آراء ومقالات

التقارب الأمريكي الإيراني وتداعياته على المنطقة



ليس غريباً هذا التقارب
الأمريكي الإيراني الذي بدأ يأخذ طابعاً علنياً. كانت ومازالت العلاقة بين البلدين
مبنية على تحقيق المصالح الاستراتيجية وتخادم المصالح التي حدثت بشكل علني في احتلال
العراق وافغانستان وإن أختفت تلك العلاقة وراء الحروب الإعلامية إذ صح التعبير
.


بعد المفاوضات ما بين
الدول الغربية من جهة وبين إيران من جهة ثانية والتي دامت عشرة اعوام تزامنت معها عقوبات
فرضت من قبل الغرب على إيران جراء مراوغتها وعدم التزامها بالمعاهدات الدولية، وعلى
ضوء هذا الاتفاق أتفق الطرفان مبدئياً على خطة عمل لحلحلة ملف إيران النووي، وذلك من
خلال اجتماعات جنيف بين الأطراف المختلفة، مما يتضح أن قبول طهران للنقاط الخلاف التي
كانت تعتبرها خطوط حمراء يدل دون أدنى شك بإن أهداف إيران في الحصول على السلاح النووي
قد ضمنت لها أو تركت يدها لتحقيقها على أقل التقدير
.


ظهرت مخاوف مشروعة لعدة
أطراف إقليمية ودولية من ماهية هذا الاتفاق وأهدافه السياسية. لم تكن المفاوضات حول
الملف النووي فحسب، بل شملت عدة ملفات إقليمية أصرت إيران على إدخالها في مفاوضاتها
مع دول 5+1. ولم تتسرب معلومات دقيقة عن ماهية ذلك الاتفاق الذي أصرت إيران على سريته
.


والمستغرب ما هو السر
الذي أدى لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين لندن وطهران التي تجلت باتصال رئيس الوزراء
البريطاني بالرئيس الإيراني قبيل الجولة الثانية من مفاوضات جنيف، وكذلك تأجيل العقوبات
التي كانت من المفترض أن تفرض على إيران من قبل الكونغرس الأمريكي. ولا سيما ردود الفعل
التي صدرت من الجهات والأطراف المختلفة تدل على أن هنالك اتفاق وتقارب مريب قد حصل
خلف الكواليس
.


تيارات السياسية والتقارب
الأمريكي الإيراني
:

اولاً: التيار المحافظ
التقليدي وهو ينقسم ما بين متشدد ومعتدل، والذي يتكون من بيت المرشد والحرس الثوري
الإيراني وأفرعه فيلق القدس والباسيج، وكذلك الحوزة العلمية. كانوا المتشددون من هذا
التيار يرفعون شعارات عدائية لأمريكا، ويعلنوا العداء لها وضد أي تقارب من شأنه أن
يتم مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما يعتبرونه خيانة للمبادئ وانحرافا عن خط الثورة
الإسلامية في إيران. والمعتدلون من هذا التيار كانوا يرفعون شعارات عدائية لأمريكا
بهدف الإستهلاك الداخلي والإقليمي ولتجييش مشاعر أنصارهم في المنطقة العربية. قد غير
هذا التيار موقفه وشعاراته العدائية لأمريكا بعد ما لمسوا تراجع وتآكل داخل النظام
جراء العقوبات الاقتصادية، وعزلة إيران السياسية والديبلوماسية، ومشاكلها الأمنية والسياسية.
وتماشياً مع الظروف الجديدة أطلق المرشد علي خامنئي في الأسابيع الماضية سياسة جديدة
سميت بـ”المرونة البطولية” وتعتبر تراجعا ملموسا عن نهج الجناح المحافظ في
العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية
.


ثانياً: التيار الاصلاحي
الذي لم يعد يذكر في الساحة السياسية الإيرانية بعد ما تم إبعاده بشكل كلي من قبل جناح
المحافظ والحرس الثوري الإيراني، ويعتقد هذا التيار أن الإنفتاح على الغرب هو مفتاح
نجاة إيران من أزماتها السياسية والاقتصادية، ولا سيما عزلتها الاقليمية والدولية.
كما يتهم هذا التيار من قبل المتشددين الإيرانيين بأنهم متخاذلين تجاه التهديدات الغربية
والتحديات الداخلية
.


إسرائيل والتقارب الإيراني
الأمريكي
:

لا يمكن نفي دور إسرائيل
في المنطقة والعالم خاصة بالقضايا التي تمس أمنها القومي، ولا يمكن نكران تأثيرها على
القرارات السياسية المهمة بما يخص المنطقة العربية وجوارها. ومن هذا المنطلق لا يتم
أي اتفاق دون أخذ رأي وموقف إسرائيل بالحسبان، وهذا ما تفعله الدول الكبرى في مفاوضاتها
النووية مع طهران
.


إذا قارنا التهديدات المتبادلة
بين إسرائيل وإيران والمستمرة منذ سنين طويلة بين البلدين من جهة، ومع ملفات متشابه
في المنطقة مثل قصف مفاعل تموز العراقي عام 1982، ومفاعل دير الزور السوري عام
2007 من قبل إسرائيل من جهة ثانية يتبين لنا إن تلك التهديدات جعجعة بلا طحين. وما
نسمعه من تهديدات وعراقيل من قبل إسرائيل حول الإتفاق المحتمل بين الدول 5+1 مع إيران
هدفها دفع الاطراف المختلفة والضغط عليها للوصول إلى تفاهمات وتقارب بأسرع وقت ممكن
.


فسرت صحيفة كيهان الرسمية
الإيرانية القريبة من المرشد “علي خامنئي” الضغوط الإسرائيلية وتهديداتها
للحيلولة دون التوصل إلى نتيجة في ملفها النووي لهدفين أساسيين: أولا ً: خداع الرأي
العام الداخلي الإسرائيلي، وثانياً: ترغيب إيران ودفعها للاستمرار بالمفاوضات من أجل
التوصل إلى تفاهم مع الدول الغربية. كما أكد مسبقا ً هذا الأمر هاشمي رفسنجاني رئيس
مجلس تشخيص مصلحة النظام في لقاء صحفي مع الكاتب الإيراني زيبا كلام ونشره مؤخرا ً
موقع 598 التابع لـ “آية الله مصباح يزدي” (كتاب هاشمي رفسنجاني، دون رتوش،
صفحة 204، نشر عام 1387 هجري والموافق 2008 ميلادي). مما يؤكد رفسنجاني بإن إسرائيل
لن تعارض تقاربنا مع واشنطن بل ستساعد في هذا الأمر لأنه ينعكس إيجابياً عليها
.


إذا تمعنا بمغزى الاعتراض
الأمريكي الغريب على المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وموافقة إسرائيل
العجيبة لتجميد المشروع في هذا الوقت بالتحديد، فهذا دون أدنى شك يهدف لتهدئة الأجواء
في المنطقة بغية التوصل إلى تفاهمات مع طهران في هذه المرحلة، ولا سيما يبعث برسالة
اطمئنان إلى الدول العربية
.


دول الخليج العربي والتقارب
الأمريكي الإيراني
:

شهدت منطقة الشرق الأوسط
في الآونة الأخيرة أحداث ومتغيرات عديدة، جاءت بعض هذه الأحداث والمتغيرات بتخطيط مسبق،
استغلت الدول الكبرى تلك الأحداث لتخلق توازنا جديدا في المنطقة، ونتيجة لتلك الأحداث
تراجع دور بعض الدول العربية إقليميا ودوليا، وبرزت بعض الدول مثل إيران لتلعب الدور
ذاته خاصة إذا ما تم الاتفاق والتفاهم ما بين واشنطن وطهران
.


ولا يخفى على أحد هذه
الحقيقة بإن لإيران مشروع توسعي واضح المعالم في المنطقة، وهي تحاول أن تحققه بالسلاح
وعبر ميليشياتها المنتشرة من بغداد إلى بيروت. ولم تترك أي أداة إلا واستخدمتها لتحقيق
مشروعها الذي بدأ منذ العشرينات من القرن الماضي حينما احتلت إيران الإمارات العربية
الأحوازية الممتدة على الضفة الشرقية للخليج العربي، وكذلك الجزر العربية الإماراتية.
ومحاولات إيران الحثيثة للوصول إلى السلاح النووي ما هو إلا لتحقيق ذلك المشروع القديم
الجديد عبر الأنظمة والحكومات المتعاقبة، وبأساليب مختلفة
.


بدأ التقارب الإيراني
الأمريكي يلوح بالأفق، ويعتبر هذا التقارب ونظرا لسياسة إيران التوسعية في المنطقة
تحديا كبيرا لأمن وإستقرار دول الخليج العربي. تدل المؤشرات وبوضوح أن إيران لن تتنازل
عن مشروعها النووي، إلا وقد ضمن لها تدخلاتها السافرة في المنطقة، وهذا ما أعلن عنه
بوضوح نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني “منصور
حقيقت بور”، والذي صرح في صحيفة “جمهوريت” التركية، “إن إذا تم
التفاهم الجيد بين طهران وواشنطن سيكون ذلك نهاية إسرائيل والدول الرجعية في المنطقة”.
ويعني حقيقت بور “بالدول الرجعية” إنها دول الخليج العربي
.


جاء هذا التصريح ردا على
موقف وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع نظيره
الألماني حول الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران
.


لذا دول الخليج العربي
أمام تحدي صعب حيث وقعت بين السندان الأمريكي والمطرقة الإيرانية، وهذا التحدي يضعها
أمام فرصة اختبار حقيقية عليها استثمار ما لديها من أوراق إقليمية ودولية للخروج من
هذه الأزمة أولاً، وبناء تحالفات إقليمية ودولية لتغيير موازين اللعبة السياسية ثانياً
.

 

 

مركز المزماة للدراسات
والبحوث

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى