آراء ومقالات

مرحلة ما بعد بشار الأسد؟!

قد يكون من غير الملائم
أن أترك الأحوال في مصر من استفتاء واستقطاب، وأنقل الخطاب إلى ساحة أخرى ربما مل الناس
من الحديث فيها عن سقوط بشار الأسد الذي صدق عليه قول كاتب أميركي، «إن الأخبار الذائعة
حول موتي مبالغ فيها!». ولكن التمهل واجب على أي حال فربما لن نترك الحديث عن مصر كثيرا،
بل ربما اقتربنا منه أكثر، ولكن الحالة السورية جاءت من مصدرين: الأول، أن النصير الأول
لبشار الأسد في العالم وهو روسيا صدر عنها ما يشير إلى أن موسكو باتت تعلم أن عصر بشار
الأسد قد انتهى موضوعيا حتى ولو كان التاريخ لا يزال يضع قصة الخروج أو السقوط. والثاني،
أن الأحوال على الأرض تتغير بسرعة، ومواقع الأسد تسقط واحدا بعد آخر، والمعركة صار
بعضها في قلب دمشق. وعلى الرغم من كل الشكوى فإن الأسلحة التي بيد الثوار تختلف جذريا
عما كان الأمر منذ وقت قصير، وفيما يبدو أن هناك ما هو أكثر في الطريق إذا نجح الثوار
في إقناع قوى مهمة أن الأسلحة لن تسقط في النهاية في أياد لا تعرف الكثير عن فكرة الحرية
والديمقراطية.. والكثير من القيم النبيلة التي يتحدث عنها الثوار
.

هنا تحديدا تلتقي القصة
السورية مع القصة المصرية، وقصص أخرى لا بد من حضورها. ومنذ فترة ليست بعيدة طرحت في
هذا المكان أن سوريا ربما تكون آخر قصص الربيع العربي، ليس فقط لأنها طرحت إشكاليات
عظمى تتعلق بالدولة العربية وحالة الأقليات فيها، بل وأيضا إلى أي حد يكون المدى ديمقراطيا
بعدها، وأن المسألة ليست مجرد إحلال لنمط من الديكتاتورية، واحد منها كان عرس السياسة
في الخمسينات والستينات من القرن الماضي تحت راية «القومية العربية»، والآخر بات عرس
«الربيع العربي» تحت راية «الإسلام السياسي» في العقد الثاني من القرن الحالي. كلاهما
ليس له في الفكرة الديمقراطية الكثير، وعلى الرغم من بعض التطعيمات الجارية منذ فترة
لكي تشمل مساحة مشتركة بين كليهما وأفكار الحرية والليبرالية، إلا أن هذه لم تكن وحدها
أبدا فقد كان اللقاء مع الفاشية أكثر سهولة. النتيجة النهائية لكل ذلك أن لحظة خروج
بشار الأسد، أو سقوطه، سوف يكون لها توابع كثيرة في الجوار المباشر، والأرجح أنها سوف
تبدأ لعبة من الكراسي الموسيقية تستغرق معنا زمنا ليس بالقليل سوف تكون فيها الموسيقى
صاخبة، والبحث عن الكراسي عنيفا
.

الأرجح أن التغيير في سوريا
سوف يفرض فترة من المراجعة يكون السؤال الأساسي فيها عما إذا كان مد الربيع قد وصل
إلى أقصاه أو أن قوة الدفع فيه لا تزال قوية فتنتقل إلى بلدان أخرى طال فيها شتاء الجمود
السياسي بينما تتسع فيها أعداد الشباب والطبقة الوسطى. سوف يكون موضع النظر أيضا، أمام
الشباب والطبقة الوسطى، ما جرى في بلدان الربيع، وسوف تكون التجربة المصرية، وإلى حد
ما الأخرى التونسية، موضع بحث وتدقيق. فالثابت أن الثمن كان باهظا جدا في التجربتين
الليبية واليمنية والسورية أيا كانت الآفاق التي سوف تصل إليها، ولكن كثيرا من التفكير
سوف يجري، ويكون مطروحا طريق آخر غير ذلك الممتلئ بالحيرة والعجز عن الاتفاق، والتردي
اللامسؤول للحالة الاجتماعية، والاحتضان القبيح للتردي الاقتصادي. سوف يكون لدينا على
الأقل فترة من التفكير، ولا أقول الهدوء، وبينما ينقسم العالم العربي بين دول الربيع
والدول التي نأت عنه أو نجت منه، فإن دولا أخرى سوف تقف في منتصف الأرجوحة لا تعرف
متى تنزلق، ومتى تسقط، ومتى تنجو بفعل عون مقبل أو حظ قائم. الأردن دائما أفضل الأمثلة،
كان ذلك في أيام القومية العربية التي سرعان ما عادت أصولها إلى الثورة العربية الكبرى،
أما فيما يحدث هذه الأيام فتكون المملكة «هاشمية» الأصل والمستقبل. السياسة متقلبة
كما نرى وربما كانت المشابهات التاريخية كلها كما يجب خارج السياق، ولكن للأسف فإنها
أهم ما لدى الباحث والمحلل لعلنا نكون جزءا من دورات محكمة، أو قوانين غير مرئية تنظم
دون أن ندري حالة النشوء والارتقاء
.

ولو كنت مكان الجماعة السورية
وقيادتها المناضلة من أجل الخلاص من آخر حفريات عصر زائف لا كان قوميا ولا كان عربيا
ولا كان سوريا بل وأظنه أيضا لم يكن علويا وإنما واحدة من تلك العصابات التاريخية التي
تبقى من طغمة كانت لها يوما أحلام كبيرة؛ لو كنت مكان هؤلاء لأرسلت جماعة تنظر وتدرس
ما جرى من أخطاء خاصة خلال المرحلة الانتقالية حتى لا يجري تكرار ما جرى. وفيها كلها
سوف يكتشفون عددا من إشكاليات المرحلة الانتقالية: أولها، كيف يبقى الثوار موحدين أو
على الأقل بينهم آلية سلمية للتعامل مع مهام المرحلة الانتقالية. المسألة سوف تكون
أصعب في الحالة السورية، ففي الحالة المصرية والتونسية بقيت الدولة على حالها، بيروقراطيتها
وجهازها القضائي والأمني والعسكري، ربما ضعف كثيرا أو قليلا ولكنه ظل موجودا ويمكن
البناء عليه. ولكن في دمشق سوف يكون ما هو موجود معرضا لتلف كبير، وربما لا يكون ذلك
عيبا كله، فالأفضل أحيانا أن تبدأ من جديد بدلا من إصلاح نظام قديم
.

وثانيها، المسألة الدستورية
وهي كما نرى في القاهرة قسمت شعبا لم يعرف انقسامات كثيرة من قبل، ولكن القسمة غلبت،
وباتت مصر فسطاطين مدني وديني، وسرعان ما ظهر أن هذا وذاك لا يمثل أفكارا وإنما إطارا
جغرافيا بين القاهرة والشمال من ناحية والجنوب من ناحية أخرى، وأصولا اقتصادية اجتماعية
بين الطبقة الوسطى على جانب والطبقات والشرائح الفقيرة على جانب آخر
.

وثالثها، ماذا نفعل مع
النظام القديم، وهو سؤال كان له أصوله عندما تمت الإطاحة بنظام صدام حسين، وهو حفرية
أخرى من حفريات القومية العربية، ولكن الحفريات في العالم العربي لها أصول إن لم تكن
دينية فهي عرقية، ولا يقوم استبداد وطغيان على محض القوة الغاشمة، ولكنه وقد استمر
لفترة طويلة يثبت له مواقع ومصالح لا بد من قرار التعامل معها أو سحقها، وفى بغداد
قرروا الثانية فكان شبه تقسيم العراق، وفى مصر قرروا الأولى، فلم يمض عامان على الثورة
حتى كان «الفلول» مرة أخرى في الميدان
!

القائمة بعد ذلك، أو ربما
قبل ذلك، طويلة، فقضايا الأمن والاقتصاد وإدارة العلاقات الإقليمية والدولية لا تنتظر
أحدا بل تضغط بشدة على القيادة الجديدة ولا تأخذ بعضا من وقتها فقط، بل الأرجح أنها
سوف تخضعها لاختبارات عدة، فلا شيء يزعج أصحاب مصالح أكثر من أن يكون أمامهم مجهول
يطرح أسئلة لا يستطيع أحد الإجابة عليها
.

 

المصدر: جريدة الشرق
الأوسط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى