آراء ومقالات

إيران من النجادية إلى الروحانية

 

توالت برقيات الترحيب والتهنئة للرئيس الإيراني الجديد الدكتور حسن روحاني من
دول الخليج العربية معبرة في مجملها عن رغبة دول الخليج في تحسين العلاقات مع الجارة
الشمالية وإقامة علاقات تعاون، وقد أعلن روحاني أن من أولويات إيران تحسين العلاقات
مع دول الجوار بعد أن شهدت العلاقات الخليجية – الإيرانية خلال ولاية الرئيس الإيراني
السابق محمود أحمدي نجاد فتورا واضحا، نتيجة لسعيه بمشروع الهيمنة الإيراني، فهل يتوقع
حدوث تغيير جذري أو حتى جزئي في سياسة إيران الروحانية تجاه الملفات الساخنة المهمة
كالملف الخليجي؟ وهل ستتغير استراتيجية إيران للهيمنة وسياستها تجاه جيرانها وفق السوابق
الإيرانية في التدخل في شؤون الدول الخليجية؟

تتحرك إيران في المشهد الخليجي المعقد وفق رؤية تزاوج العقيدة بالتاريخ، وتمزج
المصالح السياسية بالتوجهات المذهبية، فإذا تعارضت إحداهما أو تصادمت كانت الغلبة للمصالح
السياسية على الدوام في ظل سياسة خارجية تجملها التقية السياسية، ففي فصل السياسة الخارجية
من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنص المادة 154 على أن «جمهورية إيران الإسلامية
تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطة من العالم»، أي التدخل
في شؤون الدول الأخرى بنص دستوري صريح.

لقد وظفت جمهورية إيران بعد ثورة الخميني عام 1979 فكرة «ولاية الفقيه» بدعوى
نيابة الإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى لنصرة المستضعفين والمظلومين، فأصبحت حاضنة
ومصدرة لمذهبها، وعملت على نقل ثقل المرجعية من نجف العراق إلى قم إيران. ووفق نظرية
«ولاية الفقيه» أنشأت التنظيمات الداخلية والخارجية لتصدير الثورة وفق استراتيجية واضحة
عملت القيادات الإيرانية على تنفيذها، سواء تحت عنوان «المحافظون» أو «الإصلاحيون».

لقد دأبت دول الخليج على التعامل مع إيران وفق مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل
في شؤونها الداخلية، وإلى حل القضايا العالقة بالطرق السلمية والحوار، كقضية الاحتلال
الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، وفي المقابل تنظر إيران لدول الجوار العربية نظرة
دونية تترجمها بسياسات التدخل في الشأن العربي والخليجي والتصريحات الاستفزازية، فطهران
تزرع الخلايا التجسسية في دول الخليج، وتجاهر بذلك على لسان مسؤوليها، وتستمر بإثارة
القلاقل الطائفية. تغذيها نشوة النجاحات في العراق في ظل خطاب سياسي مشحون بحس التفوق
على دول الخليج العربية.

إن الإشكالية التي تواجه دول الخليج العربية هي أن ثمة أطماعا إيرانية بلا مواربة
بادعاءات ضد البحرين واستفزازات في جزر الإمارات المحتلة: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو
موسى، والتدخلات الإيرانية مستمرة، وأطماعها في الخليج والمنطقة العربية واضحة، والمشروع
الإيراني لا يقبل حسن النيات. فقد عملت طهران على استغلال المطالبات بالإصلاحات وتوظيف
المشكلات الداخلية خدمة للمشروع الإيراني، ومحاولة اقتباس تجربة الصعود السياسي للشيعة
في العراق لتعميمها على الدول الإسلامية، وفي مقدمتها دول الخليج، فجاء دخول قوات درع
الجزيرة البحرين بطلب من حكومتها انطلاقا من وحدة المصير المشترك، وترابط أمن دول مجلس
التعاون وفي الوقت المناسب لصد المشروع الإيراني، وإجراء أمنيا جماعيا لدول الخليج.

رغم الجلبة الإعلامية بأن الرئيس الإيراني المنتخب «حسن روحاني» ينتمي للتيار
الإصلاحي، فإن الاختلاف البيِّن بين الإصلاحيين والمحافظين اختلاف في الأسلوب والتكتيكات؛
فالاستراتيجية الإيرانية ثابتة، ولكن تختلف وتتفاوت تكتيكات التيار الأول الناعمة عن
تكتيكات المحافظين التصادمية لتنفيذ مشروع الهيمنة الإيراني، وأبلغ دليل على ذلك فترتا
رئاسة الرئيسين الأسبقين هاشمي رفسنجاني ومن بعد الرئيس الإيراني سيد محمد خاتمي «الإصلاحيين»،
حيث تعززت الاستراتيجية الإيرانية.

اليوم دول الخليج بحاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراقها ولتوحيد سياساتها، فالمصلحة
العليا واحدة، والمشروع الإيراني أوضح ما يكون، والتصريحات والسياسات الإيرانية خلال
العقد الماضي حولت الظنون إلى حقائق، وأصبحت التطلعات الإيرانية حقيقة تدعمها الوثائق
والتطورات على الأرض.

تحتاج دول الخليج لتغيير استراتيجيتها وبشكل جذري في التعامل مع إيران، فيجب
أن تكون مواقف الدول الخليجية من السياسات الإيرانية واضحة لا تحتمل التأويل ولا المجاملات
السياسية؛ فالمواقف الرمادية تخدم الأجندة الإيرانية، وساهمت في تقوية الخطاب السياسي
الإيراني المعادي لدول الخليج.

على الدول الخليجية أن تتخلى عن ازدواجية الخطاب والمواقف تجاه طهران، وفي ذات
الوقت لا يمكن الانقياد لتصريحات كلامية؛ فالفعل هو الفيصل وليس الكلمات الدبلوماسية،
وأن تعاد صياغة المواد الخاصة بالسياسة الخارجية في الدستور الإيراني وفق مبدأ حسن
الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وإلا فلا مكان لحسن النيات والأوهام.

إن أمن الخليج واستقرار دوله على المحك. المنطقة تمر بمرحلة مخاض سياسي توجب
مراجعة المواقف والسياسات، ودراسة الخيارات بشكل جماعي حتى لا يأتي يوم تقول فيه دول
الخليج «ألا أكلت يوم أكل الثور الأبيض».

نقلا عن جريدة “الشرق الأوسط”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى