آراء ومقالات

ثورة العراق والعداء التاريخي المتجدد

يقال ان العراق جمجمة العرب وهذا يعني ان لهذا القطر العربي الأصيل تاريخا ً موغل في القدم، يجسد الإرث العربي العظيم علمياً وسياسياً وحضارياً، مشيداً على أرض الرافدين معالم يشهد لها العالم في مركزية هذا البلد العريق في مسار أحداث تاريخ المنطقة.وبالرغم من تعرضه إلى التجاوز والعدوان المستمر عبر التاريخ لكنه في كل كبوة لجواد سيرورته، ينهض وينفض غبار الماّسي ويستعيد دوره العربي الحضاري.منذ اندلاع شرارة الثورة العراقية التي تمثلت بالإعتصامات السلمية في ساحات الكرامة والمطالب المشروعة للجماهير العراقية المعتصمة، لاحت في الأفق تطلعات الشعب العراقي نحو التغيير الجذري (الثوري) للواقع المرير الذي فرضه الإحتلال المزدوج الأمريصفوي.

وكانت تلك الإعتصامات عبارة عن تمهيد وتنظيم للطاقات الثورية الكامنة في القاعدة الشعبية، ونتيجة للمجازر التي إرتكبها المالكي بحق المعتصمين ثار الشعب العراقي بجميع تنظيماته الثورية وتيارته الوطنية والإسلامية والقومية. وكانت هذه الثورة موعد لفجر إنبلج في الموصل وصلاح الدين والأنبار وسائر المحافظات العراقية التي تسابق ثوارها مع رصاص البنادق لكي ينهي عقداً من الظلم والجور والإحتلال الأجنبي.

هذه الثورة التي جائت لكي تعيد العراق لمركزه التاريخي ودوره العربي الريادي، إستقبلها الإعلام العربي بإنقسام واضح لا يخدم إلا المصالح الأجنبية في منطقتنا الإستراتيجية، حيث تعامل مع هذه الإنتصارات التاريخية بضبابية وبعيدا عن الإنصاف، فنسبها جزء من هذا الإعلام إلى داعش وجزء اّخر نسبها إلى فصائل اسلامية متشددة، متجاهلاً المشاركة الجماعية لكل الفصائل بجميع إنتمائاتها الوطنية والإسلامية والقومية تاركا الواقع العراقي العام وحقيقة مجريات الأمور خلف الدعايات الفارغة.

وبالطبع لم يقتصر الأمر على التظليل الإعلامي فقط، بل إن بعض المراجع الصفوية ذهبت بعيداً في الأمر حتى أفتت بقتال الثوار العراقيين علانية، فكان في صدارة هؤلاء المرجع “عراقي الشكل وفارسي المضمون” السيد السيستاني.

لم تنسى ذاكرة العراقيين موقف السيد السيستاني في عام 2003م عندما غزى المحتل الأمريكي العراق حين أفتى قائلاً: “لا وجود للجهاد في زمن الغيبة والدفاع له مراتب لا يجوز تخطيها.” بينما نجده اليوم، يصدر فتوى حمل السلاح ضد ثوار العراق وذلك على لسان ممثله عبدالمهدي الكربلائي يوم الجمعة 13 حزيران يونيو حين تحدث: “على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للإنخراط بالقوات الامنية لتحقيق هذا الغرض المقدس”.

يذكرنا هذا الموقف للسيد السيستاني بالأحداث التي حدثت قبيل وبعد إحتلال قطر الأحواز العربي، حيث تم إستغلال وتجنيد الحوزة العلمية في النجف لتطبيق المخطط الفارسي البريطاني الذي إنتهى بإحتلال قطر الأحواز عام 1925م. والذي وضع الشعارات الطائفية جسراً لتمرير مشاريع استعمارية مازالت الأمة تدفع ثمنها لغاية اليوم.

فعلى سبيل المثال يذكر الكاتب جلال هارون الأنصاري في كتابه تاريخ “عرب الهولة والعتوب” أنه عندما بدأ القواسم بتوطيد علاقتهم مع المملكة العربية السعودية والتركيز على بناء اسطول بحري يستطيع المحافظة على كيانهم في الضفة الشرقية للخليج العربي، أدركت بريطانيا هذا الخطر المحدق بمصالحها فتحالفت مع الدولة الفارسية، وبدأت الأخيرة بوضع المخطط الطائفي لإستغلال شيعة لنجة لمآربها ومصالها القومية بغية الإستيلاء على هذه الإمارة العربية وموقعها الإستراتيجي الحاضن لمضيق خور موج (هرمز).

عند ذلك بادرت بريطانيا بمهاجمة الدرعية عاصمة السعودية آنذاك من جهة، كما هوجمت لنجة عاصمة القواسم التي كانت تحت ظل حكم الشيخ محمد بن خليفة القاسمي من قبل الدولة الفارسية من جهة أخرى. وبالرغم من المقاومة الشرسة للقواسم إلا أن القوات الفارسية إستطاعت دخول لنجة في 20 شوال 1316 هـ، بعد تفكك الصف العربي الواحد اثر الإصطفافات الطائفية (ما بين سني وشيعي) وعاثت بالمدينة دماراً وفساداُ.

إن شعار نصرة الشيعة الذي وظفته الدولة الفارسية في احتلال إمارة لنجة ما كان سوى مخطط فارسي غربي بغية إحتلال الإمارة العربية وليس نصرة للشيعة كما كانوا يزعمون. كما ان إحتلال شمال الأحواز ذات الأغلبية الشيعة دليل أخر على عدم مصداقية نوايا الدولة الفارسية تجاه الشيعة العرب. حيث قام رضا بهلوي قبيل غزو الإمارة الكعبية عام 1925م، بزيارة خاطفة لمراجع الشيعة في النجف للتنسيق معهم حول عدم اصدار أي فتوى ضد قواته التي كانت على أهبة الإستعداد لإحتلال الأحواز.

ثم وفي طريق عودة رضا شاه، دعى الجنرال زاهدي قائد قوات الدولة الفارسية، الشيخ خزعل، أمير الأحواز إلى حفلة وداع، تم فيها أختطافه وإحتلال بلاده فكانت تلك مؤامرة فارسية-بريطانية لم تنساها ذاكرة الشعب العربي الأحوازي.

إن الغريب في الأمر أن الشعوب العربية لم تتعظ من أحداث التاريخ، فهذا التكاتف الفارسي-الغربي ضد الأحواز والعراق وجميع الدول العربية ليس صنيعة اليوم، وإذا قمنا بإستعراض تاريخي بسيط له، سنجده بدأ فعلياً بوصول الصفويون إلى سدة الحكم في بلاد فارس.

أمثلة للتعاون الفارسي – الغربي تاريخياً

التحالف الفارسي الغربي بدأ في التاريخ الحديث، خلال العهد الصفوي عندما زار وفد من الأسطول البرتغالي، الشاه اسماعيل في عام 1513م واتفق الطرفان على عداء الأمة العربية والإسلامية والتخطيط لضرب مصالحهما اينما تكون. ومن ثم عَزز هذا الإتفاق، التقارب البريطاني- الصفوي والذي تم بناءا عليه إنشاء مصنع لمدافع الجيش الصفوي يترأسه الأخوين روبرت وأنتوني شيرلي الإنجليزيان في عام 1598م/1007هـ لدعم الجيش الصفوي ضد الجيش العثماني في زمن الشاه عباس. وبالطبع يعتبر الشاه عباس اقوى ملوك الصفوية، وهو أول من قام بتحالف مع الأوروبيين للسيطرة على الخليج العربي وفتح أسواق التجارة لهم، بعد أن كان الخليج تاريخياً مُلكاً للعرب فقط. إنتهى هذا التحالف بإحتلال جزيرة خور موج (هرمز) العربية في عام 1622م.

والملفت للنظر أن هذا التحالف الإستراتيجي استمر حتى بتغيُر الأنظمة التي حكمت بلاد فارس، فعندما كان نابليون في أوج قوته عقد معاهدة تحالف عسكري مع القاجاريين عام 1807م بقصد تقوية وتعزيز الجيش وتمكينه في صراعات المنطقة.

وفي نفس الفترة إنعقدت معاهدة تحالف دفاعي بين الدولة القاجارية وبريطانيا عام 1814م، تلتها معاهدة أخرى في عهد رضا شاه عام 1919م، تعهدت بريطانيا فيها بمد الدولة الفارسية عسكرياً ومادياً، والحفاظ على أمن وإستقلالها.

تثبت الأحداث التاريخية أن الغرب وجد في فارس مكونات العدو الإستراتيجي للعرب وعلى هذا الأساس إستمر بالتحالف المادي والمعنوي مع الدولة الفارسية ذات النزعة العنصرية والطموح التوسعي ضد العرب.

واليوم بعد إندلاع الثورة العراقية الأبية، نرى أن التاريخ يعيد نفسه، فالأعداء ذاتهم مازالوا بذلك الحقد الدفين يستغلون الورقة الطافية والمذهبية مرة أخرى لضرب الثورات العربية وإثارة الفتنة في العراق، سوريا، البحرين، اليمن ومصر في ظل صمت عربي مميت.

لذا وكي لا تنجح الدولة الفارسية في تطبيق مخططاتها التخريبية والتوسعية في الوطن العربي، من الواجب اليوم التحرك العاجل وإتخاذ الموقف المشرف إزاء الثورة العراقية التي جاءت لكي تعيد الحق العربي إلى أهله وتستعيد مكانة العرب التي أغتصبت في العراق الأشم.

فلا شك ان مكونات الثورة العراقية وأركانها تدل على نتائج إيجابية سوف تأتي بالنصر عاجلاُ أم آجلا، لكن على الدول العربية وقواها المناضلة أن لا تفوت فرصة الوقوف إلى جانب الشعب العراقي الذي لم يبخل بدماء أبنائه على العرب في يوم من الأيام. ولكي لا يسجل التاريخ على العرب موقفاً سلبياً اّخر تجاه العراق، من الواجب التحرك قبل فوات الاوان.

 

المصدر : شبكة البصرة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى