آراء ومقالات

الهلال الإيراني وبداية الكسوف

 

 من الممكن اعتبار ما يجري حالياً في العراق وسورية مؤشرات أولية لبداية
تصدع الهلال الإيراني الذي تكلم عنه العاهل الأردني وسماه حينها الهلال الشيعي, وفي
هذا الصدد لا بد من التذكير بأهمية ما حققته ستراتيجية الجمهورية الإسلامية الأخطبوطية
على مدى العشر سنين التي تلت انهيار العراق وسقوطه في براثن سلطة تابعة لولاية الفقيه.
حيث أن الحديث الذي اقتصر في بدايته حول “هلال إيراني” يبدأ من طهران ويمر
عبر بغداد ودمشق ليكتمل في بيروت, تخطى ذلك بكثير خلال العقد الماضي عبر حركة تشيع
عمت مختلف البلدان العربية, وتمكنت من بناء قواعدها عن طريق إثارة وتغذية النعرات المذهبية,
ما تسبب بموجات من الاضطرابات ذي الطابع العنفي, كما حضرناها في البحرين والمنطقة الشرقية
من السعودية وصولاً إلى صعدة في اليمن, وإلى الحدود اليمنية – السعودية, ناهيك عن أحداث
مصر والسودان, وعن احتلال إيران السابق للجزر الإماراتية والأهواز العربية, وطموحها
الدائم لتغيير اسم الخليج العربي, وما حققته من انقسام خطير في الصف الفلسطيني, وصولاً
إلى ما هي بصدد افتعاله حاليا في سورية ولبنان.

     وبعد
كل هذا الأداء الإيراني الناجح ألا يحق لنا التساؤل حول احتمال أن تكون إيران بصدد
تأدية دور الشرطي المحافظ على حقوق الغرب ومصالحه وأطماعه في المنطقة العربية? ألا
يحق لنا التساؤل حول احتمال أن يكون قد لاقى هذا المشروع التوسعي التشيعي الطابع الدعم
الغربي والأميركي الكافي لتأمين تمدده واستحكامه بكل مفاصل المشرق العربي منذ ثلاثة
عقود وحتى الساعة? ألا يفسر هذا الرضى الغربي عن سياسة طهران, استمرار وقاحة أجهزتها
العسكرية في تقديم الدعم العسكري واللوجيستي للنظام السوري القاتل, وبالتالي تمكنه
من الصمود رغم من ضربات المعارضة الموجعة?

     ولكن
أحداث العراق الأخيرة ومواقف الشعب السوري المشرفة والأبية وصمود الغالبية من الشعب
اللبناني بوجه القانون الأرثوذكسي السوري – الإيراني المنشأ, يمكن اعتبارها مؤشرات
على بداية تصدع هذه الامبراطورية الفارسية المترامية الأطراف والمدعومة من إسرائيل
خصوصاً ومن الغرب والولايات المتحدة بشكل عام. فبعد أن “هاجت وماجت” الأرض
العراقية عموماً الانتفاضة الشعبية العارمة, المطالبة برفع الظلم والغبن عن أهل السنة,
وبعد أن تمكن المتظاهرون من قطع الطريق البري الذي كانت تستخدمه قوات المالكي والحرس
الثوري الإيراني لنقل الإمدادات العسكرية إلى الأراضي السورية, بدأت تتغير المعادلة
بالنسبة إلى  المالكي المرتبط بملالي طهران
والمنفذ لسياستهم التوسعية. وإن تشير انتفاضة الشعب العراقي إلى أمر ما, فهي تدل على
أن هتافات ثورة العراقيين بدأت تسمع بقوة في قلب دمشق وتلاقي صداها في الشارع السوري,
وإذا كان المنطق يقول أن كل تعزيز لموقع أهل السنة في العراق سوف ينعكس إيجاباً في
تعزيز الدعم اللوجيستي للثوار في سورية, يمكن القول في المقابل إن سقوط نظام الأسد
سيعظم من مكانة السنة في العراق مجدداً, بعد عقد كامل من الإقصاء والتهميش.

     لقد
تلقت إيران ضربة موجعة في الثورة المتأججة ضد نظام المالكي في العراق, وها هي تتلقى
الضربات الموجعة في الداخل السوري, حيث يلاقي ما بين ثلاثة إلى عشرة من خلايا
“حزب الله” التابع للحرس الثوري حتفهم كل يوم على يد الثوار السوريين. ناهيك
عن حتمية سقوط نظام بشار الحليف والذي سوف يشكل الضربة القاضية لنظام الملالي.

     أكثر
من ذلك يمكن القول ان هذا الهلال المفترض أن يأخذه طموحه الشمولي التوسعي عبر العراق
وسورية وصولاً إلى لبنان, قد بدأ يتعثر ويلاقي الصعوبات والعوائق نظراً إلى رفض العالم
الإسلامي وبخاصة السني لسياسته الشمولية والتي تميزت بالخبث والدجل في مقاربة المجتمعات
عن طريق التحريض المذهبي المقيت. ولقد تجلى فشل هذه السياسة بمجرد أنها انكشفت وباتت
مفضوحة وعلى العلن, وباتت التصريحات الواردة من طهران تتوالى وتعلن مواقف أقل ما يقال
فيها بأنها وقحة وفجة ….نذكر منها تلك التي سمعناها في الآونة الأخيرة حول إعلان
سورية المحافظة ال¯35 من المحافظات الإيرانية.

     في
الخلاصة يمكننا التأكيد على أن إيران شكلت على مدى العقد الماضي شرطي الخليج, أو شرطي
العالم العربي بكامله لا فرق, في تأديتها وتقمصها لدور شمولي ضاغط حيال العالم العربي
السني, وذلك نزولاً عند رغبة الراعي الأميركي, وخدمة للمخطط التفتيتي الإسرائيلي, من
دون أن ننسى مسرحية ملفها النووي الذي يمكن ضمه أيضاً لسيناريو “البعبع”
المراد لها لعبه على الصعيد العربي, يظل هناك عبارة تقول أنه لا يصح إلا الصحيح…
وان التاريخ سوف يسير بمجراه الطبيعي ولا يمكن أن تدور عجلته إلى الوراء… بدليل أن
مجمل المساعي التي بذلتها جمهورية الملالي لوضع العصي في الدواليب لتشويه صورة الربيع
العربي عن طريق تعمد دعم إيصال سلطة تتميز بالتطرف والتشدد الديني السني بنهايتها كما
حدث في ليبيا وتونس ومصر, هذه المساعي رأيناها تبوء بالفشل الذريع بدليل الانتفاضة
المتجددة في مصر وفي تونس, ناهيك عن انفجار الثورة من جديد في العراق, بدليل استمرار
الشعب السوري في صموده التاريخي رغم إحجام العالم أجمع عن مد يد العون له.

 * كاتبة لبنانية

المصدر: جريدة السياسة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى