تحول ميزان القوى العسكري لصالح الثورة السورية
المراقب لمسار الثورة السورية
الباسلة التي بدأت في مدينة درعا في 18. 03. 2011 سلمية بكل معنى الكلمة، وترفع شعارات
سياسية بسيطة وتطاب بتحقيق إصلاحية عادلة مستحقة حتى وصلت إلى هدف تحقيق مطلب إسقاط
النظام وإزالة أثارة يلحظ بأن الثورة مرت في عدة مراحل ومحطات كفاحية. كانت شعارات
جماهير الثورة سياسية ومطلبية عبر الوسائل السلمية، واستمرت على هذه الحال مدة نصف
عام كامل. كان النظام وعصاباته من شبيحة ومرتزقة وأجهزة أمنية تفتك بأبناء الشعب الثائر
بكل قسوة وغطرسة وإجرام وتستهتر بحياة أبنائة وتدوس على كرامات الناس كل هذه الفترة
من الحراك السلمي. تعامل نظام العصابة مع الشعب السوري الثائر كقوات إحتلال حاقدة ولم
يميز القتلة بين شاب وعجوز وبين طفل وإمرأة، وقد تفنن قناصة هذا النظام المحليون منهم
والمستوردون من إيران وحزب الله اللبناني، بدم بارد بكيفية إصطاد وقتل السوريين. لقد
عاث النظام الأسد وعصاباته فساداً وإجراماً وخاضوا في دماء السوريين وأوغلوا في درجة إجرامهم وتجاوزوا كل الحدود.
ربما يحتاج علماء النفس
والإجتماع لوقت وفترة من الزمن للبحث ولتفسير نفسية وأخلاق هؤلاء، وفهم قدرة هؤلاء
القتلة على التصويب على رأس طفل أو طفلة تقف أمام بيتها وقتلها أمام أعين أمها. لقد
سقط في الأشهر االستة الأولى أكثر من سبعة ألاف شهيد وأضعافهم من الجرحى، وشرد الطغاة
الملايين من أبناء الشعب السوري الثائر وأجلوهم عن ديارهم. ونهب الأبواش البيوت وحرقوا
المحال التجارية، ولم يتركوا أي رذيلة إلا وكانوا من سادتها.
مع بداية شهر تموز من عام
2011 تسارعت وتيرة الإنشقاقات في صفوف الجيش السوري النظامي وتشكلت بعض السرايا والكتائب
من الجنود والضباط وصف الضباط الشرفاء المنشقين الذين إنحازوا إلى شعبهم وإلى صفوف
ثورة العزة والكرامة. كان الهدف والمهمة الأساسية لتشكيل هذه الكتائب والوحدات العسكرية
الثائرة هو حماية أنفسهم وحماية أهلهم من الجماهير الثائرة في المظاهرات والمسيرات
السلمية من بطش عصابات عائلة الأسد ومرتزقتها. وقد كانت مبادرة تشيل الجيش السوري الحر
هي التعبير المباشر لتحقيق هذه الأهداف والمهام. كان تسليح أفراد هذا الجيش وهذه الكتائب
العسكرية الثائرة وبعض المتطوعين من الشباب متواضعة جداً لا تتجاوز بندقية الكلاشينكوف
وبعض الرشاشات الخفيفة.
لقد شكلت إنطلاقة الجيش
السوري الحر منعطفاً جديداً في مسيرة الثورة السورية وبدأت من الناحية العملية مرحلة
جديدة وذات سمات وصفات إضافية متميزة، حيث فرضت على النظام وعصاباته المنتشرة في حارات
وشوارع المدن والقرى السورية أن تأخذ حذرها و إرغام زمرها على دفع ثمن إجرامهم في حق
الشعب السوري الثائر الأعزل. وذلك بالتوازي مع إستمرار الحراك الجماهيري السلمي المتمثل
بمظاهرات الإحتجاج السلمية التي عمت كل المدن والقرى السورية، والتي وصل عددها في شهر
تموز 2011 في أيام الجمعة إلى أكثر من 700 مظاهرة ومسيرة في يوم واحد، وقدرت أعداد
المتظاهرين بأكثر من أربعة ملايين متظاهر. لقد دخل عنصر الكفاح المسلح ضد عصابات الحكم
ساحة الصراع في سوريا في هذه المرحلة بشكل بسيط ومتواضع.
كان نظام القمع والإستبداد
يعمل منذ اليوم الأول للثورة على جر الحراك السلمي إلى حمل السلاح ضناً منه أنه قادر
بذلك على حسم الصراع لصالحه بسرعة، ومن ثم يقمع الثورة وإخمادها وإعادة الأشياء إلى
ماكانت عليه الأوضاع الي كانت سائدة قبل إنطلاقة ثورة الحرية والكرامة من قمع وإستبداد
وإجرام وفساد وإفساد. هذا الإعتقاد كان سائداً بين أوساط العصابة الحاكمة، وكان يؤيدهم
في ذلك حكام إيران وروسيا. كانت حساباتهم مبنية على عدد الدبابات والطائرات وعديد المرتزقة
المحليين والمرتزقة الوافدين من دول الجوار وإيران. لم يستطع هؤلاء القتلة قرائة حركات
التاريخ وقدرات الشعوب الحرة الثائرة بشكل جيد، أعماهم غيهم وغطرستهم ونجاح تجربتهم
في أعوام الثمانينات من القرن العشرين. فهم يملكون كل شيء مادي، والشعب أعزل ولا يملك
إلا عزيمة الفداء وإرادة الحرية الصلبة. لقد حافظ الثوار والشعب ولمدة ستة أشهر كاملة
على سلمية الحراك الجماهيري وتمسك الشعب بسلمية الثورة كل هذه الشهور الطويلة عل وعسى
أن تصل هذه العصابة إلى الحقيقة وتتوقف عن مسلسل إجرامها بحق الشعب السوري الثائر وتستجيب
لمطالبه المشروعة والعادلة في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة ، لكن دون جدوى فقد
هرب الطغاة إلى الأمام وزادوا من درجة طغيانهم. لقد حاول الثوار عدم الإنجرار إلى هذا
الشكل من الصراع وصبروا طويلاً على تجاوزات هذه العصابة المارقة، لكن هذه العصابة أصرت
على جر البلاد إلى حرب مفتوحة أدخلت فيها كل أدوات القتل والفتك والدمار من دبابات
وطائرات وصواريخ تقصف فيها القرى والبلدات والمدن السورية الآمنة.
كانت عصابات الأسد وحلفائهم
من حكام إيران وحكام روسيا يعتقدون أنهم سيكسبون الصراع مع الشعب الثائر، وأن الحسم
العسكري مع الشعب الثائر لصالح النظام هي مشلكة وقت فقط ولن تدوم معركة الحسم العسكري
طويلاً وقد خاب ضنهم، وصمد الشعب السوري الباسل صمود الجبابرة والعماليق.
لقد إعطي لنظام البطش الفرصة الزمنية تلو الأخرى لحسم الصراع عسكرياً لصالحه،
ولم يستطع حسم شيء. ومنح هذا النظام القاتل الدعم والمساعدات العسكرية والمادية السخية
من أجل ذلك. وكذلك حصل هذا النظام القاتل على الحماية السياسية من قبل الروس والصينيين
دولياً وغطيت جرائمه بحق الشعب السوري من خلال استعمالهم حق الفيتو ثلاثة مرات متتالية
في مجلس الأمن الدولي. وكان الغرب والصهاينة
قد تواطؤوا مع هذه السياسات العبثية حتى القرف. إعتقد هؤلاء جميعاً بأن النظام
سيقدر على حسم الصراع لصالحه على الأرض السورية وكانت في هذا رغبة إقليمية ودولية.
وإن لم يستطع فهو الأداة المناسبة لتخريب البلد
بعد سقوط الأسد وعصابته، وإنهاك الشعب السوري والمجتمع السوري كمطلب وهدف إستراتيجي لكل هؤلاء من المتواطئين.
لقد دمرت حمص والرستن وتلبيسة،
ودمرت درعا وريفها، ودمرت إدلب وريفها، ودمرت دير الزور وريفها، ودمرت حلب وريفها،
ووصل الدمار والخراب الذي خلفته آلة الحرب لعصابات الأسد وجيش الخيانة الوطنية، وبمشاركة
جادة من كل من حكام إيران وحكام روسيا في هذا الدمار والخراب مدينة دمشق العاصمة وريفها
الثائر.
كان الطغاة حتى منتصف شهر
مايو عام 2012 كلهم قناعة على قدرتهم على الحسم العسكري لصالح. وكانوا جميعاً على قناعة
وثقة بإستطاعتهم على فرض سيطرتهم على الشعب السوري بقوة السلاح. لكن مع دخول منتصف
شهر حزيران أصبحت قناعات جديدة تتسرب إلى نفوس وعقول بعض القيادات في نظام العصابة
الحاكمة وبعض القيادات المسؤولة في إيران وروسيا، وكذلك كثير من القوى السياسية على
المسرح الدولي، أن توازناً بميازين القوى في الساحة السورية قائم وأن القوى المتصارعة
على الساحة السورية وصلت إلى طريق مسدود من الناحية العسكرية، ولا يستطيع أي من الطرفين
على حسم الصراع لصالحه عسكرياً. وقد عبر عن هذه الإستنتاجات عدد كبير من السياسيين
والمسؤولين في أكثر من مكان، وفي العديد من المناسبات. كان بنكي مون الأمين العام للأمم
المتحدة والأخضر الإبراهيمي على رأس هؤلاء الساسة. وقد نشطت دوائر التأثير السياسي
في الساحة السورية، الإقليمية والدولية، للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية. وتبادلت
الأطراف الزيارات المكوكية بين العواصم، وتناثرت عبر الأثير الأطروحات والمشاريع السياسية
للحل السياسي في سوريا. وكان مشروع كوفي عنان
الأمين العام السابق للأمم المتحد، وكذلك مشروع جنيف الذي أراده حكام إيران والروس
ووافقهم عليه الأمريكان، وبعد ذلك جاء الأبراهيمي وزار العواصم الإقليمية والدولية
المعنية في الصراع السوري وأدلى بدله. كان
الجميع حاضر في صياغة المشاريع السياسية المتعددة للحل، لكن الشعب السوري الثائر وقدراته الجبارة غائب عن حسابات هذه الأطراف. في
حين في حقيقة الأمر كان هو الطرف الوحيد الذي يصنع الحدث على الأرض، ويصيغ المعادلات
من جديدة على الأرض السورية.
ثوار سوريا بكل أطيافهم
المدنية والعسكرية هم الرقم الصعب والطرف الأساسي الفاعل ويصنع الحدث والمعجزات. لقد
صمد الشعب السوري الباسل أمام كل هذه القوى الباغية المجرمة ودخل الصراع بين الشعب
السوري الثائر وعصابات العائلة الفاسدة مرحلة جديدة وإنقلبت المعادلة بشكل مفاجئ وهتزت أركان الظام الفاسد فالمعارك في محيط القصر
وحول المطار الدولي في دمشق الفيحاء عاصمة بني أمية وأرض اليرموك.
مع بداية شهر تشرين الثاني
نوفمبر عام 2012 أصبحت المعادلة من الناحية
العسكرية تميل لصالح الشعب الثائر، ولصالح الجيش الحر والقوات المسلحة الثائرة، وتوالت
إنتصارات الثورة من الصمود الأسطوري للثوار في حمص العدية وحلب الشهباء، إلى سيطرة
الثورة على أغلب المحافظات الشمالية والشرقية، وخاصة بعد سيطرة الثوار السوريين على
فوج 46 في غرب حلب وإستيلاء الثوار على كميات كبيرة من الأسلحة النوعية والذخائر. وتعززت
قدرة الشعب الثائر على تحقيق النصر وحسم الصراع لصالحه سلسلة الإنتصارت العسكرية التي حققها ثوارنا البواسل
في ريف دمشق في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية، أحفاد حسن الخراط ومحمد الأشمر. في
أقل من شهر سيطر الثوار هناك على أكثر من 43 كتيبة من كتائب عصابات الأسد. وغنم الثوار
من هذه الكتائب والقواعد العسكرية كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة كافية وتحرر الشعب
السوري من منه القوى الإقليمية والدولية التي وعدت ولم توفي بأي من الوعود التي قطعوها
على أنفسهم.
أصبحت القناعة بحسم الصراع
عسكرياً من قبل الثوار والجيش السوري الحر هي الشائعة وتكتسب كل يوم أكثر مصداقية.
والأحداث في كل يوم تتسارع لصالح الثوار السوريين، ويسيطر الثوار السوريون كل يوم على
قطاعات جديدة وتتسارع في المقابل حركة تفتت وإنهزام وحدات جيش النظام وتنهار معنويات
أنصاره ومحازبيه. لقد أصبحت مواقع أساسية وسيادية في الدولة السورية تحت سيطرة الجيش
الحر والوحدات العسكرية الثائرة، كالمعابر الحدودية مع كل من تركيا والعراق والأردن،
وأيضاً السيطرة على حركة مطار دمشق الدولي وتوقيف الملاحة فيه، السيطرة الكاملة على
مداخل مدينة دمشق الخارجية.
هذه التطورات العسكرية
على الأرض تؤكد بأن أيام نظام عصابات الأسد الفاسدة أصبحت معدوة فعلاً، وأن الحسم العسكري
لصالح الثوار السوريين هو سيد الموقف، وأن المشاريع السياسية التي تسمح لبعض أطراف
النظام من الأستمارار والمشاركة في السلطة السياسية الإنتقالية وما بعدها قد سقطت وأصبحت
خلف الظهر وليس لها قيمة سياسية حقيقية.
لقد فرض الشعب السوري،
بصموده الأسطوري حقائق جديدة على الأرض، وأصبح يوم النصر بين قاب قوسين أو أدنى , وأسقط
هذا الشعب الباسل بصموده كل التوقعات والقناعات التي رجحت لأكثر من عام ونصف عام من
عمر الثورة السورية المباركة غلبة عصابات الأسد وقدرتها على قهر الشعب السوري الثائر.
لقد مرت الثورة السورية
في أربعة مراحل حتى وصلت إلى أيام بشائر النصر، ويمكن إيجاز هذه المراحل بالتالي:
·
المرحلة الأولى تتمثل بحراك جماهيري سلمي إنطلق مع بداية الثورة في 18.03.
2011 و دام نصفت عام كامل، فيها استوحشت عصابات
الشبيحة وفتك النظام بالشعب الأعزل من دون يدفع أي من الأثمان لهذا الإجرام والغطرسة.
·
المرحلة الثانية إستمرارحراك جماهيري سلمي وبداية تشكيل وحدات عسكرية مقاتلة
لحماية الجماهير الثائرة من بطش عصابات الحكم ومساندة للمحراك الشعبي السلمي. كان في
هذه المرحلة الإعتقاد السائد هو قدرة نظام الحكم على حسم الصراع عسكرياً لصالحه ولمصلحة
معسكرة الطائفي.
·
المرحلة الثالثة وهي مرحلة توازن القوى العسكرية والتي بدأت في شهر مايو عام
2012 وسادت فيها القناعات بعدم قدرة أي من الطرفين المتصارعين على الساحة، الشعب السوري
من جهة ونظام الشبيحة من جهة أخرى، بحسم الصراع عسكرياً لصالحه. وعلى هذا الأساس نشطت
حركة محمومة سياسية لصياغة مشاريع حلول سياسية لعدم قدرة النظام على حسم الصراع عسكرياً لصالحه.
·
والمرحلة الرابعة والأخيرة، مرحلة تحقيق النصر المبين، والتي باتت ملامحها تتشكل
مع بداية شهر تشرين الثاني من عام 2012 . لقد دخل الشعب السوري المرحلة الرابعة والحاسمة
المتمثلة بقدرة الجيش السوري الحر على حسم الصراع عسكرياً لصالح الشعب الثائر، وإنهاء
حكم العائلة الفاسدة المستبدة إلى الأبد، تمهيداً للبدء ببناء دولة المواطنة والحرية
والعدالة في ربوع سوريا المستقبل.
لقد إقترب الشعب السوري
الباسل من تحقيق الحلم الكبير في النصر على فلول الطغاة، وتكنيس الوطن السوري من عصابات
الإجرام التي عاثت فساداً وخراباً في سوريا الحبيبة لقرابة نصف قرن من الزمان. لن ينفع
القوى التي ساهمت في قتل الشعب السوري كحكام إيران وروسيا محاولاتهم المحمومة بطرح
مشاريع حل وسط سياسية تنقذ ما يمكن إنقاذه من مصالحها ومشاريعها العدوانية والطائفية
المشبوهه في سوريا والمنطقة العربية. الشعب السوري أذكى بكثير من خبثهم وسوء نواياهم،
لن تمر حركاتهم البهلوانية على شعب الحضارات، فقد إنكشفت الأقنعة من زمن وبان زيفهم
وحجم حقدهم الدفين.
النصر كان دائما حليف الشعوب
الأبية، لكن الطيش والغطرسة وسموم الأحقاد الدفينة تحجب البصر وتعمي البصيرة، وتلك
حكمة من الله له فيها شؤون.