حزب لا يخطئ
لا شيء يؤثر في «حزب الله».
لا شيء. إدراجه على اللائحة الاوروبية للمنظمات الارهابية، قرار مجلس التعاون الخليجي
المشابه، مئات النعوش لمقاتليه الذين يسقطون في سورية، انكشافه الامني، كلها اجزاء
من حملة إعلامية لا تستحق سوى السخرية والابتسامات المُلغّزة.
في هذه المكابرة جانب حقيقي.
ذلك أن الحزب يحتمي منذ تأسيسه وراء دريئتين: الاولى دوره كأداة اقليمية للمحور السوري
– الإيراني يحركها ضمن استراتيجيته الخاصة التي لا تأخذ في العادة المصالح الوطنية
اللبنانية. والثانية، تمثيله لكتلة مهمة من الطائفة الشيعية الأساسية في المعادلة اللبنانية.
كل اهتزاز في إحدى هاتين المهمتين، يعالجه الحزب بتركيز على المهمة الثانية. هذا ما
حصل في حرب تموز (يوليو) 2006 عندما استعان بالتصدي لإسرائيل كذريعة لفرض هيمنته على
الداخل، وهذا ما كرره في أيار (مايو) 2008 عندما احتل بيروت «دفاعاً عن سلاح المقاومة
الموجه ضد اسرائيل».
هذه الاستراتيجية الشبيهة
بمبنى من طابقين، توفر للحزب القدرة على البقاء في منأى عن الضرورات اللبنانية الداخلية.
فعندما تسوء الامور في الطابق الأسفل، اللبناني، ينتقل الحزب الى الطابق الأعلى، المقاوم.
وعندما يوَاجَه الحزب باعتراض عربي ودولي على دوره «المقاوم» في سورية – مثلاً – ينزل
الحزب الى الطابق الأسفل ويؤكد انه يملك حق النقض لكل المعادلات السياسية اللبنانية
باعتباره قوة طائفية رئيسة، بين قوى لا تقل طائفية لكنها لا تتمتع حتى بجزء يسير من
قوته وجبروته.
تمنح الميزة الفريدة هذه
الحزب الحق في الاستعلاء على الآخرين والسخرية منهم. وتتيح لكتبته وسم اللبنانيين الآخرين
بقلة الفهم والعجز عن ادراك أسرار قوة الحزب وعقيدته المحاطة بجلابيب الخطاب الديني،
المنفتح على الآخر حيناً والمنغلق على طقوس شديدة الضيق بكل اختلاف حيناً.
الحزب الفولاذي الذي يستطيع
حشد مئات الآلاف من المسلحين «بكلمتين» من أمينه العام على ما اعلن بذاته، نجح في عزل
نفسه عن الكثير من العوامل اللبنانية، وأظهر تفوقاً لا يدانيه شك في ادارة مصالحه مقارنة
بطبقة سياسية تافهة محدودة الآفاق وعديمة الخيال، من جهة، ومحرومة من الغطاء الخارجي
المؤثر من الجهة الثانية.
لكن ما يرفض الحزب رؤيته
يقع وراء الحدود والمعادلات والسياسات اللبنانية. ونذر العاصفة التي يقول انصار الحزب
انه قادر على مواجهتها والتغلب عليها مثلما تغلب على كل العواصف السابقة، تتجمع على
جبهات عدة. وما يجري في لبنان قليل الشأن والأهمية امام ما يدور في المنطقة العربية.
لقد حسم «حزب الله» خياراته ووضع رهاناته على الطرف الذي يعتبره الرابح في نهاية هذه
اللعبة الدموية الدائرة اليوم. وربما يكون مصيباً في رؤيته على المدى القصير.
لكن الحزب ومن يصفقون له
لم ينتبهوا الى مسائل قد لا تثير اهتمامهم، منها على سبيل المثال إخراجه من دائرة الاحترام
العربي العام، لدوره الحاضر ان لم يكن لماضيه، وارتضاؤه الوقوف الى جانب الميليشيات
الطائفية العراقية في الحرب على الشعب السوري بذريعة «الدفاع عن سورية» فيما تعلم قيادة
الحزب ان الامر غير ما تقول.
عند تدقيق النظر في المبنى
من طبقتين، يبدو واضحاً انه يقع عند التقاء إعصارين يتسابقان في النزول بلبنان: إما
حرب سنّية – شيعية لا تبقي ولا تذر، او هجوم اسرائيلي يدمر المبنى على رؤوس الجميع.
الحزب الفولاذي الذي لا يخطئ يبدو مرتاحاً للاحتمالين.
نقلا عن “صحيفة الحياة”