آراء ومقالات

#أحوازنا – الإضراب الفارسي والاستقطاب الطائفي

ليس جديداً على أطراف في إيران ترويج خزعبلاتها، وفبركتها للأحداث، وتملصها من المواقف، وتحويرها للقضايا بما يخدم أجندتها الفارسية ومعتقداتها المذهبية الطائفية. وفي كل عام يتكرر كرهها الدفين وغيّها المزمن تجاه المملكة العربية السعودية، وبالتحديد تجاه ملف الحج، الذي تتخذ منه سبيلاً للتسييس والانخراط في القيل والقال وكثرة الجدال حينما تخسر سياسياً، وخاصة بعد خسارتها الأخيرة في الساحة اليمنية، ما دفعها للعب بورقة الحج لمحاولة استفزاز السعودية والتشكيك في دورها في خدمة ضيوف بيت الله الحرام. وجعلها مناسبة سنوية متكررة للتحامل على السعودية، وخلط الملفات والأوراق بعضها ببعض، والرمي بالتهم والأباطيل جزافاً، وتفريغ شحناتها السلبية بالحقد والغل والكراهية، تجاه المنطقة وشعوبها.

وهذا المسلك العقيم يأتي أيضاً لمحاولة تأليب الداخل الإيراني وحشد التأييد لسياسة إيرانية عوجاء وإقناع الشعب الإيراني بمصداقية زائفة، ودغدغة مشاعر الإيرانيين بشن حملات من البغض والكراهية تجاه الآخر، من خلال استمالتهم بالعواطف الدينية التي تؤثر عادة على بعض السذج دون الأخذ في الاعتبار المعطيات والأحداث في حقيقتها التي تدحض الباطل وتظهر الباطن وتكشف تزييف محاولات وحيل كسب القلوب والعقول بهذه الطريقة الفجة السمجة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تنفع الإيرانيين هذا العام سياسة الإضراب عن الحج؟ على طهران أن تدرك جيداً أنها كما ترفض أي تدخل في شؤونها فإن عليها، من باب أولى وأحرى، الكف عن التدخل في شؤون جيرانها، واحترام حسن الجوار والأعراف الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول. فالخلاف الذي قد ينشب بين أية أطراف تتحلى بقدر كافٍ من العقلانية والشجاعة يدفع كل واحد من الجانبين إلى احترام الجانب الآخر، وأما الخلافات المصطنعة والحجج غير المنطقية وحشر البعض أنوفهم فيما لا يعنيهم، فمآل ذلك وخيم عقيم، وأقل حاله أن يكون نوعاً من المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله.

والمتابع للأحداث الإيرانية يدرك جيداً أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تقاطع فيها إيران الحج، وتسعى لمنع مواطنيها من أداء الفريضة، مستخدمة ورقة الحجاج الإيرانيين الذين يصل عددهم لـ75 ألف حاج وحرمانهم من أداء المناسك، على افتراض أن في ذلك خسائر تقدر بـ500 مليون دولار، حسب تقدير مجلة «فوربس». وهذا اعتقاداً منهم أن ذلك يمكن أن يلوي ذراع السعودية للنيل منها وتحقيق مكاسب سياسية في ملفات أخرى بعيدة كل البعد عن قضايا الدين. وأيضاً للعمل على تعميق الخلاف الطائفي بين الجانبين، وإسقاطه على الخلاف السياسي، وهذا ما تريده إيران، لخلق فجوة كبيرة يصعب ترميمها أو محاولة ردمها، كما يفترض، لتجنيب المنطقة وشعوبها الخلافات المؤثرة على التنمية والتعايش السلمي.

وتاريخ إيران مشهود ومشهور بمحاولة زعزعة الاستقرار في الحج والتأليب وتضخيم أبسط الأحداث وإثارة الفتن. ومنذ عام 1980 والسعودية تتعرض لحملات إيرانية مفتعلة لتشويه صورتها، والطعن في إدارتها للحج، والنيل من سمعتها، فتارة تختلق الوقائع والأحداث، وأخرى تفتعل الفوضى والمظاهرات والهرج بين صفوف الحجاج، وكذلك استفزاز رجال الأمن والمسؤولين عن تنظيم سير أمور الحجاج وشؤونهم.

والسعودية وبكل ثقة قادرة على أن تتعامل مع الفبركات الإيرانية للأحداث، وقد اعتادت على تخطي الأزمات التي تختلقها إيران وبعض ساسة طهران، سواء كان ذلك في إضرابهم عن أداء الفريضة أو إذكائهم للاستقطاب المذهبي، أو السعي لإحداث فوضى عارمة بين صفوف الحجاج. ولكن السعودية بكل العزم والحزم تضع قواتها في خدمة الحجيج، وضبط الوضع الأمني بأكثر من 100 ألف عسكري..

كما أن الحزم الأمني السعودي يتواصل نحو تحقيق الغاية الأهم، وهي التيسير على ضيوف الرحمن وضمان سلامتهم في أداء شعائر الإسلام من حج أو عمرة. وتوفير جميع الإمكانيات في سبيل التيسير على الحجاج وضمان أمنهم وراحتهم، بصورة تخطت التنظيم إلى مساعدة الحجاج وحملهم على الأكتاف أحياناً لمن لا يستطيعون أداء مناسك الحج.

إن الإيرانيين في كل مرة وفي كل حجة واهية أو سيناريو زائف يخسرون ما يطالبون به. إلا أن ثقافة بعض المتطرفين والمتعصبين المذهبيين قد تدفعهم للخروج أصلًا على الدين، فتجد منهم من يطالب بتغيير قبلة المسلمين، وآخر يطالب الحجاج الإيرانيين بالحج لكربلاء، وهذا هو ديدنهم، فالشعور برفض الآخرين هو سبيلهم، والرغبة في التدخل والتغول والتغلغل والاستعمار الثقافي والمذهبي يسيطر على مخيلتهم، ويجعلهم يرون الواقع على غير حقيقته، وبما يتلاءم مع أحلامهم الواهمة.

حمد الكعبي

المصدر: الاتحاد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى