آراء ومقالات

#أحوازنا- الخليج العربي بين قبضة إيران وعباءة سلمان

من هي الدولة التي بدأت تاريخها الحديث بعد ثورتها العتيدة بمعاداة الشرق والغرب والجيران والأباعد، وأهل الخير وأهل الشر!؟

من هي الدولة التي اعتدت على مقار ديبلوماسية واحتجزت الديبلوماسيين الممثلين لديها في أسوأ حادثة اعتداء ديبلوماسي في تاريخ الإنسانية!؟ ثم امتدت يدها لتختطف العديد من الديبلوماسيين الغربيين، عبر عملائها في لبنان، خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، لتستخدمهم أوراقاً سياسية تحقق من خلالهم مآربها الحقيرة!؟

من هي الدولة التي انقلب صانعو القرار فيها على كل المبادئ التي قامت عليها ثورتهم منذ أول يوم!؟ من هي الدولة التي تعلن العداء وتبطن الولاء للبيت الأبيض والأحمر وكل ألوان الطيف!؟

من هي الدولة التي تزعم نصرة الأمة المسلمة في قضيتها الأم، وتنحر رجال الأمة ونساءها في أرض المحشر والمنشر!؟

لا تحتاج إجابة هذه الأسئلة إلى كثير ذكاء، وإن كانت تحتاج إلى قليل من العبقرية لاستشراف المآلات التي ستودي بصانعي القرار فيها وبأهلها، حين تفرغ الأمة من معاركها الجانبية لتتجه شرق خليجها الضيق، حيث مرت من هناك جحافل أسلافها في أكبر انتصار بشري سجلته صفحات التاريخ الناصعة.

إيران .. هي دولة الخير والشر، دولة الغنى والفقر، السلم والحرب، الدين والمال، الكبرياء والبساطة، العمائم النووية والمتناقضات السياسية، الدهاء السياسي والحمق الفارسي، دولة توشك أن تجمع الجنة والنار في دنيا الفناء والخلود.

عبر تاريخها القصير، ومنذ أن أسقطت "أخطر عملاء الغرب"، استطاعت لِحَاها أن تزاوج بين الدين والسياسة لتكسب عاطفة الأمة المكسور جناحها، فيما ظنه الكثير من أبناء الأمة باباً فتح من السماء، فإذا به كبيت فرعون الذي شُرِّعت أبوابه ليشبَّ في جنباته موسى، ثم لم يعد يقبله أو يتقبله.

اليوم حيث سقط الإزار الديني وبان ما تحته، لم يعد رجل الشارع العربي يحتاج إلى كثير إقناع لمعرفة حقيقة الحقد الفارسي على الأمة العربية والمسلمة.

فبعد إعلان السعودية عن سحب ممثليها من طهران، وطرد الديبلوماسيين الإيرانيين من بلادها، اكتسبت السعودية شعبية لم يكن لها أن تكون قبل أن تخزى إيران بسبب مواقفها العدائية في سوريا والعراق واليمن.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تكسب فيها قبلة المسلمين الدينية، قلوب وعقول البسطاء والأذكياء في العالم العربي والإسلامي. إذ كان قبل ذلك موقف العاهل السعودي من إزاحة رأس النظام السوري، الذي لا يقبل الجدل، حيث ارتفعت نتيجة لذلك أسهمه عالياً في سماء الأمة العربية والمسلمة. تماماً كما فعلت سياسة حزمه جنوباً التي آلت على نفسها بتر اليد الفارسية هناك.

اليوم تدرك السعودية أنها ليست وحدها في معركتها ضد الصفويين الجدد. وأنه ربما كان قدرها أن تملأ الفراغ السياسي في الأمة المسلمة في هذا الوقت العصيب، وتحقق آمال شعوب الأمة، التي باتت توقن أن الفرق بين الصهاينة والصفويين هو مجرد مسألة جغرافية.

ذلك أن ما صنعته اليد الصفوية في أزقة الشام الآمنة منذ عام 2011، جعلت العرب العاربة والمستعربة تكفر بـ"المخلص الديني" القادم من شرق الخليج، حين أدركت متأخراً خطره عليها.

إنني أتحدى أكبر سياسي في إيران اليوم، أن ينظر في براءة عيني أصغر طفل في سوريا ويشرح له، لم دمرت بلاده الأرض المباركة، بطريقة لا تجرؤ على فعلها أشد العصابات اليهودية تصهيناً!

إنني أتحدى الإعلاميين الفرس الذين ملؤوا الدنيا صراخاً وعويلاً في التباكي على حقوق الإنسان حين نفذ حكم الإعدام في مارق، أن ينظروا بعين الشفقة ذاتها ليُسمعوننا رأياً حكيماً أو قولاً مقنعاً حول الإعدامات التي تحدث في أرجاء بلادهم ليلاً ونهاراً! إنني أتحدى جهابذة الفرس ودهاقنة سياساتهم أن يتحدثوا في محفل عام عن "البراميل المتفجرة" التي يلقونها ليلاً ونهاراً على بيوت الآمنين في الشام وفي العراق!

لا .. لن يرى أولئك المرتزقة دماء وأشلاء الأبرياء في سوريا، ولن يسمعوا صيحات المحاصرين في تعز، ولن يكترثوا بأنات الثكالى في العراق. لأنهم هم الذين صنعوا ذلك الواقع وأعانوا عليه.

وإذا كان الصفويون الجدد قد فعلوا ما فعلوه في الشام وفي العراق وفي اليمن دون سبب وجيه، فكيف يفعلون بنا لو حصلت بلادهم على السلاح، الذي يبدو الشرق والغرب اليوم أكثر حرصاً منهم على حصول بلادهم عليه!؟

ولكن، وبفضل ما من الله به على الأمة من استشراف الخطر الفارسي من قبل صناع السياسة السعودية الجدد، التي ما تزال مفاجآتها تسرنا كل حين بما تشرئب إليه أعناق الأحرار في العالم العربي والإسلامي، فإن الخليج وبقية الدول العربية توشك أن تتحرر من قبضة الهيمنة الفارسية. وهاهي تنادي اليوم بأعلى صوتها: "لا منقذ للخليج وبقية الدول العربية من الهيمنة الفارسية بعد الله تعالى سواك يا سلمان".

إذ الأمل معقود إن شاء الله تعالى على الرجل الذي فعاله أنطق من مقاله. إلا أنه لا بد من التحذير من السياسات السوداء للبيت الأبيض، الذي زعم أنه في خلاف عقدي وسياسي واقتصادي وديني مع "محور من محاور الشر"، لنكتشف بعد ثلاثة عقود من التدليس أنه ينام مع عاهرته في نفس الفراش!

لذا، أقول للقائد الفذ سلمان ورفاقه من حكام الخليج "صادقوا أمريكا ولا تصدقوها".

محمود مبارك 

المصدر : خليج أونلاين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى