آراء ومقالات

الاقتصاد “كعب أخيل” إيران الاسلامية!

عن الموضوع النووي، يقول المتابع الاميركي نفسه للاوضاع الايرانية من واشنطن،
اظهرت ايران والقوى الدولية الكبرى اهتمامها بجولة جديدة من المحادثات الديبلوماسية
في السنة الجارية 2013 حول البرنامج النووي الايراني المثير للجدل. فالفجوة لا تزال
كبيرة جداً رغم ثلاث جولات حوارية استضافتها العام الماضي إسطنبول وبغداد وموسكو. والسؤال
الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ان الولي الفقيه آية الله علي خامنئي مهتم فعلاً
بالتوصل الى صفقة وبشروط ترضي الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا والمانيا وروسيا؟
والجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً. إذ ان المعروف عن خامنئي انه لا يخضع للضغوط بسهولة.
فهو نجا (
Survive) رغم الاعتقال وعاش مراحل الثورة
كلها، وتعرّض لمحاولات اغتيال، وكان جزءاً من الحرب بين بلاده والعراق وواجه انتفاضات
شعبية وعقوداً من العقوبات الدولية والاميركية. وهو لا يعتبر برنامج دولته لتخصيب الاورانيوم
حقاً طبيعياً وقانونياً فقط، بل ايضاً مقياساً لنجاح طهران في مواجهتها لاميركا. فضلاً
عن انه تحدث علانية العام الماضي عن ضعفها او انهيار نفوذها في الشرق الاوسط. وقد شجّعه
على ذلك سقوط ثلاثة من الحكام الموالين لها في المنطقة واهتزاز مواقع آخرين بقوة، وانتشار
الاسلاموية في العالم العربي الذي اعتبره “صحوة اسلامية” مماثلة لصحوة ايران.
إلا ان خامنئي رغم كل المواقف العلنية المذكورة، يلفت المتابع الاميركي اياه، ذكي كفاية
ليعرف ان التغييرات السياسية نفسها التي وضعها في خانة بلاده تشكِّل بدورها تحديات
جديدة لنظامه. فالرئيس السوري بشار الاسد اهم حليف عربي لايران صار تحت حصار حركة احتجاجية
تحولت حملة عسكرية قوية. وتأثيراتها تؤثر على لبنان وتحديداً على “حزب الله”
فيه، علماً انه يواجه ما فيه الكفاية من مشكلات في بلاده. كما ان تركيا بدأت تتساءل
وبصوت مسموع عن الطموحات الجيوبوليتيكية لايران.

في اختصار، يرى المتابع الاميركي نفسه وفي محاولة للجواب عن السؤال المطروح
اعلاه، ان ايران تبدأ سنة 2013 مع مشكلات اقتصادية متفاقمة قد يكون لها اثر أو دور
في حسابات خامنئي وتالياً قراره. فهو يحتاج الى مليارات من الدولارات الاميركية طبعاً
كعائدات لنفط ايران وذلك لإبقاء “الشبكة” الكبيرة الموالية له في الداخل
على التماسك والفاعلية اللذين اتصفت بهما طيلة السنوات الـ23 الماضية. لكن عقوبات العالم
القاسية والتضخّم الصارخ وتدهور قيمة العملة أنتجت ما يمكن تسميته العاصفة الاقتصادية
الكاملة العام الماضي. وهذه العاصفة او بالأحرى الأزمة الاقتصادية لن تلوح اي نهاية
لها قريباً. فالصادرات النفطية الايرانية انخفضت الى النصف. ومن شأن ذلك تعرّض خامنئي
لضغط من المجموعات المرتبطة به والمؤيدة له بما في ذلك تجار “البازار” و”الحرس
الثوري”. طبعاً لم يتسبب بذلك كله الخارج الاميركي والدولي فقط، إذ ساهم فيه وعلى
نحو كبير سوء إدارة المشكلات الاقتصادية الايرانية. فالرئيس نجاد ألغى بعد انتخابات
الـ2005 وكالات التخطيط الاقتصادي، وهمَّش التكنوقراط “البارعين” غير الموالين
له، ورفع التضخّم الى مستويات قياسية جراء ضخه كميات من “النقدي” (كاش) في
الاقتصاد وتقليص الدعم في الوقت نفسه. وفي اثناء ولايتيه الرئاسيتين “صورخ”
(من صاروخ) الاستيراد من آسيا واوروبا، الامر الذي ساهم في إقفال مئات المصانع الايرانية
أو في افلاسها.

طبعاً، يضيف المتابع الاميركي نفسه، لا يمكن تجاهل دور الفساد في كل النظام
في الأزمة الاقتصادية المشار اليها اعلاه. وقد تحدثت عن ذلك وبالارقام مؤسسة
“الشفافية الدولية” إذ صنّفت إيران في المرتبة 133 من حيث الفساد من أصل
176 دولة. وطبعاً ايضاً لا يمكن إغفال دور “الحرس الثوري” سواء في الازمة
الاقتصادية أو في الفساد. ذلك انه يدير مؤسسات بكاملها وفي مختلف المجالات تقدّر موازناتها
بالمليارات من الدولارات، كما يقوم بأعمال غير شرعية. وقد ظهرت علامات الثراء الفاحش
على عدد من كباره. ويخلص الى اعتبار الاقتصاد “كعب أخيل” ايران اي نقطة الضعف
الاولى فيها، فهي نجحت وعلى مدى سنوات وسنوات في تعليم الملايين من الايرانيين، وفي
إعادة بناها التحتية بعد الحرب الايرانية العراقية التي دمرتها على نحو كامل. لكنها
لم تصل الى الدولة الممكنة، اي التي في إمكانها ان تكونها بسبب ما عندها من احتياطات
واسعة من النفط والغاز ومن أعداد ضخمة من المتعلمين جيداً ومن شعب أقل ما يقال فيه
انه ذكي.

أليست نووية ايران “كعب أخيلها” ايضاً، اي نقطة ضعفها؟

 

المصدر: جريدة النهار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى