آراء ومقالات

مدخل إلى فحص الكلام الأحوازي بشأن مشكلة السياسة 14/20

(قراءة أسباب عدم التحول من المجتمع العشائري الديني التقليدي إلى المجتمع الوطني
الجديد)

 

  ثالثاً- العشائرية لا تحتاج دعاة إلى إحياءها

(إن القبيلة لم
تعد لها إطلاقاً أية وظيفة في إبطال الخطاب الفارسي، ولا أية مهمة في التاريخ  المعاصر عند الكلام عن التغيير )

ماهي الدوافع وراء الصراعات الداخلية الأحوازية – الأحوازية عند الأجيال الأربعة
أليس هي عشائرية مكبوتها وظاهرها وتم تلبيسها اسم الوطنية شكلاً عند دعاة العمل السياسي
؟

لنعطي تعريفاً مختصراً عن العشائرية قبل أن نسجل ملاحظاتنا عن دورها كثقافة
في بواعث الصراعات التي لم تهدأ يوماً ليس في مجتمعنا، بل إن ساحتها هذه المرة عند
من ارتدى لباس الوطنية، فنقول بأختصار- إن العشائرية هي أن تفضل أفرادا بعينهم من أبناء
المجتمع الذي تعيش فيه، فترتبط معهم، كفرد دون غيرهم بعلاقة الدافع هو إما العصبية
والجهوية إما مصلحة ضيقة فئوية مجتمعية أو سياسية، فيرى الفرد في مجموعة بعينها أفضلية
على سواها فيتحالف معهم والأسباب ليست الكفاءات والمؤهلات أو علاقة الوطن، فيمارس الفرد
منا وفق هذا الاتجاه نوع من القطيعة و الخصومة بوعي أو دون وعي مع أفراد أخرين من أبناء
نفس المجتمع. إن هذا أساس بنية المجتمع العشائري الذي يختلف عن بنية المجتمع الوطني
وفق مفهوم المواطنة في العلاقة والنظرة، فالعشائرية كنظام مجتمعي على صعيد الرابطة-
الولاء والوعي واضح كنظام

أولاً: نقيض الوطنية وأن شعورها الضيق يعتبر عدوا وخصما يضّعف ويفكك الرابطة
الوطنية ويساهم في إفشال مقاصدها دون أن يدرك الفرد العشائري المنطوي فيها ذلك الأمر
وهنا تكمن خطورة حماية الوعي العشائري على حساب الوعي الوطني،

ثانياً: كما وأنها نقيض الطبقة التي تجمع مختلف الشرائح وفق مصلحة واحدة هي
المنفعة دون أن يكون للعصبية أثر فيها كانت عصبية قبيلة أو دينية ونضيف كذلك العشائرية
لا تستطيع أن تؤدي دور حماية الهوية لشعب يتألف من قبائل وعشائر . لهذا قلنا منذ سنوات
طويلة وكررنا القول إن أسوأ ما يواجهنا خلق مشاكل نحن في غنى عنها هي ليست سوى تزييف
وتشوه كترديد أقول متهافته بأن القبيلة هوية لنا، فهو يصدق كلام  مفكر ألماني عليهم (( محقون فيما يثبتون ومخطؤون
في ما ينفون))، محقون بأننا نواجه أزمة هوية، ومخطؤون في نفيهم الوطنية  كحل لمعالجة أزمة الهوية لنا، حيث إن دعوة القبيلة
تعني نفي للوطنية وأن هذا مأزق وأزمة فكرية بحد ذاتها، فهل  فهموا هذا ؟ وهل يمكن تشييد ثقافة لمواجهة هجوم
الخطاب الإيراني علينا بدعوة القبيلة وطلب نصرتها وهل تحتاج دعوة وهي موجودة وما الذي
يؤخذ سنداً من القبيلة الداعي إليها ؟

 إن الميول نحو القبيلة والدفاع
عنها كان في المرجعية التراثية العربية قبل الإسلام وهو أمر كان مفهوماً ومفروضاً  معاً عندما كان العربي يحتاج إليها ينتسب ويفكر
من داخلها أما في العصرالحديث فإن هوية العربي أخذت منحى وتعريفاً جديداً ان كان في
مرحلة الاحتلال ومواجهة الاستعمار أو فيما بعد مرحلة الاستقلال الوطني، تلك وهذه  أصبحت المرجعية لهما كهوية للعربي تجد أصلها وفصلها
في مرجعية النهضة الحديثة أسميناها القومية أو الوطنية للتمايز عنه، إضافة إلى أن مفهوم
العشائرية تم إستبعاده من فكر النهضة ونقده كمانع أما بناء الدولة الحديثة والتحول
من المجتمع التقليدي نحو الوطني أو المدني كما هو مطروح، إذاً القبلية لا يستقيم منطقها
ومنطق عصر النهضة والتجديد هذا من جانب عدم الاستعانه فيها لتؤدي أية وظيفة في النهوض،
الجانب الأخر نرى أن سلاح الخطاب السياسي في عصرنا وما يخص مشكلتنا الأحوازية لنكون
صرحاء وعلى وعي بالمسؤولية والموضعية سلاحنا هو مفهوم الوطنية وليس مفهوم القبيلة.
ونؤكد على أن هذا التغيب  يلاحقنا بأخطائه الكثيرة
التي أدت إلى  ظهور كثير من المشاكل وفي مقدمتها
(غياب حوار الفكر وبقاء حوار الصم) حتى دفع ببعص من الزملاء والأصدقاء ليذهبوا بعيداً
بالقول إن العشائرية أو القبيلة هي هوية حافظة لوجودنا العربي وأن هذا القول الأخير
يصدق على تعريف العربي لنفسه و انتماءه ليتميزعن غيره في المرجعية التراثية قبل الإسلام،
ولكن هذا الانتماء الأخير لا معنى له ولم يقل فيه أحد أو لجأ إليه من دعاة القومية
أو الوطنية في المرجعية النهوضية الحديثة العربية وهي تناهض الاستعمار والمحتل ونضيف
أن مكونات الوطنية لا تُعد القبيلة منها وبالتالي مقومات الوطنية شيء ومقومات القبلية
شيء أخر، ونرى بأن القبيلة وهذه وجهة نظرنا منذ سنوات طويلة كتبنا عنها هي لا تساعدنا
ولا تزودنا بما نحتاج إليه فهي ليست مرجعية فكرية حتى ننهل منها ما يساعدنا على صعيد
فهم ذاتنا من أجل تطويرها ولا تقدم لنا بضاعة نواجه بها الأخر الإيراني، إذاً وهذا
وضعها ما الدافع وراء التمسك فيها نرجو من الدعاة لها الإتيان بالأسباب وراء دفاعهم
عنها، فهي سلاح بائد لا يستقيم وعصرنا ولا تقدم لنا ما يساهم في حل مشكلتنا الأحوازية
ومن يدعو إليها نقول حر في أراءه لا خصومة لنا معه ولكن من حقنا القول إنه خاطئ في
ما يذهب إليه في فهمه لمشكلتنا وطرح الحل لها لا أكثر.

ونضيف كذلك أن سيطرة وبقاء أو إبقاء الشعور العشائري وحده له قول الفصل، شعور
لا يستطيع أن يناهض  الخطاب الفارسي وإبطال  دعواه ومواجهة حججه، فهو شعور لا يملك دعوة النهوض
ولا يستطيع أن يقوم بهذا الدور لأنه أساساً ليست من وظيفة ولا مهمته العشائرية ذلك
الأمر وربما الكثير يجهله، أي منطق  ظهور المفاهيم
ووظائفها . إن اليوم فعلاً عندنا يحتاج النهار إلى دليل كي نستدل عليه بعد كل هذا الجهل،  ولإثبات على ما نقول هو إننا لا نحيل القارئ على
التعريف بأصل وفصل القبيلة ذلك فعلناه في أكثر من دراسة (أنظر- التمهيد)، وكما يقول
العرب لكُلّ مقام مقال، وإنما شواهدنا التي نأتي فيها هنا نستقيها من واقعنا الأحوازي
والذي ندعوه (ساحة السياسة  العشائرية) للتميز
الإجرائي فقط عن مجتمعنا العشائري الأكبر الذي من جوفه خرجوا دعاة السياسة الذين نعيهم  ونستدل بما يكفي من الشواهد  لقولنا هذا. وفي سبيل هذا الأمر  نرصد مواد أو شواهد أحوازية خالصة نرى أنها أفضل
من تقوي موضوعنا وهل نحتاج شواهد أصدق وأكثر معنى وملائمة لموضوعنا من هذا الذي نحيل
إليه، أقصد  ذلك ما أقر فيه بكل وضوح من قبلنا
من عاصروا التشرذم القبلي مناضلي الجيل الثاني من الأحوازيين، وهو الذي يتكرر ومتواصل
بوجوه مختلفة تتلون وفق تغييرات الزمان والمكان فنطلق عليه تسمية (الصراع الداخلي الأحوازي
– الأحوازي العشائري) والذي يحاول الجميع تغطيته وإخفاءه باسم الوطنية فيما هو صراع
مضمونه ودوافعه عشائرية لا يمت بصلة بالوطنية ولا حتى بالسياسة الحديثة التي أساسها
الحوار وطرح الآراء إضافة إلى الديمقراطية كما جاءت الإشارة إليها في فقرة سابقة، فنعود
ونقول بأن مصلحة العشيرة شيء ومصلحة الوطنية شيء ثانٍ، كما أن الكلام العشائري والشعور
والرابطة والولاء وحقوق العشيرة وواجبها على أفرادها شيء، ومعاني الوطنية والرابطة
ومساحتها شيء أخر من يريد أن يفحص ويقرأ التعاريف عن تلك وهذه يدرك الفارق والتناقض
بينهما .

 أننا ربما نبحث عن السياسي في النظام
العشائري عسى أن نجد له مقومات ومعاني عند من يدعو ممارسة السياسة  وأليس هذه مفارقة ؟ كيف لا ونحن لا نريد أن نجد
بداية تكوين ولا نؤسس للوعي العشائري فهو بضاعة القدماء إما الوطنية هي مولود جديد
في اللفظ والمعنى .إن من يدعي غير هذا يجهل منطق عصرنا ويجهل وظيفة المفهوم وفعلاً  نواجه أزمة مفاهيم وقلنا في هذا الأمر يجب أن نميز
بين صاحب النظرة المفكر والمثقف وبين المتعلم، فهذا الأخير يحتاج أن يدرس معنى الفكر-
المفهوم ولا يكتفي فقط بالمطالعة وحفظ الأسماء فهي وراء ظهور مشاكل لا معنى لها أو
هي لا تنتج حلول سوى التشرذم والجهل، فنعود ونواصل القول إن الشعورالعشائري ينشئ صراعا
داخليا يؤدي إلى التشرذم،حيث إن هذا الاتجاه تمثل بكل معانيه في واقعنا الأحوازي بشكل
عام وعند دعاة العمل السياسي بشكل خاص.

ماذا نستنج من خلال هذا المرور السريع ؟ الإجابة هي علينا أن نقوم  بجولة سريعة في تاريخنا نسوق فيها جملة شواهد من  خلال أربع مسائل هي:

 

أولاً: لنأخذ شاهد من حال الحركات العشائرية التي قامت ضد الحكم  البهلوي ما بين عام 1925 حتى عام 1945م أنها ذات
دلالة واضحة على عمق وتجذر العشائرية في النظرة للسياسة والتعامل في مواجهة الحكم وهي
تعني أولاً –  أن العشائرية كانت سمة ثقافتنا
عند الناس الجمهور وعند أهل السياسة منذ مرحلة حكم خزعل ومن حكموا قبله ،

ثانياً – يعني هذا غياب أية فكرة  تدفع
شيوخ العشائر لمواجهة  الحكم البهلوي سوى مصلحة
ونفوذ العشيرة وأن مفهوم الوطن الواحد والوطنية غائبة كلياً عن وعي الأباء الأوائل
من الأحوازيين، أن هذا يصدق على ما يدور كلامنا عنه أعنى بداية (التكوين لفكرة الوطنية
شكليّاً)، في مجالين :

1-   دعوة الاستقلال الوطني الأحوازي التحرير والثورة
ومشروع الدولة

2-   تأسيس فكرة المطالبة بالحلول داخل الدولة الإيرانية،
أن هذا يصدق على الفترة بين عام (1925- 1955)، وأنها فترة تمثل طغيان(مصلحة العشيرة
ونفوذها دون المصلحة الوطنية)، وأن نموذجها التاريخي والمجتمعي نستقيه ونستدل عليه
من خلال (حركة الأباء الأوائل الجيل الأول من شيوخ العشائر) الذين سعوا إلى أرجاع حقوقهم
وأملاكهم ونفوذهم العشائري والمجتمعي، والتي قام بأنتزعها منهم شاه إيران رضاخان حسب
رسائلهم وتعبيرهم في تلك المرحلة 1945م، للعالم العربي ومنها أحداث الحرب العالمية
الثانية.

إن مراجعة أسماء شيوخ العشائر الأحوازية ضمن الرسائل التي أرسلت  للجامعة العربية و إلى الحكومة العراقية و المطالبة
بمنحهم الحقوق في فترة الحرب العالمية الثانية يمكن مراجعة ” العشائر العربية
و السياسة الإيرانية 1942-1946عرض وثائقي الدكتورعلاء موسى كاظم نورس- الطبعة الأولى
1982 بغداد”، ومراجعة حضور أسماء الشيوخ في القائمة (20 شخص) التي خطها نعمة علي
الحلو، وأعني قائمة الأفراد الذين تم  القبض
عليهم عام 1963م من جانب السلطة الإيرانية، فلا نجد حضورا لشيوخ العشائر لا ضمن من
تم الحكم عليهم بالإعدام (محي الدين الناصر، عيسى المذخور، دهراب شميّل) ولا السجن
بين المؤبد أو الثلاثة سنوات الإ من كانوا عملاء للمخابرات وكشفوا ذلك التنظيم السياسي
تم الإفراج عنهم حسب ما نقله نعمة الحلو في كتابه الجزء الخامس مصدر سابق.

إن الكثير لا يتوقف عند تحول مهم جداً 
حصل وهو أن تلك (التجمعات العشائرية أو ما أطلق عليها الثورات؟) قد توقفت عندما
لجأ الأبن محمد رضا بهلوي إلى سياسة منح  كثير
من شيوخ العشائر الإمكانيات التي تعلو من شأنهم وتقوي سلطتهم وسيطرتهم أكثر، بمنحهم
نفوذ سياسي وأعاده لهم ما سلبه منهم سلفه من الأراضي، ونضيف أيضاً بأن مستوى العلاقة
المباشرة بين هؤلاء الشيوخ وشاه إيران تعمقت حتى منحهم الأوسمة مقابل خدمات قاموا بها  للسلطة أمنية وسياسية، ومنها تعاون أمني مع جهاز
المخابرات الإيراني داخل المنطقة  تمثل في  تتبع  كثير
من السياسيين الأحوازيين الذين تم أغتيالهم بطرق مختلفة مع كشف  تحركات النشطاء وزجهم بالسجن ومنها عملية كشف علاقة  ومكان وتحركات أول تجمع سياسي أحوازي نشأ والقضاء
عليه عام 1963م بمساعدة  بعض  من هؤلاء 
أعنى اللجنة القومية العليا، وتعاون خارج الحدود نذكر ما نقله الكاتب العراقي
علي نعمة الحلو عن جبهة مزيفة أعلنت عن وجودها ونشر خبرها في جريدة الأخبار الكويتية
عام 1964 ضمت أسماء عدة شيوخ عشائر بالتعاون مع مخابرات شاه إيران أو حسب تعبيره (جبهة
العملاء الزائفة)، وكبراء العشائر بذلوا طاقة في سبيل رصد وملاحقة وقتل كثير من الذين
دخلوا ومارسوا نشاط سياسي من الأحوازيين. ونقول إن تلك الفترة تعتبر عصر ذهبي لكبراء
العشائر الأبناء مع محمد بهلوي في العقدين الستينات والسبعينات من القرن العشرين مع
باقي الفترات التي لم يحضوا بأية مكانة وحضوة لا قبلها ولا بعدها، حيث إن الأباء من
كبراء العشائر لم يحضوا بذات المكانه مع الأب رضاخان بهلوي ولا حصل لشيوخ العشائر نفس
الأمر بعد سقوط بهلوي، بل إن التشريد والمطاردة والإعدام كذلك كان نصيب البعض منهم  والسبب هو تعاونهم مع النظام البهلوي الأسبق  .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى