سر المبادرات الإيرانية الجديدة
ما
سر هذا التواتر المنتظم في سياسية إيران الخارجية؟ وما هي الأهداف المبتغاة من
وراء سلوكها هذا؟ هل السبب ذرائعية السياسة الإيرانية ونهجها الدعائي هو الذي أصبح
السمة المميزة لكل ما تقوم به؟ هذه مجموعة الغاز وليست أسئلة تواجه الكثير من
المتتبعين للنشاط السياسي الإيراني الخاص بالرئيس الجديد ووزرائه وأعوانه في
الآونة الأخيرة. طرحت إيران في الفترة الأخيرة الكثير من المبادرات، ووعدت بحل
الكثير من القضايا الشائكة التي عجز عن حلها المجتمع الدولي والدول العظمى، بعد أن
كانت حتى لحظات ليست بالبعيدة هي المشكلة عينها وليست داعمة لها فقط، خاصة فيما
يتعلق بملفات مثل الملف السوري والملف النووي وملف الخليج العربي.
التواتر
هذا والصعود والنزول والتلوّن في سياسة إيران هو مبدأ ودعامة رئيسية لسياسة إيران
منذ اعتلاء الملالي سدة الحكم في طهران. فبعد كل مرحلة متعسرة ومتأزمة تلبس إيران
ثوباً مغايراً ومناقضاً لثوبها القديم. بالضبط كما تفعل الأفعى حين تغير جلدها،
لكن سلوكها يبقى كما هو وسمومها لن تتغير وتبقى هي ذاتها الأفعى القاتلة حين تلدغ.
في
الوهلة الأولى يبدو أن إيران روحاني تختلف كثيراً عن إيران أحمدي نجاد. لو سلمنا
جدلاً إن الحل والربط بيد رئيس الجمهورية وليس المرشد. كما كانت إيران خاتمي تختلف
كثيراً عن إيران رفسنجاني. لكن مثلما تبين سابقاً إن إيران لم تتغير، سنكتشف بعد
حين هذه المرة أيضاً إنها مستمرة في نفس السياسة وليست لديها نية التغيير.
والأسباب وراء كل هذا التلون هو عدم رغبتها في الكف عن سلوكها العدواني تجاه
الآخرين. وإلا لما اضطرت إلى تغيير جلدها أكثر من مرة. فلو أرادت الرجوع عن سلوكها
الخاطئ، لفعلت ذلك منذ أن اكتشفت صعوبة وعدم جدوى تنفيذ مشروعها في تصدير الثورة
الإسلامية، إلى دول الجوار المسلمة الآمنة. فحربها مع العراق وتدمير البلدين وقتل
الملايين من الأبرياء دون إحراز أي تقدم، بحجة تشكيل دولة إسلامية في العراق وتحرير
القدس بعد تحرير كربلاء، كل هذه الحقائق لا تدع مجالاً للشك إنها كانت تسير في
الطريق الخطأ كما اليوم.
الآن
وبعد هذه المبادرات الجديدة التي أطلقتها إيران، أصبح من حق الجميع أن يعتقد إذا
كانت إيران تستطيع حل الأزمة السورية ولم تقدم على ذلك طيلة هذه الفترة التي أكلت
الحرب فيها الأخضر واليابس هناك، فهذا يعتبر جريمة إيرانية بشعة ضد الإنسانية يجب
أن تعاقب عليها.
وإذا
كانت إيران تستطيع حل الأزمة النووية وتستطيع تجميد مشروعها في صنع القنبلة
النوِوية والتنازل عن طموحها في تسيّد المنطقة فكل هذه المماطلة طيلة عقدين من
الزمن وإخفاء المنشئات النووية عن الرقابة الدولية وإعطاء الوعود بالشفافية
والتراجع عنها لاحقاً، مما تسبب في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران أضرت
بالمواطن العادي إلى أكثر مما يتصور الجميع، تعتبر أيضاً جريمة كبرى واستهتاراً
بحياة وعيش مواطنيها.
وإذا
كانت إيران تستطيع حب جيرانها وكف أذاها عنهم فإن كل تلك الممارسات والتصريحات
والتهديدات والتدخلات في شؤون دول الخليج العربي التي أضرت بأمن واقتصاد المنطقة
تعتبر جريمة أيضا، ليس فقط بحق هذه الدول المجاورة، بل بحق العالم أجمع. باعتبار
أن الخليج أكبر مصدر للطاقة في العالم ولا يمكن للبشرية الاستمرار في تطورها دون
الاعتماد عليه حتى المستقبل المنظور على أقل تقدير.
لكن
الحقيقة ليست كذلك، فإيران على الرغم من عدم استطاعتها تقديم أي مساعدة لحل هذه
الملفات بسبب تورطها فعلياً فيها، بل لا توجد لديها نية الإصلاح. والأفضل أن تبقى
إيران بلون واحد كي يستطيع المجتمع الدولي اتخاذ القرار المناسب ضدها من أجل إعادة
أوضاع المنطقة إلى طبيعتها. فالأفعى بجلدها القديم المهترئ والمشمئز تسبب في فزع
وهروب ضحيتها المحتملة، وبجلدها الجديد الملون الجميل تستطيع التمويه والمخاتلة
والخداع فتقترب إليها أكثر وتقضي عليها. فإن إيران بثوبها الحقيقي الواضح وفي
تصريحاتها ونواياها وأفعالها المعادية آمن للعالم من إيران اللابسة لثوبها الجديد
الأبيض الملائكي. باعتبار أن ضحايا سياسة إيران العدوانية يستطيعون الحذر أو تجهيز
عدة المواجهة إذا كانت إيران لا تختبئ وراء دعاية تبدو جميلة ومحبة للسلام
والإسلام!
في
النتيجة هذا السلوك الإيراني المتكرر أسبابه عدم نية إيران التخلي عن نهجها
العدواني تجاه الآخرين. النهج الذي يهدف إلى تحقيق الطموح الفارسي المرتبط برؤية
استعلائية، وهو السيطرة على المنطقة أو على أقل تقدير أن تصبح إيران اللاعب الأكبر
والقوة الإقليمية العظمى. كما إنه بهدف المماطلة وكسب المزيد من الوقت لفرض الأمر
الواقع على العالم أجمع. ولا يهم كيف تصل هي إلى مبتغاها هذا سواء كان بالقنبلة
النووية أو بتدمير المنطقة والنخر بها من الداخل عبر بث سموم الفتنة الطائفية أو
بصب الزيت على النار في أي توتر عربي داخلي.
مركز
المزماة للدراسات والبحوث
24
سبتمبر 2013