العربية في الأحواز لغة أم ولغة قضية
من سخرية القدر أن يبذل الإنسان الكثير من الجهد والعناء والتضحية كي يتعلم
لغته. الطبيعي ألا يحتاج الإنسان الذهاب إلى المدرسة لتعلم لغته لأنه يتعلمها منذ
الرضاعة. ومن ثم تتطور لديه عبر الأسرة والمحيط. لكن هل يعقل أن العالم بأسره على
خطأ عندما يرسلون أبناءهم إلى المدارس. بالطبع لا.
لأن اللغة التي يتعلمها الطفل في البيت لا تكفي وحدها لتطوير الجانب المعرفي
لديه، فهو بحاجة إلى لغة المحيط الذي يعيش فيه وما هو أوسع من ذلك المحيط كي
يستطيع تنمية معرفته بشكل يتناسب مع حقبته الزمنية التي يعيش فيها. وكلما كانت لغة الأسرة والمحيط متطورة ومتمكنة ومواكبة
للعصر ملّكت الناشئ عليها قدرات كافية للتواصل مع الآخرين وفهم منتجاتهم الفكرية
والثقافية ومكنته من القدرة على العطاء والإبداع مستقبلا.
الغرض من وراء الذهاب إلى المدارس والمراكز التعليمة يجب ألا يفهم أنه من
أجل تعلم لغة الأم وحدها، بل هو من أجل كسب المعرفة بكل محتوياتها. وأما اللغة
التي يدرسها الطالب في المدرسة فهي عبارة عن محاولة فهم ماهية تلك اللغة وقواعدها
كي يستطيع صيانتها من الزلل ويتحاشى الخلط بينها وبين اللغات الأخرى وكي يستطيع
إزالة ما هو ليس منها ودخيل عليها، وإلا ستندثر لغته عاجلا أم آجلا بسبب سهولة
التواصل بين البشر من مختلف شعوب العالم خاصة في عالمنا اليوم.
أصبح الحفاظ على لغة الأم والدراسة بها وليس أي لغة أخرى وإن كانت تلك
الأخرى أكثر انتشارا وأغزر انتاجا للمعرفة، أصبح حقا طبيعيا للإنسان أينما وجد
وتحت أي ظرف كان. حق لا يجوز انتهاكه وكفلت الشرائع الدولية هذا الحق بنصوص صريحة
لا تقبل التفسير والتأويل.
لكن في عالمنا اليوم يوجد من أعطى لنفسه الحق بأن يمنع الآخرين من الدراسة
بلغتهم وجردهم من إمكانية الحفاظ عليها وتطويرها، بحجة أنها تشكل خطراً على أدبه
أو لغته أو ثقافته. وفي الأحواز يمنع الاحتلال الفارسي الإنسان الأحوازي من
الدراسة بلغته بحجة أنها تشكل خطراً على اللغة الفارسية، أو تمكن صاحبها العربي من
الاستقلال ثقافيا أو تعطيه إمكانية التواصل مع غيره من الناطقين بها. ولا أعرف كيف
برر أصحاب هذا المنطق منع الإنسان الاحوازي من حقه إذا كان الله سبحانه وتعالى هو
من وهبه له.
يتذرع الكثير من الفرس بفكرة أن
الدراسة باللغة العربية ستضعف اللغة الفارسية اللغة الرسمية للبلد. لكن ماذا لو
كانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلد، هل يقبل هؤلاء إن مُنعوا من الدراسة
بلغتهم وهل يقبلون إن لم يسمح لهم أن يسموا أبناءهم، داريوس، كوروس وقمبيز؟
ونتيجة لهذا التناقض الفارسي دفع الكثير من الأحوازيين أثمانا غالية من أجل
الحفاظ على اللغة العربية أو من أجل التعلم بها. وهذا نضال لا مثيل له في تاريخ
البشرية. ولو أردنا التدقيق في النضال الأحوازي سنجد أن هذا المضمار لم يهمل ولا
لحظة واحدة طيلة هذا القرن من الاحتلال. حتى أصحبت العربية والعروبة هي لغة القضية
إلى جانب موقع الأحواز الاستراتيجي وتاريخها واقتصادها ومكوناتها الأساسية الأخرى.
اليوم الثامن عشر من كانون الأول هو اليوم العالمي للغة العربية، وكم هو
محزن هذا اليوم لأننا مازلنا نناضل من أجل الحفاظ على لغتنا ونناضل من أجل أن نعبر
بها بعدة جمل دون أخطاء، بينما كان من الممكن أن نكون نحن اليوم من بين الذين يُكرمون
بسبب نشاطاتهم الثقافية وابداعاتهم الأدبية بهذه اللغة العظيمة، لغة الله والإسلام
والقرآن.
في النهاية من هو أكثر منا نحن
الأحوازيين حقا في كسب مؤيدين ومناصرين لقضيته ونحن الوحيدون من بين شعوب العالم من
نناضل من أجل أن نتعلم بلغتنا ومن أجل أن نسمي أطفالنا ومدننا بلغتنا ومن أجل نعبر
وننتج ونبدع بلغتنا. أتوجد قضية في هذا العالم تمتلك مثل هذه القوة العظيمة بالحق
والعدل والإنسانية أكثر من قضية الأحواز العربية؟