دول الخليج العربي ورقعة الشطرنج الإقليمية
على ضوء تسارع الأحداث
والمتغيرات في المنطقة العربية، تغيرت المواقف والسياسات في عدد من الدول بشكل دراماتيكي
حيال العديد من القضايا الإقليمية. ولم يكن التقارب الإيراني – الغربي الذي أدى إلى
اتفاق جنيف النووي بين إيران ودول 5+1 إلا جزءاً من اللعبة السياسية الجديدة، وتغييراً
لمواقع اللاعبين على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط الجديد إذا صح التعبير.
نشهد هذه الأيام زيارات
ماراثونية وتقارب لأطراف كانت حتى يوم أمس على طرفي النقيض في الصراع الدائر في المنطقة
على وجه العموم وفي سوريا على وجه الخصوص، وقد جمعت هذه الأطراف الساعية حالياً لتبديل
مواقفها مخطط دولي وإقليمي وشبكة مصالح سياسية واقتصادية.
ذهب رئيس الوزراء التركي
رجب طيب أردوغان لروسيا، والتقى ببوتين وعدد من الوزاء هناك. وزار داوود أوغلو وزير
خارجية تركيا بغداد وطهران في الأسبوع الماضي، والتقى الرئيس الإيراني حسن روحاني.
وكان جواد ظريف وزير خارجية إيران في أنقرة قبل أيام. وذهب نوري المالكي رئيس الوزراء
العراقي لطهران يوم الأربعاء الماضي. وسيزور تركيا الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم
17 ديسمبر. وسبقت هذه الزيارات الماروثونية عدد من اللقاءات السرية جمعت الإيرانيين
بالأمريكان في سلطنة عمان حضرها بايدن نائب الرئيس وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي.
ولم تكن زيارة السلطان قابوس بن سعيد حاكم سلطنة عمان لطهران بعد استلام روحاني السلطة
في إيران خارج هذه التحركات والتوافقات الإقليمية المشبوهة.
وأخذت الأزمة السورية
قسطاً كبيراً من كل تلك الزيارات، كما أعلن عنها في وسائل الإعلام على أقل التقدير.
وتتسابق الدول المذكورة مع الزمن للوصول إلى تفاهمات وتقريب المواقف قبل موعد جنيف2
والذي سيكون يوم 22 يناير من العام المقبل، من أجل تسوية هذه القضية التي استعصت على
الحل منذ ما يقارب الثلاثة سنوات.
كانت الثورة السورية إحدى
أهم الملفات التي وضعت كل من أميركا وتركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى على طرفي
النقيض من الصراع على أرض الشام مما جعل الوصول لحل عسكري شبه مستحيل لأي من الطرفين.
ودون تسوية الملف السوري لتلك الأطراف يبقى أي تقارب بينهم في مهب الريح. فلهذا اجتمعت
تلك الأطراف على موقف واحد وهو الضغط على طرفي النزاع في سوريا للحضور في مؤتمر جنيف2
من أجل الوصول إلى تفاهمات ولو كانت مرحلية. وسيكون الحل السوري على الأرجح على الطريقة
اليمنية. وهذا ما أعلنته كل من تركيا وإيران بعد الزيارات المتبادلة بينهما، حيث يمتلك
الطرفان أدوات ضغط على النظام والمعارضة في سوريا.
إذا كان الجانب العلني
من كل تلك التحركات والزيارات هو سوريا، فمن المؤكد أن المنطقة العربية والخليجية خاصة،
ليست بمنأى عن تلك التحركات الإقليمية والدولية والاتفاقات السرية. وتأتي زيارة محمد
جواد ظريف وزير خارجية إيران لبعض الدول الخليج العربي لتحقيق هدفين أساسيين، الأول
هو محاولة لشق الصف الخليجي بعزل المملكة العربية السعودية عن شقيقاتها من أجل تسهيل
وتمرير الطبخة التي تطبخ على نار حامية في هذه الأيام. والهدف الثاني هو محاولة خداع
دول الخليج العربي وإيهامها بأن إيران غيرت سياساتها مع تغير رئيسها. وتتصور إيران
أن زيارة ظريف ودعوته للتحالف مع بعض دول الخليج العربي بإمكانها أن تغطي على سياسات
طهران وتدخلاتها التي كانت ومازالت مصدر قلق حقيقي لكثير من دول المنطقة.
وتسريب
خبر من قبل وكالة الأنباء الإيرانية على لسان جواد ظريف مفاده بأن طهران جاهزة للحوار
حول جزيرة أبو موسى المحتلة خلال زيارة وزير خارجيتها لدولة الإمارات ماهو إلا لذر
الرماد في العيون. تريد إيران من هذا التصريح والذي نفته فيما بعد واعتبرت الجزر المحتلة
أراض إيرانية ولا يمكن الحوار حولها، إرسال رسالة توهم من خلالها دول الخليج العربي
بأن الخلافات قابلة للحوار والحل بشكل ثنائي. وبالتالي محاولة لتثني دولة الإمارات
العربية عن مساعيها في الذهاب لمحكمة لاهاي الدولية لحل قضية الجزر الإماراتية المحتلة.
كما يشكل هذا التصريح محاولة يائسة لجر دولة الإمارات من محيطها الخليجي.
يوحي التقارب التركي الإيراني
المفاجئ والذي جاء على خلفية التقارب الإيراني الأمريكي والاتفاق النووي، ببوادر تأسيس
تحالف جديد. جمع هذا التحالف الجديد أطرافاً كانت حتى الأمس القريب تتصارع سياسياً
في أروقة المؤسسات الدولية. وتتصارع عسكرياً على أرض الشام بشكل مباشر أو بالنيابة.
ولم يضم هذا التحالف أي
جهة عربية مما يثير الشكوك ويطرح العديد من التساؤلات حول مغزى غياب الدول العربية
من جانب، والأطراف المستهدفة من كل تلك التحركات والاتفاقيات العلنية منها والسرية.
يشكل هذا التحالف جرس
إنذار حقيقي للدول العربية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العداء الإيراني العلني لها،
والمتمثل بالاحتلالات والتدخلات السافرة، وسياساتها التوسعية التي لم تؤخذ بعين الاعتبار
في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1.
كانت دول الخليج العربي
أكثر الدول استهدافاً من قبل إيران في الفترات الماضية لعدة اعتبارات، وستتمادى أكثر
في الفترات المقبلة، خاصة أن طهران اليوم أصبحت أفضل حالاً في علاقاتها الدولية وتقاربها
مع واشنطن والدول الغربية.
فهل ستحرك الدول العربية
قبل فوات الأوان أحجارها على رقعة الشطرنج وتقوم بتشكيل تحالف دولي جديد يخلق لها توازناً
سياسياً واقتصادياً لمواجهة جميع التحديات الداخلية والخارجية. أم ستترك الآخرين يحركون
أحجار رقعة الشطرنج الإقليمية على طريقتهم، فحينها سيكون “كش ملك” نصيب الدول
العربية بوجه عام والخليجية بوجه خاص.
مركز المزماة للدراسات
والبحوث