آراء ومقالات

سقوط بغداد وخطأ العرب الإستراتيجي

 

لقد أصبح تاريح 9 نيسان ابريل أيقونة للنكبات العربية والإسلامية على مر
السنين، بل كادت هذه النكبات أن تشبه خيط مسبحة قُطعت فلم تعد أمة العرب تستطيع السيطرة
على مجرياتها بالرغم من وجود الحل أمامها. ففي مثل هذا اليوم (9 ابريل) من العام
1609 طُرد الموريسكيون المسلمون من الأندلس التي تقع في أقصى الغرب من بلاد
الإسلام، بقرارٍ تعسفي، فلم يحرك لا المسلمون ولا العرب ساكناً. حتى وصل زحف
الإحتلال إلى فلسطين لترتكب في نفس التاريخ (9 نيسان) من عام 1948 مجزرة دير ياسين
التي راح ضحيتها اكثر من 300 فلسطيني. فأحتلت فلسطين، وواصل المحتلون بطشهم في
بلداننا، والعرب عن جرائمهم “ساهون”! ليصل بعدها الإحتلال إلى أقصى شرق
بلاد العرب، وتحتل “بغداد” الحبيبة قلب الحضارة والعروبة، بينما مازال
العرب يتخذون موقف المتفرج على هذه الحادثة الأشد ألماً في عصرنا الحديث (ما عدا
إحتلال قطر الأحواز العربي من قبل دولة الإحتلال الفارسي في 20 نيسان )1925.

لكن إذا تأملنا لحظة في سلسلة هزائمنا المريرة تلك (في هذا اليوم فقط)، سوف
نجد السبب الرئيس هو إفتقاد الدول والمؤسسات العربية للنظرة الإستراتيجية في
برامجها ومشاريعها القومية والوطنية. فإن كان العرب يمتلكون خطة أو على أقل تقدير
نظرة إستراتيجية، لإستطاعوا رؤية أو توقع الأخطار التي تحيط بالأمة، وفي ذات الوقت
توقع الخسائر والفتن التي تخلفها كل هزيمة.

فعلى سبيل المثال دور دولة الإحتلال الفارسي بنظامها الصفوي في سقوط بغداد كان
جلي للعيان، وخير دليل  على ذلك هو تصريح “محمد
أبطحي” نائب رئيس  دولة الإحتلال
الفارسي محمد خاتمي آنذاك الذي قال بكل وضوح أنه “لولا إيران لما سقطت كابول
وبغداد”. فمن خلال هذا التصريح الرسمي تتجلى الخطط الإستعمارية والفتن التي تثيرها
هذه الدولة المارقة في وطننا العربي. لكن إفتقاد الدول العربية  للنظرة والتخطيط الإستراتيجي الذي يعتبر من
العناصر الرئيسية في كيان كل دولة قوية، هو الذي أدى وما زال يؤدي إلى مزيد من
الدمار والقتل في الأمة العربية.

فكل الدول العربية التي إختارت الصمت، بل وحتى الدول العربية التي ساهمت في
سقوط بغداد تعاني اليوم من فتن وأحداث مأساوية ما كانت لتحدث لو لا سقوط بغداد.
هذا لأن بغداد هي الدرع الشرقي للعرب الذي وقف دوماً بوجه الأطماع الفارسية في
الوطن العربي. فها نحن اليوم نرى كيف تعاني دولة الكويت والشعب الكويتي من الفتن
التي تثيرها الدولة الفارسية هناك، بالإضافة إلى زعزعة الأمن بشكل مستمر في
المملكتين البحرينية والسعودية والأعمال الإرهابية التي تنفذها هذه الدولة عن طريق
شبكاتها التجسسية وعناصرها التي باتت تمتلك اليوم قوة كبيرة، كل ذلك بسبب فقدان
النظرة والتخطيط الإستراتيجي للدول العربية العربية.

هذا غير الغاية القديمة-الجديدة للدولة الفارسية في تجزئة اليمن الحبيب،
إلى دولتين شمالية وجنوبية، عن طريق التركيز على دعم الحراك الجنوبي والحوثيين بالأموال
والأسلحة اللامحدودة.

كل هذه الأحداث أو الهزائم –إن صح التعبير-  جاءت بعد سقوط بغداد، وما هي إلا دلائل مبينة
على أن دولة الإحتلال الفارسي التي تحتل اليوم الأحواز والجزر الإماراتية، وتهيمن
على العراق والنظام السوري البائس، لا تقصد المشرق العربي فقط بل تسعى إلى
الإلتفاف على كل الجزيرة العربية والوطن العربي، لتعيد ما يسمى بـ
“إمبراطويتها الفارسية” التي شُيدت على أنقاض الشعوب والحضارات المختلفة
التي دمرها الإخمينيون.

لكن في النهاية لابد من التذكير بحقيقةٍ، عَمِلَ الإعلام العربي والغربي
على طمسها، وهي أن بغداد الحضارة والعروبة سقطت إلا ان المقاومة لم تسقط، بل إنها
مازالت مستمرة لمواجهة الهيمنة الفارسية والإمريكية على العراق. وكما سقط المحتلون
على مر التاريخ في بلاد الرافدين، سيسقط الإحتلال الإمريكي الفارسي المزدوج على يد
الشعب العراقي الأبي والمقاومة العراقية الباسلة عن قريب إن شاء الله. وسيكتمل هذا
النصر بطرد الإحتلال الفارسي من الأحواز أيضاً على يد الشعب العربي الأحوازي
ومقاومته البطلة، ذلك لأنه توجد حقيقة راسخة، وهي أن الباطل لن ينتصر على الحق
مهما بلغ من قوة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى