المطامع والتوجّهات العسكرية الإيرانية
من الواضح وبدون أدنى شك أن المنطقة العربية كانت وما
زالت وسوف تظل محط أنظار مجموعة من الأعداء ذات مشارب مختلفة لكن تجمعها المصلحة،
وفي مقدمة هؤلاء إسرائيل التي بسبب وجودها تحاك كل المؤامرات والخطط التي لبعضها
دواع استراتيجية ومصالح اقتصادية وأمنية، والبعض الآخر نكاية وكرهاً وحقداً على كل
ما هو عربي ومسلم، واليوم نجد إيران تنحو نفس المنحى، أما العنصر الثالث فهو يتمثل
في الأطماع الاستعمارية التي تتحرك طبقاً لمنهج علمي مبني على دراسات استراتيجية
معمقة للوضع في المنطقة العربية من حيث البنية السكانية والطائفية والعرقية
والمذهبية والبنية الاقتصادية والأمنية والسياسية وقوة المعارضة والتفكك العربي
وتخاصم الأنظمة العربية، والتركيز على السلبيات وكيفية الاستفادة منها لتحقيق
المآرب.
ولهذا يتم استغلال
الوضع في ليبيا وتونس ومصر واليمن والسودان والعراق وسورية ولبنان التي ذبحت وتذبح
كل يوم على رؤوس الأشهاد، مع العلم أنه في كل الأحوال لن تعود الأوضاع إلى طبيعتها
في كل تلك البلدان ما لم تتضافر جهود الرجال المخلصين في كل بلد من تلك البلدان، وما
لم تعتمد كل بلد منها على قوتها الذاتية لأن التدخل الخارجي لا يصلح الحال، بل
يزيد الطين بلة ولنا عبرة بما صار إليه الوضع في العراق، لذلك أعتقد أن الأنسب في
الحال السورية هو مد يد العون مالياً وعسكرياً وفنياً بكل ما يحتاجه الجيش الحر
لأنه هو الذي يستطيع هزيمة النظام هناك، وليس التدخل الغربي الذي لا بد من دفع ثمن
باهظ لتدخله، ولا أدل على ذلك من الممانعة وتقاسم الأدوار واللف والدوران لفرض
مزيد من الشروط، ناهيك عن الذي يقبض الثمن مرة يكرر السيناريو نفسه مرة أخرى في
موقع آخر، ولهذا فإن استمرار المسلسل مؤكد بشكل حتمي إذا لم نفهم الملعوب.
ومن يجعل الضرغام
بازاً لصيده
تصيّده الضرغام فيما
تصيدا
لهذا لا بد من
الاعتماد على القوة الذاتية أولا وثانياً وثالثاً والاستعانة بالتحالفات رابعاً،
وهذا ما فهمته كل من إسرائيل وإيران فجعلتا الخدمة العسكرية إجبارية وبنى كل منهما
جيشاً عصرياً عدة وعتاداً ورجالاً، ولبيان ذلك نأخذ إيران كمثال فنعيد إلى القارئ
الكريم ما ذكره التقييم الأمريكي للقوة العسكرية الإىرانية عام (2010م) وهذا يعني
أن ذلك كان قبل ثلاث سنوات من الآن ومن المؤكد أن الأمر أصبح أكثر تعقيداً.
يقول ذلك التقرير إن
وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس حينئذ حدد في تقريره للكونغرس أربعة أهداف
استراتيجية لإيران وهي:
* الهدف الأول والرئيسي منذ بداية الثورة وحتى الأن
ومستقبلاً هو المحافظة على نظام الحكم الديني في إيران، والقضاء على أية معارضة في
الداخل تهدد هذا النظام والتصدي بكل قوة للمعارضة في الخارج.
* العمل على جعل إيران الأقوى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً
في منطقة الشرق الأوسط، بل والأكثر نفوذاً في إدارة دفة القضايا الاقليمية وذات
تأثير بارز في القضايا العالمية.
* العمل على تصدير الثورة وفق توجهات النظام الحاكم في
طهران إلى بقية الدول الإسلامية الأخرى مع جعل ولاية الفقيه هي الأساس في الحكم.
* العمل على الاستفادة من الأقليات التي تشعر بشيء من
الاضطهاد، وكذلك المعارضة وغيرهم في الدول الإسلامية مع ترك مساحة للمناورة والمد
والجرز حسب ما تمليه مصلحة النظام هناك وليس مصالح الآخرين.
أما الاستراتيجية
الأمنية والدفاعية الإيرانية فإنها تركز على تأمين بقاء نظام الحكم الديني القائم
ونموه وتوسعه من خلال العمل على ردع الهجوم المضاد، ولهذا تقوم المؤسسات السياسية
والعسكرية ولأمنية منذ سنوات بمناقشة إنشاء جيش قوامه (20) مليون رجل، وفي نفس
الوقت تستخدم أسلوب الوقاية خير من العلاج حيث تبادر بمد أذرعتها بعيداً عن حدودها
على قاعدة أن الحرب غير النظامية كفيلة بردع جميع أعداء إيران، ومنع الدول الأخرى
من مهاجمتها، ولهذا مدت إيران دعمها وأذرعتها إلى دول وجماعات ومنظمات في الخارج
ذات توافق أيديولوجي أو في مقابل دعم مادي مقابل الولاء وبالتالي هي تستقطب وتستغل
الأفراد والمنظمات والجماعات المتمردة والمعارضة في الدول الأخرى بمثابة مخالب لها
تحركهم متى ما تشاء، ولهذا فإن الإرهاب جزء لا يتجزأ من ممارساتها ضد الدول
الضعيفة متعددة العرقيات والطوائف، ولعل دعم إيران لحزب الله في لبنان والأحزاب
الموالية لها في العراق والقاعدة في كل مكان وإثارة القلاقل في البحرين غيض من فيض.
أما السياسة
الدفاعية لإيران فهي مخططة لمواجهة أي تهديدات خارجية قوية، خصوصاً من جانب أمريكا
وإسرائيل (إذا كانت العداوة الظاهرية حقيقية)، وهي ترتكز على الردع بالقصف
الصاروخي لأهداف استراتيجية مدنية وعسكرية برؤوس تقليدية وفوق تقليدية، ناهيك عن
اجتياح المناطق والأهداف التي لأمريكا فيها مصالح في الدول المحيطة بإيران
باستخدام جحافل الحرس الثوري وقصف الأساطيل والقواعد الأمريكية في الخليج، ناهيك
عن ممارسة حرب استنزاف طويل ضد الوجود الأمريكي في المنطقة والدول المتحالفة معها.
أما استراتيجية
الدفاع النووي فإن إيران تبذل قصارى جهدها من أجل امتلاك السلاح النووي حتى ولو
كان محدوداً في البداية، ولذلك فإن البرنامج النووي الإيراني يعتبر جزءاً مركزياً
في الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية وقوة ضغط وتهديد يمكن أن تبتز بها الآخرين،
خصوصاً أولئك الذين لم ينتبهوا بعد إلى أن القوة والغشامة لا تردهما إلا قوة ذاتية
وغشامة مضادة.
إن الخطة العشرينية
(2005 – 2025م) توفر إطار العمل للخطة الخمسية (2010 – 2015م) والتي بموجبها يتم
تحويل إيران إلى قوة اقليمية عظمى، ولهذا الغرض تسعى تلك الخطة لمد أذرعة إيران
الاستخباراتية والدفاعية والاقتصادية لجميع الاتجاهات التي تساند ذلك التوجه على
مستوى العالم، وذلك كله من أجل الهيمنة على الدول الإسلامية وفي مقدمتها الدول
العربية، حيث تمكنت حتى الآن من مد نفوذها إلى العراق وإيجاد موضع قدم في لبنان
واليمن والحرب سجال في سورية، والمحاولات جارية في البحرين وبقية دول الخليج، وكل
هذا الحراك من أجل تأمين نفوذ سياسي وأمني واقتصادي وديني وهيمنة إيرانية دائمة.
وعلى العموم يعتبر
الولي الفقية (علي خامنئي) هو القائد الأعلى والعام للقوات المسلحة.. وتنقسم
القوات المسلحة الإيرانية إلى ثلاثة مكونات رئيسية هي:
* القوات النظامية، وتشمل القوات البرية والبحرية والجوية
والدفاع الجوي ومنوط بها الدفاع عن الدولة ضد أية تهديدات خارجية.
* الحرس الثوري (البازدران) وهو مسؤول عن حماية النظام
والدفاع عن الثورة الخمينية وهو يتكون من وحدات مشاة محملة على مركبات وهو موزع
على المحافظات الإيرانية، ويوجد ضمنه فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية في
الدول الأخرى وهذه القوات تعتبر النخبة.
* قوات حفظ القانون (الباسيج) وهو مسؤول عن الحدود ومكافحة
الشغب والأمن الداخلي ويتبع رسمياً لوزارة الداخلية، وقوات الباسيج تلعب دوراً
أساسياً في إخماد القوى المعارضة للنظام.
* إيران تنفق بسخاء على قواتها المسلحة حيث بلغت نسبة
الانفاق لعام (2010م) ما يربو على (3٪) من اجمالي الناتج القومي.
* يقدر عدد الأفراد العسكريين العاملين أكثر من (300) ألف
فرد ويقدر الاحتياطي ب (350) ألف فرد.
* القوات البرية تقدر قدراتها البشرية بأكثر من (220)
ألفاً وهي مشكّلة من (12) فرقة منها (4) فرق مدرعة و(6) فرق مشاة و(فرقتان) قوات
خاصة بالإضافة إلى عدد من الألوية المستقلة مدرعة ومشاة ومحمولة جواً وكوماندوز
ومدفعية تدعمها أعداد كبيرة من الدبابات والعربات المدرعة والمدفعية وراجمات
الصواريخ والدفاع الجوي.
* القوات البحرية وهي موزعة على أربع مناطق بحرية تشمل بحر
قزوين، الخليج، مضيق هرمز، خليج عُمان وبحر العرب.
* القوات الجوية: تقدر قوتها البشرية بأكثر من (52) ألف
فرد وتتوزع على عشر قواعد جوية ويقدر عدد الطائرات المقاتلة بنحو (350) طائرة من
أنواع مختلفة.
* قوات الدفاع الجوي، وتتكون من قيادة مركزية وخمسة قطاعات
فرعية ، ولعل أبرز ما يميز إيران توطينها للصناعات الحربية بجميع أنواع الأسلحة، وهذا
مكنها من سد نقص حاجتها وتصدير بعض منها.
* أسلحة الدمار الشامل: تنتج إيران مجموعة متنوعة من أسلحة
الحرب الكيميائية بجميع أنواعها وقد استخدمت بعضها بالفعل في حربها مع العراق، هذا
بالإضافة إلى تمكن إيران من تصنيع أسلحة بيولوجية على شكل فيروسات وميكروبات وجراثيم
وهي تحمل بواسطة قنابل الطائرات ورؤوس الصواريخ.
وعلى الرغم من أن
تلك الاحصائيات تخمينية إلا أنها وطبقاً لمبدأ التقنية المعمول به في إيران تقل
كثيراً عن الواقع، ذلك أن إيران استفادت من حربها مع العراق لمدة ثماني سنوات
تجربة أكيدة هي أن على إيران أن تملك قوة أكبر، قوة ضاربة في الشرق الأوسط حتى
تتمكن من حماية نفسها من جهة وفرض أجندتها على جيرانها من منطلق أنها تريد أن تلعب
دور الرجل القوي في الخليج وما حوله، وهذا ما تحاول إيران فرضه على أرض الواقع إن
لم تجابهها إرادة أقوى منها في دول الخليج بصورة عامة والمملكة بصورة خاصة تتضمن
إنشاء قوة ذاتية تفوق القوة الإيرانية عدداً وعدة وتجهيزات وتدريباً وعدد أفراد،
فالقوة الذاتية أولاً ومساندتها بالتحالفات الدولية ثانياً، ولهذا فإن الاتجاه إلى
فتح الباب أمام الشباب لخدمة العلم أصبح أمام المطامع الإيرانية أمراً مهماً،
خصوصاً أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده ووزير دفاعه، ووزير
الحرس الوطني ووزير الداخلية وسمو النائب الثاني يولون القوات المسلحة بجميع
فروعها عناية خاصة وهم يهتمون بالكيف والكم معاً مدركين اتساع أرض المملكة من
ناحية، ومحاولة إيران المستميتة مد نفوذها على حدود المملكة مع اليمن حيث الحوثيون
والبحر الأحمر حيث الجزر الاريترية، ومن الشمال حيث الحدود مع العراق وفي البحرين
ودول الخليج الأخرى، ناهيك عن قرب الحدود الإيرانية على الساحل الشرقي من الخليج
وغيرها من محاولاتها الفاشلة التي تتكسر على صخرة الإرادة السعودية.. والله
المستعان.