آراء ومقالات

أبعاد مشروع أم القرى الإيراني المزعوم




من المعروف أن الذاكرة السياسية
للجماهير وكذلك لأصحاب القرار أصبحت في كثير من الأحيان قصيرة، خصوصاً في الوقت
الحالي، والسبب توالي الأحداث وتراكمها بصورة لم يسبق لها مثيل ومعززة بتغطية حية
من قبل الفضائيات ذات الخلفيات والتوجهات المتناقضة والمتعارضة ما ينعكس سلباً على
المتلقي خصوصاً أن كلا منها يدعي الحقيقة ما بين منبر من لا منبر له، وبين أن تعرف
أكثر وغيرها من الفضائيات المسيّسة والمؤدلجة والموجهة
.

لا بد من العمل على محاصرة إيران
بقواعد ومراكز موالية لدول الخليج وللمملكة من القوى والدول المحيطة بإيران مثل
باكستان وأفغانستان والأكراد وتركيا والمعارضة الإيرانية في الداخل والخارج
بالإضافة إلى المقاومة في عرب ستان (الأحواز) المحتلة

ولذلك فإن إعادة قراءة بعض الأحداث
والنظريات والمشروعات ذات الارتباط السياسي والأمني والتوسعي التي سبق للإعلام
الحديث المقتضب عنها لها أهمية بالغة خصوصاً أن تلك النظريات والمشروعات ذات
ارتباط عميق بما يحدث على الساحة العربية والإسلامية.. ولعل من أهم وأوضح تلك
الطروحات التي تم تبنيها من قبل النظام الإيراني وتحويلها إلى خطة عمل مركزية يدور
حولها ولأجل تنفيذها مجمل الحراك الإيراني السري والعلني والذي بموجبه تعمل إيران
الليل والنهار على استقطاب الولاء والجواسيس والتدخل في شؤون الدول الأخرى، خصوصاً
دول الخليج كنطقة انطلاق لها لتحقيق نظرية أم القرى التي يزعم واضعها محمد جواد
لاريجاني منظّر النظام الإيراني أن قم يجب أن تصبح بديلاً عن مكة، وأن تصبح إيران
هي مركز أم القرى وأن يصبح الولي الفقيه القابع في طهران هو خليفة المسلمين، ولذا
يتم إعداد جيش إيراني معزز بأحدث الأجهزة وبأكبر عدد من الرجال وبمدن عسكرية تحت
الأرض ومدعوم بقوة نووية تعمل حكومة طهران على امتلاكها بأسرع وقت ممكن، وقد أنشأت
لذلك عدداً كبيراً من المفاعلات النووية المعلنة والسرية وزودتها بأكثر من (١٥
٫٠٠٠) جهاز طرد مركزي وبنت لها مخابئ
تحت الأرض على أعماق كبيرة لوقايتها من أي تهديد خارجي
.

إن كتاب «مقولات في الاستراتيجية
الوطنية» لمؤلفه محمد جواد لاريجاني يمثل خريطة طريق للسياسة الإيرانية، خصوصاً
تلك المتعلقة بما حول إيران من الدول العربية والإسلامية وعلى وجه الخصوص دول
الخليج العربي لما تتمتع به من ثروات وموقع استراتيجي وقلة سكان ورخاوة أرض، ولعل
أهم تلك المقولات «نظرية أم القرى الإيرانية» التي أبرزت لاريجاني وجعلته يوصف
بأنه من أهم العقول التي تصيغ السياسة الخارجية التوسعية الإيرانية اليوم
.

وإذا ما علمنا أن لاريجاني هذا متخصص
في الرياضيات ويحمل درجة الدكتواه في الفيزياء من أعرق الجامعات الأمريكية وهو
معجب بالمجتمع الأمريكي وبالثقافة الأمريكية، ومع ذلك فهو شديد التمسك بمنطلقاته
القومية الفارسية، هذا وقد تقلد عدداً كبيراً من المراكز والمسؤوليات في الحكومة
الإيرانية، حيث عمل نائباً في البرلمان الإيراني لعدة فترات وشغل منصب مدير مركز
الدراسات الاستراتيجية التابع لمجلس الشورى وعمل مستشاراً في وزارة الخارجية وترأس
لجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية التي كان يرأسها أخوه أية الله لاريجاني،
وهو أيضاً أخو علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني.. فهذا يعني أن أسرة لاريجاني
ذات جذور عميقة في نظام الحكم الإيراني وذات تأثير كبير فيه وذات جذور فارسية قحة
..

نعم لقد اتضح من نظرية «أم القرى»
التي تبناها نظام الملالي في طهران كخارطة طريق أن حقيقة الطريق إلى القدس التي
يتزين بها النظام الإيراني ما هي في الحقيقة إلا الطريق إلى مكة والمدينة عبر
التوسع الإيراني الذي يسعى إلى محاولة تقليل دور هاتين المدينتين وتحويل قم وطهران
كبديلين لهما
..

ولعل من أهم بنود تلك النظرية على
الأقل المعلن منها ما يلي
:

* إن إيران ممثلة ب «قم وطهران» مركز
عليها مسؤولية وواجبات تجاه العالم الإسلامي تتمثل في أن يخضع الجميع لولاية
الفقيه وأن تصبح قم (إيران) هي أم القرى، أي هي دار الاسلام، وهذا حسب السياق
المضمر لا يتحقق إلا بالسيطرة على مكة والمدينة وهذا ما يعملون على أمل تحقيقه من
خلال بناء جيش قوي وتدخل سافر في دول الخليج وجمع معلومات من خلال تجنيد الجواسيس
ومد النفوذ من خلال بذل المال، والحصول على موطئ قدم في البحرين واليمن ولبنان
وسورية، ناهيك عن مد نفوذها في دول الربيع العربي التي لا زالت تعاني من عدم
الاستقرار الذي ينسب جزء منه للتدخل الإيراني والإسرائيلي والخارجي، ناهيك عن
عملائها في الداخل
.

* إن ولاية الفقيه في معتقدهم ركن من
أركان الإسلام يسبق في أهميته أركان الإسلام الخمسة، ولهذا يجب الالتزام بها
وبالتالي يجب أن يعمم ذلك على كل بلاد الإسلام، كما يحرم الخروج على ولاية الفقيه
بأية حال من الأحوال مهما كانت المبررات لأن ذلك أهم أركان الإسلام وبدونه يعتبر
إسلام المرء غير مكتمل
!

* إن نظرية أم القرى الإيرانية المزعومة
تقبل بالحدود السياسية القائمة حالياً لأنها مجبرة على ذلك لكنها تعمل بكل ما
أوتيت من قوة من أجل إزالة تلك الحدود حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة في الوقت
المناسب، وهذا بالطبع ضمن البنود السرية التي ينبئ بها الواقع المشاهد للسياسة
الإيرانية والممارسات على أرض الواقع
.

* كما أشرت سابقاً أن ولاية الفقيه هي
أساس قيادة العالم الإسلامي وهو سوف يكون خليفة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا
تعتبر إيران الخميني نقطة البداية والمنطلق نحو تحقيق الوحدة الإسلامية، ولهذا
فإنها هي أم القرى في الوقت الحاضر وعليها تحمل تلك المسؤولية، وهذه المسؤولية
يتحملها الآن ولي الأمر سماحة آية الله خامنئي، ولهذا فإن المحافظة على مكانة أم
القرى (دار الإسلام)، وهي إيران الآن كما يزعمون، تتطلب اتباعا استراريجيا خاصا
لتعميمها ونشرها وهذا ما تسعى إيران لتحقيقه وقد وضع هدفاً زمنياً لتحقيق ذلك خلال
خمسين عاماً في الظاهر، ولكن ربما تكون المدة المستهدفة أقل من ذلك بكثير
.

* هناك هدفان مترادفان هما المحافظة على
أم القرى، وتحقيق مقولة تصدير الثورة الإيرانية لتعزيز المقولة الأولى وضمان
امتدادها والتي تعتمد من أساسها إلى رأسها على ولاية الفقيه، وهذه الأمور أو
الحقائق كما سطرها بنيت عليها السياسة الخارجية والدفاع والإعلام والتبشير العقدي
الإيراني، ولهذا فهي تحظى بالتطبيق جنباً إلى جنب مع التعديل والتحوير حسب مقتضيات
الحال وطبقاً لمتقضيات التقية وعدم الوضوح والنفاق السياسي
.

* إن هذه النظرية لا تكاد تخلو خطبة
جمعة في أية مدينة إيرانية من الإشارة إليها من قريب أو بعيد، بالتصريح أو التلميح
حسب متقضى الحال
.

* إن نظرية أم القرى لم تعد نظرية بقدر
ما أصبحت مشروعاً قومياً فارسياً إيرانياً رسمياً غير معلن، لكن إرهاصات تنفيذ
أجندته على أرض الواقع بارزة للقاصي والداني خصوصاً على الأرض العربية في الخليج
ولبنان وسورية واليمن ومصر والسودان وحدث ولا حرج
..!

وبعد، فإن إيران اليوم ومن منطلقات
هذه النظرية التي أصبحت مشروعا تحارب إيران بمقتضاه في سورية وتقف إلى جانب الأسد
في قتله للشعب السوري مستخدمة حزب الله ذراع الحرس الثوري الإيراني في لبنان،
وتدعم الحوثيين في اليمن تسعى من أجل أن يكون لها موطئ قدم على الحدود من الجنوب،
وتتدخل في البحرين من أجل السيطرة عليها أسوة بالعراق الذي يحد المملكة من الشمال
وتتمركز في الجزر الاريترية في البحر الأحمر وتدرب فيها الكوادر الموالية لها سواء
أكانوا من تنظيم القاعدة أم من المخدوعين بها من شيعة الخليج وغيرهم من أجل تخريب
بلاد العرب والمسلمين ومن أجل التجسس لها أو تقديم خدمات أخرى مثل تشكيل ركائز
نائمة تستفيد منها وقت الحاجة واللزوم
.

إن إيران اليوم وفقاً لأجندتها
المعلنة والسرية تشكل خطراً استراتيجياً داهماً له أطماع توسعية مبنية على طموحات
فارسية تستغل المذهبية والتشيع كوسيلة من أجل تحقيقها، والدليل ما يعانيه العراق
من فلتان أمني وعدم استقرار وفساد في ظل سيطرة النفوذ الإيراني هناك، فالشيعة
والسنة هناك يعانون الأمرين بنفس القدر بغض النظر عن القيادات الحاكمة التي تتمتع
بالامتيازات، أما البقية من سنة وشيعة فلهم الويل والثبور
.

نعم، مرة أخرى إن إيران تسعى بكل
طاقاتها لمحاصرة دول الخليج بصورة عامة والمملكة بصورة خاصة بقواعد ومراكز موالية
لها مثل الحوثيين والقاعدة في اليمن من الناحية الجنوبية، والعراق من الناحية
الشمالية وتمركز البحرية الإيرانية في الجزر الاريترية في البحر الأحمر ومحاولة
زعزعة الاستقرار في البحرين والتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة من خلال خلايا
التجسس والتغرير ببعض المخدوعين ببهرجة وطروحات النظام الإيراني الذي لن يعيرهم
أدنى أهمية بمجرد تحقيق أهدافه كما هو حاصل في العراق حيث الكل يعاني على الرغم من
تبعية حكومة المالكي لطهران
.

وفي المقابل لا بد من العمل على
محاصرة إيران بقواعد ومراكز موالية لدول الخليج وللمملكة من القوى والدول المحيطة
بإيران مثل باكستان وأفغانستان والأكراد وتركيا والمعارضة الإيرانية في الداخل
والخارج بالإضافة إلى المقاومة في عرب ستان (الأحواز) المحتلة ناهيك عن استعداد
دول الخليج لكل الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة على قاعدة «وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة» الآية. وفي نفس الوقت مد يد التعاون معهم ما وسعنا إلى ذلك سبيلاً
على قاعدة «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» الآية
.

وأنا هنا أتحدث عن هذا الكتاب وأفكاره
من باب اعرف عدوك كما تعرف صديقك
..

 

المصدر: جريدة الرياض



اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى