آراء ومقالات

ايران: تجاهل دستوري لمكونات الدولة وتهميشها

 

يعتبر الدستور عقدا اجتماعيا ذا قيمة سياسية وقانونية بالغ الأهمية في الدولة،
حيث يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وأيضا يعتبر المرجعية للقوانين والتشريعات. في
الدستور تُحدد صلاحيات السلطات وعلاقتها ببعضها البعض وتحدد طبيعة العملية السياسية
في الدولة وتفاعلاتها ويضمن الحقوق الفردية والجماعية، لمكونات المجتمع.

لذلك تعتبر مشاركة جميع مكونات المجتمع وأطيافه في صياغة الدستور ووضعه قاعدة
عامة تطبقها جميع الدول التي تؤمن بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وتسعى لممارستها.
الدولة الإيرانية التي تتشكل من مجموعة مكونات قومية (آذريين،عرب، كورد، فرس، بلوش
وتركمان)، ومجموعة مكونات دينية أهمها الاسلام (شيعة وسنة)، الصابئة (المندائية)، المسيحية،
اليهودية، البهائية والزرادشتية لم تراعِ هذه القاعدة الجوهرية التي تؤسس لروح الديمقراطية
وحقوق الإنسان، خلال صياغة الدستور. واختزلت المشاركة فقط بالقومية الفارسية ومن اتبعها،
واقصت جميع المكونات الدينية والقومية الأخرى من المشاركة في صياغته. وهذا ما يفسر
عدم مراعاة حقوق غالبية المكونات القومية والدينية في إيران وعدم ضمان هذه الحقوق في
الدستور.

الدستور الإيراني في المادة التاسعة عشرة تجاهل ذكر اسم القوميات غير الفارسية
واكتفى فقط بذكر تسمية الشعب الإيراني. فهذه المادة توحي بالانتماء العنصري للعرق الآري
بشكل صارخ باعتبار أن أصل كلمة إيران من آريا(ِ
Arya)وهي تشير إلى
العرق الآري.

وفي المادة الثالثة عشرة يتجاهل الدستور بعض المكونات الدينية في الدولة الايرانية
(الصابئة والبهائيين) واكتفى فقط بذكر اسم الزرادشتية واليهودية والمسيحية واعتبرها
أقليات دينية. وهذا الاعتراف وذكر الأقليات الدينية الثلاث لم يأت من باب الاهتمام
بحقوق الانسان واحترام الأديان وانما لأن الزرادشتية تعبّر عن الموروث الثقافي الفارسي
وتاريخه، واليهودية والمسيحية يوجد من يدافع عنها ويدعمها خارج حدود إيران. أما البهائية
أقلية لم يكن لديها نفوذ خارج الحدود حين صياغة الدستور. والصابئة أيضا فهم مكون أساسي
للشعب العربي المهمش أصلا ولا صلة لهم بتاريخ وثقافة الفرس ولا يوجد من يدعمهم خارج
إيران.

لم يقف التجاهل الدستوري لمكونات الدولة الإيرانية (القوميات والأقليات الدينية)
وتهميشها عند هذا الحد، وانما تعتبر المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني المذهب
الاثني عشري (الشيعة) المذهب الرسمي للدولة ثم تحصر المادة الخامسة عشرة بعد المئة
منصب رئاسة الجمهورية في المكون الشيعي من المجتمع الإيراني. مما يعني اقصاء واضحا
للمكونات الدينية والمذهبية الأخرى وحرمانها من حق الترشح وتقلد منصب رئاسة الجمهورية
في إيران.

إذا كانت الجمهورية الإيرانية الإسلامية التي تتبجح يوميا بديموقراطيتها المزيفة
لم تراع نظريا حقوق المكونات القومية والدينية وتتجاهلها وتهمشها من خلال الدستور،
فكيف يمكن لهذه الديمقراطية المزعومة أن تراعي حقوق تلك القوميات وتتعايش معها عمليا
من خلال القانون والتداول السلمي للسلطة وتقاسمها؟

إن الأحداث والوقائع تشير إلى أن النظام مهما استخدم القبضة الحديدية والعنف
المفرط في تعامله مع حقوق ومطالب مكونات المجتمع الإيراني لن ينجح على المدى البعيد
والاستراتيجي. وسيصل إلى طريق مسدود، ما يضعه أمام مجموعة من التحديات الصعبة أهمها:

التحدي الأول: يتمثل في إعادة انتاج النظام الحالي من خلال تسيير عملية إصلاحات
محدودة لا تمس أسس النظام ومبادئه ومنح الشعوب بعض الحريات والحقوق المدنية. ودعم الانفتاح
الثقافي والاجتماعي. لكن تبقى النتائج غير مضمونة للقومية الفارسية باعتبار أن التقدم
والتطور الذي حدث في العالم أثرعلى طموحات وتوقعات هذه المكونات ورفع من سقف مطالبها
المشروعة.

التحدي الثاني: إعادة انتاج الدولة الإيرانية من خلال تعديل دستوري أو صياغة
دستور جديد يمثل جميع مكونات المجتمع الإيراني، دستور جديد يتماشى مع روح الديمقراطية
والتعددية وحقوق الإنسان. ولكن تبقى النتائج لصياغة الدستور الجديد وبناء الدولة على
أسس ديموقراطية وتكافؤ الفرص والتداول السلمي للسلطة وتقاسمها غير مضمونة للقومية الفارسية.
فقد تنتج عن هذه العملية إيران ديموقراطية متماسكة قوية ولكن في نفس الوقت سيضمحل تأثير
القومية الفارسية في الدولة الإيرانية باعتبارها أقلية مقارنة مع مجموع القوميات المضطهدة
الأخرى في إيران التي قد تتحالف مع بعضها البعض في مقابل القومية الفارسية.

التحدي الثالث:  إعطاء القوميات حقها
في تقرير مصيرها من خلال استفتاء شعبي تشرف عليه الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية، قد
يؤدي إلى تفتيت إيران إلى مجموعة دول.

التحدي الرابع: الرهان على الاستمرار في أسلوب الاقصاء والتهميش ضد هذه المكونات
القومية والدينية واضطهادها. مما يفتح المجال أمام هذه المكونات للمطالبة بحقوقها من
خلال استخدام الوسائل العنيفة والتعبير بطرق غير سلمية بما فيها رفع السلاح ضد الدولة
وسيؤدي هذا الأسلوب إلى تفتيت ما تبقى من اللحمة الوطنية المصطنعة وتفكيك إيران على
الطريقة السوفيتية.

 

المصدر: موقع العرب
الآن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى