آراء ومقالات

مدخل إلى فحص الكلام الأحوازي بشأن مشكلة السياسة 19/20

(قراءة أسباب عدم التحول من المجتمع العشائري الديني التقليدي إلى المجتمع الوطني
الجديد)

خلاصة أو تذكير

وهل نحتاج التذكير أن الأحوازيين لم ينشغلوا ويكتبوا شيئاً عن هذا الموضوع المهم
أو أنهم بين الجهل والغفلة عنه. أما في المقابل نرى أن الإيرانيين منذ نهاية القرن
التاسع عشر ميلادي قرأ السياسي منهم والمثقف معنى الوطنية في مرجعيتها الأوروبية فترجموا
معانيها ودرسوا كيف يتم توظيف الماضي والجديد لمحاصرة حاضرهم المتخلّف، فكانت الإدانة
لها مبرر من جانبين ماضيهم وعصر أوروبا ، فأنشغلوا فيها فكرياً وسياسياً، فصدرت  عن الوطنية إذا ما قلنا مئات هي عشرات الدراسات
والكتب ولا يزال خطابها مستمر إلى لحظتنا هذه (أنظر مؤتمر المعارضة في الخارج وموقفها
المتصلب من طرح قضية الشعوب غير الفارسية – أنعقد المؤتمر في ألمانيا 12- 10 –
2012، أنظر باللغة الفارسية (( همایش پنجم اتحاد جمهوی خواهان ایران،  12 اکتبر 2012 در کلن آلمان  )) ). أما تشويه تاريخنا من جانب إيران كان في الأمس
أنظر الكاتب الإيراني (( اصغر جعفرى ولدانى – كانونهاى بحران در خليج فارس، قسم معنون،
طرح هاى تجزيه خوزستان – طهران 1377 ،الطبعة الثانية)). أما اليوم أنظر (( ترويست هاى
تجزيه طلب – مجله راه نما، سال دوم شماره هشتم – شهريور،1391 تاريخ إيراني )) . وهي
تعيد تكرار معنى ثقافة “معركة الكتب”، كما أطلق عليها مستشرق أوروبي معركة
الفرس في تاريخ الإسلام في إحياء شخصيتهم القومية، أليس كل فكر وعقيدة لها قطب تدور
حوله وأن ظهرت عدة مقاصد وهذا ما حصل بالنسبة للفكر الإيراني؟ لننتقل إلى هذا الفكر
ونرى كيف تعامل مع مفاهيم التاريخ الحديث والمعاصر.

 

خامساً- الحضور الإيراني والعلاقة الأحوازية – الإيرانية … بأي معنى ؟

بأي منتج فكري نواجه إبطال وتفنيد دعوة الخطاب الإيراني المتكامل قومياً والمتخلف
حضارياً ؟

 

هل الفرس سلكوا مسلكا مغايراً لمبدأ الإسلام كرامة بني أدم ومفاهيم الحداثة
وتبنوا مسلك الاتجاه القومي وتفضيل الذات الفارسية ولكن كيف نقرأ حضور الحداثة والخطاب
الديني في الفكر الإيراني ؟

 ضرورة فهم خطاب الثقافة الفارسية
وجدية فهم خطاب الحداثة والإصلاح والديمقراطية والمواطنة داخلها قلنا إن فهمنا لمسار
حركة التاريخ وكذلك حركة الفكر في العصر الحديث والمعاصر فهم يصل إلى أدنى مستوى ان
كان يخص معالجة فهم واقعنا الأحوازي الخاص قضايا الثقافة الأحوازية إجمالاً، أو ما
يرتبط بما يدور من حولنا من أحداث اقليمية كانت أو دولية . وإن رأينا هذا نعيد التأكيد
عليه في كل ما يصدر عنا من كتابة أو حوار ويتمثل في غياب الفكر كعامل محوري في جهلنا
لما يدور من حولنا في الأمس واليوم وإلى المستقبل أو غياب التأسيس المعرفي وكذلك التأسيس
الإيديولوجي السياسي، نقول إن خطابنا دائماً يصب بنفس الرؤية وينطلق من نفس الفهم في
ما يخص قضية الشعب العربي الأحوازي الشائكة بمختلف ما له علاقة بهذه القضية من أطراف
أو مسميات كتبنا عن بعضها وسنكتب عن ما تبقى منها وفق الحاجة والعلاقة والرابطة ومنها
الدولة الإيرانية نتناولها في جانبين مسارها التكويني التاريخي وبنية خطابها .

 وغني عن البيان القول إن الدولة
الإيرانية ذات الاتجاه القومي والتي نشأت عام 1925 – بقيادة رضاخان بعد مسار حركة الإصلاح
في إيران أو أختصاراً (( ثورة المشروطة )) عام 1906 وفي الجانبين معاً الإصلاح ذات
الاتجاه الوطني الفارسي منذ لحظة عباس ميرزا قاجار حتى لحظتنا هذه أو الإصلاح الديني
في الفكر الشيعي كما تبلور بخطاب النائيني صاحب كتاب  (( تنبيه الأمة وتنزيه الملة ))، نؤكد أن هذه الدولة
الأخيرة بعد لحظة رضا خان قد اصبحت دولة حديثة 
أو لغوياً جديدة مقابل دولة أسرة القاجار، وذلك عندما إعادة إلى الفرس دون غيرهم
من الشعوب الأخرى إمكانيات بناء مشروع فكري وسياسي وثقافي صب إجمالاً في ترسيخ هويتهم
الوطنية والتي كانت غير مؤطره داخل نظام فكري تحرصه دولة جديدة وطنية وهل مقصد الدولة
الوطنية الإيديولوجية سوى حماية نظامها الفكري وهوياتها أو إضافه الشرعية عليها ؟ وكذلك
إعادة بناء واقع الفوضى إلى واقع النظم والبناء وفق الروح الوطنية الإيرانية ، وكل
هذا جاء  مقابل تهميش ومحاربة هويات الشعوب
الأخرى، بمعنى أخر رأينا هو دولة جديدة بالنسبة للروح الوطنية الفارسية وليست بمصاف
الدولة الحديثة وفق التعريف لهذه الأخيرة 
.

حيث إن النظام السياسي في إيران أن تمثل في الحكم  البهلوي الأب 1925- 1941، والأبن من بعده أو النظام
الذي خلفه هذا الأخير في الحكم عام 1979 هو نظام استبدادي بأمتياز على مستوى مسار التكوين
أو فهم بنية الخطاب وهو مستمر كنظام حكم ليومنا هذا لا يجتمع مع الحداثة كنظام حكم
أو خطاب فكري، بمعنى ثاني إن (( الحداثة ))، والإصلاح والديمقراطية ومفهوم المواطنة
ودولة المؤسسات وإعلان حقون الإنسان أن كان يخص هذا الأخير كما جاء  في مبادئ الثورة الفرنسية 1789م، أو الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان الصادرعام 1948 كلاهما  أي مبادئ
حقوق الإنسان ومفاهيم الحداثة كنظام فكري وخطاب نشأ على صعيد التكوين التاريخي والبنية
المعرفية في أوروبا، ولكن ما نريد إبرازه هنا هو أن هذا النظام الفكري الأخير لم يحدث
أن نشأ له حضور لا في جانب التطبيق ولا على صعيد الوعي الجماعي داخل الثقافة الفارسية
إجمالاً، (حداثة إيرانية مشوهة) أن كان ما يخص النخبة أو بين الجماهير .

 نعم إن الكلام عن (( الحداثة
)) أو بالفارسية  (( مدرنيته – مدرنيسم، مدرنيست
)) وما يرتبط فيها من مفاهيم ليس غائب أو مسكوت عنه في الفكر الفارسي كلا، إن نصيب
وحجم ذلك الكلام عن الحداثة يُشكل إجمالاً نصف الخطاب الفارسي إلى جانب النصف الثاني
المتمثل في الكلام عن التراث القومي الفارسي والديني الإسلامي، أو بالفارسية ((سنت))
وأن هذا الأمر لم نجهله ،بل إننا شرحنا جانب من أراء مفكري الفرس ويمكن للقارئ مراجعة
(دراسة التمهيد – القسم الأخير). ولكن نؤكد أن توظيف المفاهيم لخدمة إيديولوجيا وإضافه
شرعية عليها  على صعيد الخطاب أو الحكم شيء
وبناء دولة ونشوء خطاب متشبع ومتدرب أصحابه في بناء نظام حديث وقبوله على صعيد المبادئ
شيء أخر، ولذلك نشير أن فهمنا ومن خلال متابعة مسار حركة الحداثة في تاريخ إيران الحديث
والمعاصر إجمالاً نلخصه برأينا التالي- وهو أن 
الحداثة في إيران اتخذت لها

الاتجاه الأول : توظيف المفاهيم  لخدمة
الاتجاه القومي الإيراني فقط .

أما الاتجاه الثاني : في الحداثة وهو الدفاع عن أساس نظام “دولة المؤسسات”،
وقبول نتائج الحداثة بما تحمل من حرية رأي وتعبير للأخرين والجميع متسوين في الكرامة
والحرية والحقوق بغض النظر عن العرق واللون والعقيدة واللغة أو الثقافة والانتماء
…إلخ وأن اصطدم بمبادئ قومية وتراثية ومنها في المقدمة خطاب تفوق العرق وخطاب الاستبداد
والتعالي والوصاية، فهذا الاتجاه الأخير من الحداثة لم يجد له طريقاً في التطبيق من
طرف النظام السياسي في إيران، ولا تأسس هذا الاتجاه داخل الفكر الفارسي بعيداً عن التبريرات
أو الجهل بمكونات الحداثة أو ممارسة السكوت في أفضل حال عند ما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب
غير الفارسية، وهذاالاتجاه غائب عن الوعي عند أبناء الشعب الفارسي، بمعنى أخر إن الفرس
سلكوا مسلكاً مغايراً لكل من أصل الإسلام (( لقد كرمنا بني أدم ))، وهذا الأخير ليس
مبدأ سياسي، إنما إنساني يتعالى على الفروق الإنسانية التي يصنعها الإنسان ليميز نفسه
عن أخيه في الإنسانية وكذلك الآية القرآنية التي يبدأ فيها  الكلام في الدستور الإيراني الحالي ((لقد أرسلنا
رسُلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط- سورة الحديد آية
25))، ولا كذلك مفاهيم الحداثة وتبنوا مسلك قومي الخلاصة هو تفضيل الذات وحدها.

وإذا رجعنا إلى موضوعنا وربطنا قضيتنا الأحوازية والدولة الإيرانية قولنا هو
إن الأطراف الثلاثة الأخيرة (1- النظام السياسي،2- النخب الفكرية، 3- أبناء الشعب الفارسي)،
تمارس هذه الأخيرة وبطرق وأساليب مختلفة وعديدة عملية واحدة وبتوافق وتعززها الشواهد
والأدلة ونحددها في أمرين  الأول : إنكار كامل
لمعاناة  شعبنا المتمثل في الفقر والجهل والأمية
وتفشي العنصرية بمختلف أنواعها،

الثاني:سكوت وتجاهل كامل من جانب الأطراف الثلاثة بشأن أمر المساواة في الحقوق
السياسية، الثقافية، التعلمية، التنمية، الحافظ على الهوية لنا كشعب، في أقل تقدير
حقوق بمستوى يقترب إلى مستوى الحقوق التي يتمتع فيها أبناء الشعب الفارسي، وأن المساواة
والاعتراف فيها لا تتنافي أولاً مع أصل الدين الإسلامي، وثانياً لا تتنافي مع مفهوم
ودعوة الحداثة، بل إن كلاهما الإسلام والحداثة لا إنكار فيهما لمبدأ المساواة بين البشر
في الحقوق أعلاه، إنما فيهما دعوة صريحة وواضحة لمبدأ الكرامة للإنسان ولكي لا يحصل
خلط وسوء فهم نقول إن الإسلام كنص وحي إلهي لا يحمل اتجاه نحو نوع الحكم السياسي وكيف
هو الحكم، بل إن أمر السياسة والحكم شأن بشري دنيوي (( أنتم أدرى بشؤون دنياكم )) ،
وهنالك خلط وخطأ لا يفرق بينهم  الكثير فرق
بين التجربة الإسلامية توظيف الدين  لخدمة السياسة
كما حدث تاريخياً بشأن السياسة والحكم من جانب المسلمين منذ لحظة وفاة الرسول الأكرم
حتى يومنا هذا وبين الوحي الإلهي ( القرآن الكريم 
الذي لا يحمل تشريع لنظام الحكم السياسي 
كيف يكون الحكم ) .

أما الأمر الأخر إذا رجعنا إلى قضية الشعب العربي الأحوازي ونظرنا لها من جانبين
التكوين التاريخي والبنية لمفهوم الوطنية قولنا هو إن الفرس كفاحوا في بداية القرن
العشرين إذا ما قلنا قبله كمجتمع ونشأ عندهم وعي وطني وأجتمعت ظروف تاريخية ومصالح
دولية سياسية نفسها نراها اليوم أمامنا تمارس، فشكلت الدولة والهوية الوطنية للفرس
كشعب إما نحن لم تبدأ عندنا  عملية بناء فهم
الهوية الوطنية كشعور إضافة إلى العامل الخارجي مصالح الدول. فكان تأخرنا التاريخي
الأحوازي ولم تكن جهودنا بمستوى بناء مشروع وطني ولا بناء مؤسسات  إضافة إلى خطاب الدولة الوطني العنصري بمعنى ثاني
إن واقعنا ووعينا الأحوازي الوطني الجماعي وعنف الدولة الفارسية ومصالح الدول من حولنا
عربية وأوربية ثلاثة محاور أجتمعت لتنتج بالنهاية وضعنا اليوم المتردي، وهنا لا يفوتنا
أن نسجل قولاً بأن التاريخ يخبرنا ويزودنا كما الفكر يفيض بما نحتاج من شواهد بأن دور
الأخر العدو أو الخصوم هو من أقوى العوامل والدوافع للمجتمعات في عصرنا هذا للتوجه
نحو الوطنية كسبيل وسلاح لمواجهة الأخر، وأن التجارب الاستعمارية شاهد اثبات، ولهذا
كان المفروض أن يكون وجود الخطاب القومي الإيراني دافعاً قوياً لنشوء الوطنية ونشر
تعاليمها لمواجهة ذلك الخطاب، إلا أن هذا لم يحصل وهذه هي المفارقة أن نكتفي فقط بصيحات
التنديد والتذمر من الأحوازيين تخص الخطاب القومي الإيراني دون أن تتحول من حالتها
العفوية إلى نظام فكري وطني للمواجهة . إن هذا التغيب للوطنية  أدى إلى الجهل وعدم  تحديد العلاقة 
الأحوازية – الإيرانية، أعني خطاباً مقابل خطاب، خطاب الدولة مقابل خطاب الدعوة،
الذي يستمد قوته من أمرين السلاح الفكري و(الشعور الجماعي المكبوت أو الظاهر غير المنظم
بين الجماهير الأحوازية )، فهذا الأخير موجود بين الأغلبية من الأحوازيين وأن الإنكار
بحقه لا معنى له وهو شبه إجماع على أن الإيرانيين هم  وراء ما أصابنا من تخلف وتراجع، وأن المشاكل والمعاناة
التي تحيط فينا مصدرها إيران، إلا أن هذا الشعور بين الناس لم يتم صياغته بعد في أقل
تقدير منذ عام 1945م حتى يومنا هذا داخل (نظرية واضحة) هي أولاً وأخراً مهمة (النخبة
الفكرية) بالدرجة الأولى تقوم بصياغة وإنتاج المفهوم وطرحه فتأخذه  عنها وتعمل فيه (التنظيمات السياسية) التي تمارس
التحشيد الجماهيري لمقاصد وطنية من خلال عملية تثقيف المواطن الأحوازي (بالممكن والمتاح)
وبعبارة واحدة أعني (الثقافة الوطنية) فهي خطاب جماعي نافع لنا في مواجهة جملة أخطار
وفي المقدمة  خطر القومية الإيرانية التي هي
القطب في الفكر الإيراني الذي ندخل عليه لنقرئه من منظارين  .

 

 المنظار الأول – تشكله التاريخي
وفق رؤية وخطاب وأسميناه (إشكالية التخلف والحداثة وفي الفكر الإيراني الحديث).

أما المنظار الثاني – قبضة هذا الفكر على ما أسميناها (الروح الإيرانية وقبضتها
على نوافذ التاريخ الثلاثة) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى