آراء ومقالات

التقرير السري للوكالة الذرية يصب الزيت على النار

التقرير السري للوكالة الذرية يصب الزيت على النار

 

تأتي الجولة السابعة من المفاوضات النووية الجارية بين المجتمع الدولي من جهة وإيران من جهة ثانية في ظل التعقيدات والأحداث المتسارعة في المنطقة العربية، والتي تشكل إيران جزءاً من هذه المنطقة الملتهبة منذ عقود.

 

فكان من المقرر أن تبدأ هذه المرحلة من المفاوضات في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتشير التقارير الإيرانية، أنه في حال وصلت هذه المفاوضات إلى النتيجة المرجوة منها، قد تعقد الأطراف جلسة على مستوى وزراء الخارجية لتقييم المفاوضات، وتوقيع الاتفاق المزمع توقيعه بين مجموعة الدول 5+1 وإيران، ولكن بسبب الخلافات الجوهرية بين طهران والغرب، استبعد كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي انعقاد هكذا جلسة، مؤكداً أن انعقادها متوقف على إحراز الأطراف تقدماً في المفاوضات النووية الجارية. 

 

ومن جانب آخر، أكدت ويندي شرمان مساعدة وزير الخارجية الأمريكي جان كيري، على أنه في حال وافقت إيران على الحد من قدرتها على تخصيب اليورانيوم، فمن الممكن أن يحصل اتفاق نووي مع طهران، وفي التقرير السري الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتاريخ 5/9/2014، أكد مديرها يوكيا أمانو، “أن الوكالة الدولية لم تستطع بعد التأكد من سلامة البرنامج النووي الإيراني، وأنه ذو طابع سلمي وليس عسكري”، وبين أمانو، أن إيران لم تنفذ خطوتين من خمس خطوات وافقت طهران على تنفيذها في موعد سابق نهايته 25 أغسطس/آب الماضي، كما أن تقرير الوكالة حدد أربعة فصول من أصل ثمانية لهذا التقرير السري عن عدم رضى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يخص تبديد المخاوف الدولية من أبحاث مشتبه بها لتصنيع القنبلة النووية من قبل إيران، ومنها: صناعة الزناد للقنبلة النووية وتصميم وتركيب رؤوس نووية على صاروخ شهاب، والتي برهنت إيران استدلالها على شكوك الوكالة الذرية في هذا الخصوص، أن صناعة الزناد كان الهدف منه لحفر أبار النفط والغاز، فيما رفض هذا الاستدلال من قبل الوكالة الدولية جملة وتفصيلاً.

 

وعلى ضوء هذه الخلافات الجوهرية لسير المفاوضات، والتي تتحكم فيها أسباب سياسية وفنية في آن واحد، من الممكن أن نجملها كالآتي:

–  طالب المجتمع الدولي إيقاف مراكز الأبحاث العلمية في المفاعل النووية الإيرانية، والتي من شأنها في حال وجود هذه المراكز البحثية أن توصل طهران إلى غايتها، ألا وهي القنبلة النووية، والسلاح النووي بشكل عام، وهذا ما يرفضه الغرب.

–  طالبت طهران فك الحصار الاقتصادي الدولي على إيران مرة واحدة بعد ما يتم الاتفاق بين الطرفين، وهذا ما ترفضه الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

–  الأهداف المحتملة للبرنامج النووي العسكري الإيراني، بحيث تفيد المعلومات المخابراتية الغربية بأن إيران سعت لصناعة القنبلة النووية، وهذا ما تنفيه طهران، لذا يطالب الغرب طهران بالشفافية في هذا الخصوص، وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الأخير أن طهران لم تستطع بعد أن تبدد المخاوف الدولية فيما يخص مشروعها النووي المثير للجدل.

–  تحتفظ إيران بمفاعل أراك النووي الذي يعمل على الماء الثقيل، وهذا ما يخالفه الغرب كلياً، بحيث طالب الغرب أن يتم تفكيك مفاعل أراك، ومفاعل فردو في مدينة قم، وكذلك أخذ عينات من تربة مفاعل بارجين العسكري للتأكد من خلوها من أشعة النيوترون جراء احتمالية تجارب نووية، لا سيما الحد من أجهزة الطرد المركزي، فيما رفضت إيران هذا المقترح وطالبت بتعديل مسار العمل بهذه المفاعل فقط.

 

–  إدراج القدرة الصاروخية البالستية الإيرانية في المفاوضات، ورفضت طهران هذا الشرط الغربي بحيث تعتبر طهران أن القدرة الصاروخية الباليستية تدخل في إطار القدرة الدفاعية لإيران وسلاحها الإستراتيجي، كما أن القدرة الصاروخية من حيث الأساس خارج صلاحيات الوفد الإيراني المفاوض.    

 

وبالعودة للتقرير الذي صدر مؤخراً من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نجد أن ثمة فجوة تزداد بين طهران والغرب كلما تعمق الأطراف في حيثيات الملف النووي الإيراني المثير للجدل، حيث إن الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي من خلال العقوبات الاقتصادية، والتي طالب يوكيا أمانو في التقرير الأخير للوكالة الدولية إلى تكثيفها على طهران لتبديد المخاوف الدولية، قد أثمرت عن بعض النتائج التي بدأت تظهر للعلن، بحيث قدمت إيران في الأشهر الأربعة الماضية تقريرين منفصلين للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن سعي طهران لصناعة الزناد للقنبلة النووية، والتي كانت الوكالة الدولية قد طلبت من طهران تفسيراً حول هذا الموضوع، وجاء الرد الإيراني بعد المماطلات الطويلة، معرباً الجانب الإيراني أن الغاية من وراء سعيها لصناعة الزناد تأتي في إطار صناعة النفط والغاز وتسهيل حفر أبار النفط، وهذا الاستدلال الإيراني بطبيعة الحال لم يفِ بالغرض، وعليه طالبت الوكالة الدولية أخذ عينة من تربة مفاعل بارجين العسكري ولكن طهران رفضت هذا الطلب، واعتبرت الوكالة الدولية هذا الرفض الإيراني في تقريرها الأخير، على أنه محاولة من قبل طهران لإزالة آثار أشعة النيوترون في تربة مفاعل بارجين، قد تكون ناتجة عن احتمالية تجارب نووية قد حصلت في وقت سابق، ومن خلال التقرير السري والمهم الذي كشفت عنه الوكالة الدولية للطاقة الذرية نستشف أن لطهران نوايا حقيقية لصناعة القنبلة النووية، والمضي في عسكرة برنامجها النووي، والذي ينبئ بصعوبة الوصل لاتفاق شامل في المدى المنظور.  

 

وعلى ضوء هذا الخلاف العميق والجوهري بين الغرب من جهة، وطهران ورغباتها السياسية المعقدة في المنطقة التي ربطتها بالمفاوضات النووية من جهة ثانية، من الصعب جداً أن يتم الاتفاق في هذه الجولة، والتي باتت تؤكد بالفشل كسابقاتها من الجولات الماضية، حيث يطلعنا سلوك إيران على مدى عشر سنوات الماضية من المفاوضات أنه امتاز بالمراوغة وكسب المزيد من الوقت، على أمل أن تتمكن طهران من تحقيق أهدافها النووية في ظل انقسام حاد في بنية المجتمع الدولي منذ عام 1991، والتي صبت كافة الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية التسعينات من القرن المنصرم لصالح إيران.

 

Iranfiles@almezmaah.com

مركز المزماة للدراسات والبحوث

بقلم: جمال عبيدي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى