آراء ومقالات

إيران الإسلامية، بيئة ملائمة للسرقة والإدمان والانتحار

 لعل ما يلفت النظر ويثير الاستغراب في العاصمة الإيرانية طهران في الآونة الأخيرة كثرة التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي بدأت تظهر للعلن، وخاصة بعد مجيء الرئيس حسن روحاني، الذي اتخذ لنفسه وحكومته سياسة الحياد مع كافة الأطراف المتصارعة على سدة الحكم من متشددين وإصلاحيين وغيرهم من المجموعات الاقتصادية الدينية والسياسية، التي تنضوي عادة تحت مسميات عدة تدين بالولاء للمؤسسة الدينية، وهرم النظام المرشد علي خامنئي (خامنه­اي)، وذلك تحت الضغط اليومي من قبل المؤسسة العسكرية والثقافية والأمنية (الحرس الثوري)، وأداته (الباسيج) الفاعلة والنشطة في تطبيق سياسات النظام داخلياً، وغالباً ما يكون هذا الولاء شكلياً ومصلحياً، وينقسم هذا الولاء إلى قسمين أساسيين، الأول: ينطبق على نسبة كبيرة من الفقراء والمحتاجين من المجتمع الإيراني الذين لا حول لهم ولا قوة، والثاني: الشريحة المنتفعة من النظام والتي تتكون من الساسة ورجال الدين والتجار، كما أن هنالك شريحة عريضة من المجتمع سلمت للأمر الواقع وقررت أن تستمر بالحياة بعيداً عن كافة التجاذبات الحالية في الدولة والمجتمع، وعلى إثر هذه التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية برزت عدة ظواهر اجتماعية خطيرة في المجتمع الإيراني منها:

 إيران بيئة ملائمة للسرقة المنظمة،بسبب العشوائية في إدارة الدولة والمجتمع، وتولي المناصب الهامة والحيوية من قبل أشخاص غير مؤهلين، ومحسوبين على رجال الدين وصناع القرار في طهران،تحولت إيران إلى بيئة ملائمة للسرقة والتزوير والفساد، فعندما يصرح مساعد الشؤون الاستراتيجية للقضاء الإيراني محمد باقر ذو القدر بتاريخ 9/1/2013 أنه بات يدخل السجون الإيرانية سنوياً 600 ألف مواطن إيراني بسبب السرقة والتزوير، فهذا يعني أن إيران تعيش أزمة بنيوية اجتماعية حقيقية، كما أن حديث المسؤول الإيراني هو مؤشر حقيقي لفشل النظام السياسي الحاكم في طهران، فالسرقة تبدأ من كبار الساسة ورجال الدين مروراً بالفئات الدنيا من المجتمع الإيراني، والفضائح الاقتصادية الكبيرة والمتنوعة للمسؤولين وأبنائهم لا تعد ولا تحصى، والتي قال عنها بعض مسؤولي وزارة العدل أنه في حال ذكرها للعامة فقد تشكل هذه الفضائح أزمة حقيقية لسمعة النظام داخلياً وخارجياً، وبالنتيجة، فإن ظاهرة السرقة والتزوير والفساد في جمهورية إيران الإسلامية، باتت مستشرية في كافة المؤسسات الإدارية والحكومية، ثم انتقلت للشارع الإيراني عموماً.     

إيران بيئة ملائمة للإدمان وتجارة المخدرات، يرى الكثيرمن علماء الاجتماع أن الأسباب الحقيقية وراء الإدمان وتجارة المخدرات في المجتمعات هي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية، وإن نظام طهران وبسبب سياساته الخاطئة في إدارة البلاد أوصل المجتمع الإيراني إلى حالة مأساوية، وقد عبر حسين نقوي حسيني المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية للمجلس عن حيثيات التقرير السنوي المقدم للبرلمان الإيراني بتاريخ 19/8/2014 من قبل الوزير عبد الرضا رحماني فضلي في تقريره السنوي لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان) عن الإدمان وتجارة المخدرات في إيران، “بالكارثة”، واستناداً لتقرير وكالة “إيسنا” الطلابية، فإن حسين نقوي حسيني، وصف التقرير المقدم من قبل وزير الدولة عبد الرضا رحمان فضلي، بـ الكارثة، مؤكداً أن التقرير قد وصفه النواب بالمفزع والخطير، كما أن التقرير المقدم من قبل الوزير والذي ناقشه النواب في جلسة غير علنية وخلف الأبواب المغلقة، يتحدث عن أن عدد المدمنين على المخدرات يتجاوز الـ مليون وثلاثمائة ألف شخص، والاستهلاك اليومي للمخدرات في إيران أكثر من طن ونصف الطن يومياً، أي ما يقارب 573 طن سنوياً، وبناءً على هذا التقرير فإن نسبة المدمنين على الشيشة (نوع من أصناف المخدرات المنتشرة بشكل وسيع في إيران وأخطرها) في السنتين الماضيتين ارتفعت من 3.6 بالمئة إلى 22 بالمئة.

والجدير بالذكر، أن صحيفة “آرمان” نقلاً عن المدير العام السابق لمركز مكافحة المخدرات، أكدت أن عدد المدمنين على المخدرات في إيران يتجاوز الـ 3 مليون و600 ألف شخص، غير أن المؤسسات غير الحكومية تشير إلى أن عدد المدمنين أكثر بكثير من الإحصائيات التي تتحدث عنها الحكومة الإيرانية.  

واستناداً لتقارير أخرى، تفيد أن المخدرات منتشرة بين كافة شرائح المجتمع الإيراني، إذ يؤكد المركز الإيراني لمكافحة المخدرات أن نسبة النساء المدمنات على المخدرات في الثلاث سنوات الماضية ارتفعت من 5.2 إلى 9.3 بالمئة، كما ارتفعت نسبة المخدرات بين طلاب الجامعات إلى أكثر من 6 بالمئة مقارنة بالسنوات الماضية، ويؤكد حميد صرامي المدير العام لمركز البحوث والتدريب لمكافحة المخدرات، أن عدد الطلاب المدمنين على المخدرات 6.2 بالمئة من طلاب الجامعات الحكومية، و6.1 من طلاب وزارة الصحة!! 

وبناءً عليه، يرى علماء الاجتماع الإيرانيون أن الإدمان على المخدرات يشكل 55% من أسباب الطلاق، و25% من أسباب العنف الأسري، و24% من جرائم القتل، و35% من جرائم السرقة.    

سياسات نظام طهران تشجع على الانتحار، بسبب الفقر والجوع والحرمان، ولا سيما الإذلال اليومي للمواطن الإيراني من قبل مؤسسات النظام، ولاسيما رغبة المؤسسة الدينية في تسيير الحياة اليومية بأية طريقة، أصبحت حياة الموطن لا تطاق، وتشير الإحصائيات الرسمية، أن نسبة البطالة في إيران ارتفعت مؤخراً لتصل إلى 10.7%، كما أن نسبة البطالة بين الشباب (15 -29) تجاوزت 24%. ومن جانب أخر تفيد المؤسسات غير الرسمية والمعنية في هذا الخصوص، أن نسبة البطالة في إيران أكبر بكثير من النسبة المعلنة من قبل النظام، وتؤكد هذه المؤسسات أن بعض المحافظات الإيرانية تصل نسبة البطالة فيها إلى 45%.

ويعزو خبراء علم النفس الأسباب الحقيقية والمباشرة في ارتفاع حالات الانتحار إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن سياسات النظام في طهران، فإن الإحصائيات الرسمية الإيرانية تشير إلى أن عدد الذين انتحروا خلال العامبلغ 4055 شخصاً، أي ما يعادل 11 شخصاً في اليوم الواحد، وبناءً على تقرير “وكالة إيرنا” للأخبار، أقر رئيس الطب الشرعي الإيراني أحمد شجاعي بتاريخ 17/8/2014 في إحدى الندوات المقامة من قبل مركز الأبحاث للأمراض الاجتماعية (مركز مطالعات پژوهشی آسیب­های اجتماعی)، أن نسبة الانتحار ارتفعت إلى 17% مقارنة بالعام الماضي، حيث قال المسؤول الإيراني: “إن هذه الإحصائية مقلقة، وتعكس أن المجتمع الإيراني يعاني من أزمات نفسية”، كما أكد أحمد شجاعي قائلاً: “يجب على النظام أن يخفف من هذه الأمراض والأعراض الاجتماعية، ورغم أننا -النظام الإسلامي في طهران- ندعي أن حكمنا على أساس المبادئ الإسلامية، لكن في الكثير من المجالات لم نتطور وهذا يعتبر تأخراً”.   

وعلى الرغم من هذه الظواهر الاجتماعية السلبية والخطيرة والمتجذرة في المجتمع الإيراني، والتي أثرت كثيراً في سلوكيات المواطنين، فإن الدولة لم تهتم بمعالجتها بقدر ما تحارب التوجهات السياسية والعقائدية والقومية المتصاعدة بين أطياف المجتمع الإيراني والمتأثرة من الحراك السياسي والقومي والمذهبي المستمر في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تفيد المعلومات أن هيبة الدولة، وسمعة النظام في إيران تمران بأسوأ حالاتهما منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979، كما أنه لم يعد خافياً على أحد أن نظام الولي الفقيه بات منفوراً منه في الشارع الإيراني أكثر من ذي قبل.  

المصدر: مركز المزماة للدراسات والبحوث 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى