آراء ومقالات

خيار إيران الصعب ابتلاع الدولة العربية أم تدميرها..!!

 

المقدمة:

من الصعب الجمع في آن واحد بين ابتلاع الدولة كهدف
وتدميرها.. كما أنه من الواضح أخذ أولويات هذا الخيار، الذي قد يفرخ خيارات، منها
قد يستقر على خيار واحد في خضم الصراع، وفي النهاية قد تخسر خياراتها وتنسحب،
لتترك ورائها دماراً في الدولة العربية ودماراً في شعبها.

دعونا نفتح حسابات طهران حيال المنطقة العربية منذ عام
1979.. فماذا فعلت، وهذا الكلام موجه إلى الذين ما يزالون يرون إيران (ممانعة)،
وهي تصارع أمريكا والكيان الصهيوني :

أولاً- بدواعي دعم القضية الفلسطينية، أسهمت إيران، ليس
في فصل غزة عن الضفة الغربية فحسب، إنما حاولت أن تقسم الشعب الفلسطيني بدعم فصيل
فلسطيني دون آخر على أساس مذهبي، الأمر الذي جعل قيادات فلسطينية تتلمس هذا الخطر
الذي يفت في عضد الثورة الفلسطينية باعتبارها مقاومة وطنية عربية تعمل ضد الاحتلال
الاستيطاني الفلسطيني، وليست حركة مذهبية قابعة في قطاع غزة، لأن المقاومة
الفلسطينية هي مقاومة للشعب الفلسطيني كله.. وهدف إيران من كل هذا، والذي يتوافق
مع المنهج الإسرائيلي، هو تفكيك القضية الفلسطينية وعزلها جغرافياً ومن ثم توزيعها
على أساس الوطن البديل لكل من الأردن ومصر.

 

ثانياً- بدواعي (الممانعة)، وعلى حساب القضية
الفلسطينية، التي اتخذت طهران منها معبراً لسياساتها التدميرية، أسهمت في (تغول)
حزب الله على الدولة اللبنانية حتى احتلال عاصمتها بقوة السلاح المليشي (الممانع)،
ووضع الدولة اللبنانية في سلة المعادلة التي يفرضها المرشد في طهران.. وتلك حالة
شاذة لن تقبلها أي دولة في العالم.!!

 

ثالثاً- تسلمت إيران، بعد انسحاب أمريكا الشكلي، زمام
الأمور في العراق من خلال أحزابها ومليشياتها واستخباراتها، ومنظمات القتل التي
يديرها “قاسم سليماني” مع ” نيكروبونتي” بتفاهم أمريكي-
إيراني مسبق، أسهمت في نشر الطائفية في المجتمع العراقي المتجانس نسيجه الاجتماعي
منذ ألاف السنين.. والهدف الأساس هو الإمعان في تدمير الدولة العراقية والقضاء على
مؤسساتها دون أن يقابله شيء من الأعمار والإنشاء والمشاريع.. بمعنى، إن منهج إيران
هو التدمير والاستنزاف ووضع الشعب العراقي في دائرة مغلقة من الفوضى لا جيش وطني
مهني ولا أجهزة أمنية وطنية مهنية ولا شرطة وطنية مهنية ومحترفه ولا جهاز تعليمي
وطني ولا منظمات وطنية ترعى المواطن وتسهر على أمنه وحقوقه.

 

رابعاً- بدواعي دعم النظام السياسي في دمشق، تسهم إيران
في تدمير سوريا كياناً وحضارة بأداة النظام الذي لن يتوانى عن أن يجعل سوريا حجراً
على حجر لكي يبقى النظام قائماً على الأنقاض، ولا أحد من العرب يعترف به ولا
العالم سوى (إيران وحزب الله وروسيا)، أما الكيان الصهيوني فأن نظام دمشق خير له
من أي نظام بديل، وكما أن (إسرائيل) تضع في حساباتها تدمير الدولة السورية شعباً
وحضارة، تلتقي في حساباتها مع إيران لتدمير الدولة السورية شعباً وحضارة.. إذن،
التدمير هو الهدف الأساس لطهران وليس الدعم لسواد عيون الأسد فحسب.!!، لذلك يتدفق
على سوريا من العراق (متطوعو جيش المختار- ومليشيات المهدي- ومليشيات أبو الفضل
العباس- والحرس الإيراني وعناصر فيلق القدس- ومليشيات حزب الله من لبنان).. كل هذه
الأدوات الإيرانية ليس لدعم نظام الأسد فحسب، بل الهدف الأساس هو تدمير الدولة
السورية كياناً وحضارة ضاربة في عمق التاريخ، كما هو هدف تدمير كيان الدولة
العراقية وحضارتها الضاربة في عمق التاريخ العربي الإسلامي.. إنه هدف فارسي ثأري
قديم..!!

 

خامساً- يحاصر الإيرانيون السعودية من شمال اليمن حيث
جبال (صعدة) والجزر اليمنية التي يتكدس فيها السلاح الإيراني على مدار السنة..
والهدف هو التربص لانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على بيت الله الحرام وتدمير
عمق التاريخ الإسلامي، وقد مهد الإيرانيون لذلك بتشويه صورة الرسول العظيم محمد
صلواة الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وحاولوا المساس برموز العرب والمسلمين وبنبوة
الرسول وعِرضه كما يفعل المارقون من أمثال” سلمان رشدي” وغيره من
الأوربيين المتصهينين.. كل ذلك يجري لتشديد الخناق لإرباك الدولة السعودية بوضعها
بين كماشة النظام الصفوي في بغداد التابع لإيران، وجماعات الحوثيين المسلحة في
جبال صعده، فضلاً عن تحريك الخلايا النائمة في الوقت المناسب.. والهدف، هو نقل
مركز المسلمين إلى (قم) لتكتمل – حسب زعم الصفويين – ركائز الزعامة الفارسية في
التشيع.. الأمر الذي يؤدي إلى تدمير الدولة السعودية ككيان وحضارة إسلامية عريقة
ضاربة في عمق التاريخ!!

 

سادساً- حاول الصفويون اختراق مصر مستغلين ضعفها
واضطرابها وتقربوا بإغراءات المال وبخطوط أنابيب النفط العراقي، وبزيارات سياحية
(دينية) مكثفة، ورعاية للمراقد وأولياء الله الصالحين في مصر.. وكان الأخوان
المسلمون للصفويين وللأمريكيين معاً كحصان طروادة، الأمر الذي فطن إليه شعب مصر
العظيم قبل جيشه العظيم فأسقط اللعبة الأمريكية- الإيرانية- الإسرائيلية المشتركة،
التي ترمي إلى تهيئة الأجواء لصدام بين الجيش والشعب من أجل تدمير الجيش
واستنزافه، هذه المؤسسة الوطنية المصرية المتماسكة التي لن يكون لها خيار سوى
الشعب وليس خيارها طائفية إيران ولا ديمقراطية أمريكا.. فأسقط الشعب والجيش المصري
هذه اللعبة وأربك واشنطن وطهران وتل أبيب.. مصر هي مركز الثقل الإستراتيجي العربي،
والعراق حجر الأساس فيه أما سوريا فهي الجناح الذي ترتكز عليه معادلة المركز.!!

إيران.. اندفعت خارج حدودها بقوة تتلبسها غطرسة القوة
والنزعة الأيديولوجية.. هذه الإندفاعة، في محصلتها قد تمت على حساب الداخل
الإيراني، وهو داخل هش قابل للتفكك والانهيار رغم كل استعراضات القوة، وقابل
للتآكل التدريجي وليس عن طريق الحرب كما يزعم البعض- بفعل عوامل الداخل والخارج
معاً.!!

إيران.. متورطة في الخارج، والتورط هذا يرتب التزامات
باهظة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وإستراتيجياً.. ولا أظن أن إيران ستخرج من
ورطتها سالمة، على الرغم من التداخل، الذي أفرز متغيرات خطيرة نتيجة لنهج التورط
من جهة، ونتيجة لجهل الأمريكيين وتجريبيتهم الفاضحة على أرض واقع منطقة (الشرق
الأوسط) من جهة ثانية.. فالمتغيرات التي حققها الأمريكيون منذ عام 2001 حتى عام
2011، والتي هي خليط يجمع بين (الإندفاعة المفرطة والتراجع غير المنظم)، كان نصيب
الإيرانيين في نهج التوافق الإستراتيجي المشترك يعطي الانطباع بأن إيران باتت على
وشك أن تهيمن على المشرق العربي بل تحاول أن تدمر ركائز هذا المشرق ” العراق
وسوريا ولبنان ومصر”.. لأنها لا تستطيع أن تبتلع المشرق العربي، لكونها غير
قادرة على أن تبقى على رأس هيمنتها، وذلك لكلفها الباهظة.. لذلك تعمد على تدمير
وانتزاع عناصر القوة عن طريق الاستنزاف، في العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها من
الدول العربية.

إيران لن تستطيع أن تتراجع عن خط ملفها النووي المهدد
للمنطقة.. لأن تراجعها مكلف عليها وباهظ، كما أنها غير قادرة على أن تكف عن التدخل
في الشأن العربي لأنها توسعية في منهجها السياسي من جهة، ولأنها تقوم بتصدير
أزماتها إلى المنطقة كلما شعرت بأنها تتعرض للضغط.. كما أنها غير قادرة على
التراجع إلى الداخل لأنها في تراجعها وكما هي تعتقد، هزيمة تؤدي إلى سقوط نظامها
السياسي الصفوي.. إذن، إيران في مأزق، لن تتراجع في إندفاعتها صوب الخارج، ولن
تستطيع البقاء في هذه الإندفاعة، ولن تستطيع التراجع نحو الداخل حتى لحسابات ترتيب
أوضاعها.!!

 

مثلاً.. لماذا إصرار إيران على بقاء (المالكي) على رأس
سلطة فاشلة، وكذلك رضوخ أمريكا للقرار الإيراني؟، لا أمريكا تريد استقرار العراق
ولا إعماره، ولا إيران تريد استقرار العراق وإعماره.. إذن، ماذا تريد أمريكا
وإيران من العراق بعد مضي عشر سنوات على الاحتلال؟!، بوضوح لا لبس فيه، أنهما
يريدان تدمير العراق وتمزيقه.. وهذا ينسحب على سوريا ومصر أيضاً في هذه المرحلة من
التحولات.

طهران تدفع منذ الاحتلال نحو الاحتقان الطائفي والحرب
الأهلية التي تصب في مصلحتها ومصلحة شركائها، إلا أن شعب العراق ومنذ الغزو
الأمريكي للعراق قد فوت عليها هذه الفرصة، وكانت ذروتها تفجير إيران لمرقد الأمام
العسكري في سامراء. إن خيار طهران لـ(المالكي) ما يزال مستمراً على منوال المجازر
والقتل والإرهاب والترهيب والإعدامات، وخلق الأزمات والصراعات مع كل المكونات،
لخلط الأوراق، ومنها التصادم مع الأكراد في حلقة مفرغة من التصالح المؤقت والتصادم
المؤقت، من الاتهامات إلى التراجع، من مشاريع الأقلمة إلى مشاريع الأراضي المتنازع
عليها، ثم إلى اللقاءات لترطيب الأجواء.!!

وكما نرى، أن المنهج الإستراتيجي الإيراني ينصب على عدم
الاعتراف بوجود عربي وقومية عربية، بل يعترف ضمناً بوجود مكونين مذهبين يتصارعان
تستقطبهما دولتان اقليميتان، وعلى أساسهما تقسم دول المنطقة حيث الوصاية الإيرانية
والإسرائيلية والأمريكية.

ومع كل ذلك.. فأن أمور إيران لن تستقيم على هذا المسار
الذي يصطدم بقوى إقليمية غير مستعدة للتعامل بمثل المنهج الفارسي، الذي بمجمله
يريد أن يغطي على الملف النووي.. وإن إخفاق المنهج الإيراني هذا منذ عام 2011 قد
دفع طهران نحو التصعيد الطائفي، ليس صوب الحرب الأهلية في العراق فحسب، إنما نحو
الحرب الأهلية في سوريا، وما ينسحب على سوريا تكون له امتدادات إلى لبنان، التي
عانىت منها طويلاً بفعل الوجود المسلح لحزب الله وتهديداته باجتياح بيروت.!!

بقاء المالكي، رغم كل الكوارث، وهو ينفذ المنهج الفارسي
القاضي بنشر فوضى القتل والنهب والتفجيرات، وعدم الركون إلى ضبط حركة الدولة
بتغيير دستورها الذي أسسه المحتل الغازي وإعادة ترتيب هيكليتها حسب متطلبات إرادة
الشعب.. لأن إيران، كما أسلفنا، لا تريد أن يستتب الأمن ولا تريد الاستقرار ولا
تريد البناء والإعمار في العراق.. إنما تريد أن يبقى العراق مدمراً وتحت
وصايتها.!!

فمنهج التدمير الإيراني للعراق وسوريا على وجه الخصوص،
لا يتم إلا من خلال الاستنزاف، الذي يفضي إلى الهيمنة.. وإن إيران تدرك أن نظام
دمشق لا يستطيع، بعد كل هذه المجازر، أن يتعايش مع الشعب السوري، وإن نظام بغداد
لا يستطيع أن يتعايش، بعد كل هذا الدمار والدماء التي سفكت، مع النظام الدموي
الفارسي.. فأن طهران ومن مصلحتها أن تترك دمشق مدمرة كما تترك بغداد هي الأخرى
مدمرة، لتضرب عصفورين بحجر، ثأرها من شعب وحضارة العراق، وشغفها في تدمير شعب
سوريا العربي وحضارته.!!

 

والتساؤل هنا.. لماذا تفعل إيران كل هذا؟ هل هنالك ما
يهددها؟ أي نوع من التهديد وأين مصدره؟ والجواب المؤكد أن لا تهديد تواجهه إيران
على الإطلاق؟

لقد شخص بوضح “سعود الفيصل” وزير الخارجية
السعودي في مؤتمر صحفي مع “جون كيري” وزير خارجية أمريكا، وكان صائباً
حين قال (إن سياسات التفاوض مع إيران على ملفها النووي سوف تؤدي إلى أن يمتلك
الإيرانيون السلاح النووي خلال سنوات قليلة، وإن السياسات تجاه الثورة في سوريا
تعني الدمار الكامل للبلاد).!!

أمريكا بعد انسحابها الشكلي من العراق عززت واقع شركائها
في المنطقة، وهم، إيران ضامنة لمصالحها النفطية في العراق، وتركيا ضامنة لسياسة
الناتو، و(إسرائيل) ضامنة للمصالح الأمريكية والأوربية بعدم وحدة العرب وعدم
تقاربهم وعدم استقرارهم وعدم تنميتهم، بل تدمير عناصر قوتهم وتقسيمهم وتفتيتهم
ومحو هويتهم القومية الإسلامية.. فمتى يستيقظ العرب؟!

 

 

المصدر: شبكة البصرة 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى