آراء ومقالات

بين قمتي المنامة والكويت… خليج يتوحد

لم تكن مبادرة أمير دولة
الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح باستضافة القمة 34 لدول “مجلس التعاون”
الخليجي بعد انفضاض قمة المنامة الخليجية , إلا تأكيدا وتكريسا للدور السياسي والستراتيجي
الكويتي الفاعل في إدارة ملفات الأمن والسياسة والإقتصاد والتنمية في الخليج العربي
, وهي مهمة اضطلعت الكويت في التصدي لها منذ انبثاق وتأسيس “مجلس التعاون”
الخليجي عام 1981 وصموده وتعزيزه رغم قساوة الظروف والتحديات الأمنية والسياسية التي
واجهت ذلك المجلس منذ انطلاقته الأولى بعد اشتعال الجبهة العسكرية في الصراع العراقي
¯ الإيراني والتطورات الخطيرة التي أعقبت ذلك ولم تنته فصولها المرعبة والمزعجة حتى
اليوم , الكويت وهي تحمل راية العمل الخليجي المشترك تعود بقوة الى واجهة الأحداث رغم
وجود ورش عمل داخلية صعبة وخيارات غير مريحة , وتوترات متنامية في الساحة الداخلية
الكويتية وهي قضية ليست جديدة بل انها كانت متلازمة دائما مع ظروف ومنحنيات العمل السياسي
في الكويت التي تتميز بجرعتها العالية من الديمقراطية وحرية التعبير والتي جعلتها تعيش
في ربيع تغييري حقيقي استمر فصولا متعاقبة منذ فجر الاستقلال عام 1961 وتكرس مع دستور
1962 وحتى اليوم , تصدي الكويت لقيادة السفينة الخليجية المبحرة في أنواء المنطقة العاصفة
والمشرعة الأبواب من كل إتجاه فيه معان حقيقية لقدرة الإدارة السياسية العليا على ضبط
وتوجيه الأوضاع بعيدا من النهايات الكارثية أو الأوضاع غير المستقرة , بل من خلال الحكمة
والتوافق والتركيز على الأولويات والإبتعاد عن مواطن الشبهات وتكريس هيبة الدولة ونظرتها
المتساوية الى كل المكونات المجتمعية الكويتية من دون التنازل عن الخيارات الستراتيجية
التي تميز هوية الكويت العربية المسلمة الملتزمة بالقوانين والأعراف الدولية والمساندة
أبد الدهر لحق الشعوب في تقرير مصيرها , لقد كانت كلمة أمير الكويت في قمة المنامة
تجسيدا حيا لهوية وانتماء وستراتيجية السياسة الكويتية الواضحة والملتزمة بالخيارات
الوطنية والقومية التي يجتمع حولها جميع أبناء الشعب الكويتي , فمساندة الثورة السورية
والالتزام الإنساني والأخلاقي الصارم بتقديم المساعدات والمنح اللازمة لتخطي الشعب
السوري الحر لظروفه الصعبة من خلال مؤتمر المانحين المقبل, وكذلك التوجه الى النظام
الإيراني برسالة واضحة وبلسان عربي مبين اذ يبدو أن أهل النظام في إيران مازالوا يراهنون
على خيارات خائبة ومشبوهة لن تنجح أبدا مهما ارتفع سقف ديبلوماسيتهم النفاقية , فالرسالة
الأميرية واضحة وجامعة ومانعة تدعو أهل الحكم في طهران للعودة الى جادة الصواب وللشرعية
الدولية والالتزام بمبادئ حسن الجوار والتخلي عن أحلام اليقظة في مشروع إسقاط الأنظمة
الخليجية وإقامة البديل الطائفي المعلوم وكذلك الجنوح للسلم وللمنطق في معالجة ملف
الاحتلال الإيراني للجزر العربية الإماراتية الثلاث واللجوء الى خيار التحكيم الدولي
, فلا مصلحة لأحد في معاداة النظام الإيراني , ولا رغبة لأي طرف لاستحضار أي ملفات
توتر مأسوية , والموقف السياسي الكويتي المتوازن الذي رسم محاوره عميد الديبلوماسية
العربية الشيخ صباح الأحمد ينطلق أساسا من خبرة طويلة ومجربة ومن حرص على مصالح جميع
شعوب المنطقة وبما يؤسس ويدعم فكرة أن يكون الخليج العربي بحيرة سلام وأمن واطمئنان
وتنمية بدلا من الحروب العبثية والسياسات التدميرية التي استهلكت ثروات ومصالح ومستقبل
أجيال شعوب المنطقة, وبين قيادة المنامة للسفينة الخليجية ووصول الدفة للقيادة الكويتية
تدور مساحات مهمة من الملفات الحساسة والتي أهمها الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم
الأهلي وإجهاض المؤامرات الإيرانية التي تستهدف أمن وسيادة ومستقبل مملكة البحرين تحت
ستار الشعارات المعارضة ومحاولة إيجاد خلل وثقب في جدار الأمن الخليجي من أجل التسلل
ومحاولة توسيع “دفرسوار إيراني” يكون مدخلا لتوسيع مسارب الفتنة في عموم
المجتمع الخليجي , وهو سيناريو اليوم الأسود الإيراني الموعود الذي لن يرى النور أبدا
بسبب اليقظة الخليجية والإحاطة الأمنية التامة بكل الملفات ذات العلاقة , وحتى تسلم
البحرين دفة القيادة للكويت فإن الرؤية الخليجية المشتركة والملتزمة بتحقيق أقصى درجات
التنسيق وصولا للوحدة السياسية والعسكرية تظل هي هدف الجميع والهاجس الأكبر الذي يؤطر
سياسات مجلس التعاون الخليجي المستقبلية, مستقبل الوحدة الخليجية بات اليوم هو الهدف
الأكبر الذي تسعى القيادة الكويتية الى تثبيت أركانه وإستحضار عناصره وصولا لأن تكون
قمة الكويت الخليجية المقبلة مدخلا مهما وفاعلا لحقبة تاريخية وسياسية جديدة في الخليج
العربي , وهو ما ستنجح الكويت في تحقيقه بكل تأكيد.

* كاتب عراقي

dawoodalbasri@hotmail.com

 

المصدر: جريدة السياسة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى