وكل مقيم في الأردن خوفا من نضوب الماء. البعض الآخر يقول: خير أهل الخليج وصل إلى كل أصقاع الدنيا ونحن نثمن ذلك لهم ونقدره، يقولون أصحاب هذا الرأي نحن لا نريد مساعدات غذائية ولا سداد لمرتبات موظفي الدولة الذي بلغ العجز فيها أرقاما خيالية، نحن الشعب نريد مشاريع استثمارية منتجة لا استهلاكية نريد معونة للشعب في شكل بنزين وديزل وجاز وغاز لتخفيف التكلفة على المواطن والدولة في آن واحد. البعض من المشاركين المحبين لدول الخليج العربي يقول: إن بعض دول الخليج وعدت بتنفيذ مشاريع على شكل مساعدة ولكنها لم تبدأ بعد رغم أن دراسة الجدوى قد وصلت لتلك الدول ونحن مازلنا في الانتظار، لم نفقد الأمل لأن إخواننا في الخليج يعلمون حالنا ولن يتركوننا نسقط في أحضان من لا نحب ولا نرضى بديلا عن أهلنا وإخواننا العرب.
آخر القول: مهما كان دفاعي عن الدول الخليجية في مجال المساعدات الاقتصادية المنتجة والفاعلة فإنه يبقى ضعيفا لأن أصحاب الحاجة أقوى حجة وأبلغ قولا، والخليج مقدم على تحديات ولن يقف معه بكل صدق وشهامة إلا الشعب الأردني الشقيق لأسباب وأسباب. حفظ الله أمتنا العربية من كل مكروه.

د:محمد صالح المسفر

المصدر:صحيفة الشرق القطرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى