آراء ومقالات
روحاني وسياسة تفريد مجموعة 5+1
تلاعب الجمهورية الاسلامية
الاايرانية بالنظام الدولي، ليس بألامر الجديد طالما كانت تعزف ايران، على وتر
المماطلة من اجل تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية وهذا ماجعلها طرف صعب في اللعبة
السياسية في النظام الدولي. تأخذ الجمهورية الاسلامية في ايران ضمن سياستها
الجديدة، مجموعة “دول الخمسة زائد واحد”، في ترتيبات احادية – ثلاثية – ثنائية
تتمثل في امريكا، الغرب، روسيا والصين. حيث بداءت تتحرك ايران، في اطار سياسة
روحاني، فى نطاقين مختلفين اولهما: المحادثات النؤوية وتسوية ملفها الأقتصادي مع
القوى الكبرى وفى النطاق الأخر تسعى ايران أن تتعامل مع كل بلد من مجموعة
5+1، على حساب مصالحه ومنافعه لتفريد مجموعة القوى الدولية بهدف الحصول على
دورها الاقليمي و فك حصارها الاقتصادي والعمل على استمرار نشاطها النؤوي .
انطلقت حکومة روحاني، مختلفة تماما عما كانت عليها سابقاتها حيث سعيت لارسال صورة
شفافة الى النظام الدولي بانها على استعداد تام للمفاوضات وحلحلة الأزمة النؤوية
الايرانية، بما يضمن ويرضي مصلحة الجهتين، الجمهوريةالاسلامية في ايران
والنظام الدولي.
لكن اذا نظرنا الى الجانب
الثاني من سياسات دولة روحاني في ايران، يتضح بان صورة الجمهورية الاسلامية التي
ظهرت للعالم، ليست صورة شفافة بوضوح، فهي عملة ذو وجهان. الوجه الأول، واضح تماما ويترجم
في كيفية المفاوضات مع القوى الدولية في موضوع ازمة النؤوي الايراني والتحريمات
الاقتصادية. لكن الأشكالية الاساسية تقع في الوجه الأخر، حيث تسعى ايران للعب على
وتر تفريد مجموعة 5+1 و يعبرهذا نقضا للشفافية ولايمكن تسويغ هذه الأزدواجية
في ظل الخطاب السائد بين النظام في ايران ومجموعة 5+1. اذن هذه المراسلات
الايرانية تعتبر متناقضة مع الضمانات التي قدمتها بخصوص اعتمادها مبدأ
“ربح-ربح” لتسوية موضوعها النؤوي. سياسة التفريد بين مجموعة القوى الكبرى لا تنفع
و التفاهم التام بين الطرفين هو وحده الذي قد يفضي إلى تخفيف كبير في العقوبات على
الجانب الايراني. وتراجع ايران في نشاطها النووي المتطرف، هو الامر الوحيد الذي
يمنح القوى الكبرى درجة عالية من الثقة، بان ايران لا تستطيع الخداع ولا يمكنها
إنتاج قدرات تجاوز العتبة النووية. عندئذ تساعد هذه السياسة الشفافة والمرنة، لتبديد
سياسات الجمهورية الأسلامية الايرانية ذات المعاييرالمزدوجة.
في دراسة الواقع، من السهل
ان نتوقع، فشل سياسة تفريد مجموعة الست، لان رغم وجود تباين في أراء اعضاء مجموعة
القوى الكبرى في الشأن الايراني، الا ان هناك اتفاق، في ان روحاني عكس غورباتشوف
في الاتحاد السوفيتي، ليس هو صانع القرار، لذلك تتخذ العقوبات الاقتصادية
بالاتفاق، حافزاً لطهران لكي تعمل على حل ازمة برنامجها النووي. عندئذ لايمكن تحل
طهران أزمة سلاحها النؤوي إلا إذا كانت على استعداد لاتخاذ خطوات مكشوفة لكي تثبت
للمجتمع الدولي أن هدفها الوحيد هو إنتاج طاقة نؤوية سلمية. لذلك لاتصدق القوى
الكبرى، التفاعل اللفظي الايراني بالمفاوضات، وتطلب من ايران، امرين باعتبارهما
ضمان لبناءالثقة والشفافية وهما، التعليق الكامل للنشاط النؤوي و الاكتشاف المبكر
للمفتشين.
.واقع الامر هذه اللعبة
ليست جديدة على النظام في ايران. بعدما بات الوضع الاقتصادي الايراني مهترئاً
وهشاً الى حد انه قد يسقط في أي لحظة على نحو لا قيام بعده. وهذا ما كان تعبر عنه
الشعوب في ايران، بالمخاوف من سوء سياسة وتدبير و فراغ دستوري. لكن مثل هذا الفراغ
مطلوب من “نظام الجمهورية الاسلامية في ايران”، لانه قادر على ملئه، بعدما عمل
طويلاً على خلقه. حتى جأء النظام اخيرا بدولة الاعتدال لتخوض بها المفاوضات
النؤوية، لتحقيق انفراجة سياسية واقتصادية، تضمن بها مصلحة الجمهورية الاسلامية،
والولايات المتحدة ونظيراتها ولا يوجد محلل من الأعراب ضمن هذا الصياغ، للشعوب في ايران.
هذا اتفاق متفق عليه كلتا الطرفين ايران والمجموعة 5+1 حيث طلبت كلتا الجانبين ان
تتم المفاوضات في سرية تامة. والمؤشر على ذلك ان واشنطن طلبت من طهران في 25
سبتمبر 2013، عبروسطاء عمانيين وسويسريين وروس، أن تجري معظم المحادثات المقبلة،
بينهما في إطار من “السرية التامة” بحجة التوصل إلى “رؤوس اقلام اتفاق” بين
الطرفين حول خريطة طريق المفاوضات وتحديد الهدف الذي يراد الوصول إليه واتفقت معها
ايران موكدة على اصرارها في سرية المفاوضات. وهذا ما جعل القيادة الايرانية تشعر
بشيء من الطمانينة، بان واشنطن وحليفاتها لم تعد تسعى لتغيير نظامها.
بعدما لمست ايران النبض الدولي فيما ياتي وراء المفاوضات وشعرت
بألارتياح، بدأت تحاول تطبيق سياستها التالية وهي تفريد مجموعه 5+1 الى مجموعة
1+3+2. وتعتمد على استراتيجية
اثارة الخلافات في الاتحاد الدولي الممثل في 5+1 لمواجهة الاجواء الامنية الدولية،
عبر كسر حاجز التعاون بين القوى العظمى واحباط محاولات اجماع دولي ضدها. تعتقد
طهران، ان السياسات الدولية في صالحها حاليا وتقتضي هذه السياسات، اعتماد
استراتيجية، للتقليل من ضغوط المنظمات الدولية عليها. لذلك ستكون ايران
البادئة بالعلاقات الثنائية مع دول اوروبا دون شك وتسعى لأعادة بناء و توسيع
علاقاتها الاقتصادية خاصة وجعلها درعا واقيأ ضد الضغوط التي تتوجه
اليها.
هذاما أدى الى لقاء الرئيس
الايراني بخمسة من زعماء اوروبا على هامش الاجتماع الاخير للجمعية العامة للامم
المتحدة وفي وقت سابق كان روحاني، التقى برئيسي روسيا والصين على هامش اجتماعات
منظمة شنغهاي بقرغيزستان حيث تسعى ايران ان تقنع هذه الدول بالاعتراف بدورها
المؤثر على صعيد ” ارساء الاستقرار” الاقليمي والاقتصادي وهذا الامريتحقق بسهولة
من خلال ايجاد هوة وفجوة بين اميركا من جهة والدول العظمى الأخرى من جهة
اخرى.
واقع الامر، ستكون المفاوضات الايرانية – الدولية، معقدة جدا
والتفائلات اللسانية التي جأت من الجانبين لا تفي بالغرض، لان ايران تسعى لتحقيق
الافضلية والتفوق على حساب المجموعة الدولية. وفريق روحاني يعتقد بان التوصل الى
اتفاق لن يتحقق الا من خلال التفريد بين دول الاعضاء في مجموعة 5+1. لكن
سياسة التفريق بين الولايات المتحدة والغرب لم تتمخض عن اختلاف بينهما، حيث
اتخذت واشنطن التصدي لهذه الاستراتيجية، من خلال عقد حوار ثنائي مع الحكومة
الايرانية، للتقليل من هواجس
اوروبا ، بهدف بلورة جبهة دولية متماسكة ضد ايران وللحفاظ على دور اميركا البارز
في الملف النووي الايراني.
اذن تتخذ امريكا
واوروبا منهجا مشتركا لمواجهة طهران واختلافهما يقع في الأولوية فقط حيث تاخذ
الولايات المتحدة المفاوضات لاقناع طهران وتعليق نشاطها النؤوي في مرحلة الاولى ثم
تاتي مصالحها اقتصادية بينما يترجم النهج الاوروبي في المفاوضات في المصلحة
الاقتصادية وبعد ذلك تاخذبعين الاعتبار القنبلة النؤوية الايرانية امر يجب
معالجته. عند ذلك يمكن القول ان سياسة روحاني وان نجحت في نطاق الاول، ستفشل في
النطاق الاخر لان دول الشمال (الولايات المتحده والغرب) تعمل كمجموعة واحدة ولا
يمكن تفريقها.
نقلا عن رأي اليوم